الإنسان بين الإيثار والاستئثار

03:40 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عبدالعزيز المقالح


ما ينقص المجتمعات الأقل نمواً والأكثر تخلفاً هو القيمة الإيثارية، حيث تتلاحم وتتناغم فئاتها المختلفة على طريق التحول المنشود.

قليل هم الناس الذين يؤْثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وفقاً للآية القرآنية الكريمة التي تؤكد أهمية الإيثار والخروج من دائرة الذاتية إلى عالم الإنسانية الأوسع، حيث يتبادل الجميع المنافع العامة، ويقدم كل شخص غيره على نفسه، وكما يتجلى ذلك في المجتمعات المتقدمة في خصائصها الاجتماعية، وهو ما تحتاج إليه المجتمعات المتخلفة. والتخلف هنا تعبير صادق وواضح عن عدم قيمة الإيثار.

ومن الصعب جداً على المجتمعات الأنانية أن تتقدم وتتغير أحوالها لهذا السبب ولأسباب أخرى متعلقة به. وحيث لا يوجد الإيثار لا يوجد التماسك ولا الشعور المشترك، بل يبقى كل فرد من هذه المجتمعات حائراً يدور حول نفسه. ولنا أن نتخيل في الواقع أفراداً يجذب بعضهم بعضاً إلى الخلف. ذلك ما لا يحدث على الإطلاق في المجتمعات المتقدمة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك أكثر من مرة.

ومن هنا، فإن القول صحيح جداً بأن ما ينقص المجتمعات الأقل نمواً والأكثر تخلفاً هو هذه القيمة الإيثارية، حيث تتلاحم وتتناغم فئاتها المختلفة على طريق التحول المنشود. ومن المؤسف والمؤلم أن تكون مجتمعاتنا العربية كلها دون استثناء صورة مرعبة للأنانية وعدم الإيثار، وهو ما يجعلها في هذا الحال التي هي عليه، وأي نقلة جديدة تستدعي تغيير النفسية العربية القلقة، والتي لم تعرف بعد كيف تنطلق، وأن يؤْثر كل شخص فيها غيره على نفسه.

وينبغي تأكيد أن هذا المعنى قد تحول في الشعوب المتقدمة إلى سلوك حياتي وتعبير ذاتي لا يتبينه المرء بسهولة، على الرغم من أنه الحاكم والمتحكم في سلوك الناس وتصرفاتهم، وفقاً لما يعكسه حال أقرب شعب من هذه الشعوب التي أدركت أن مسارها المتقدم يتوقف على هذه المعاني وهذا السلوك.

لقد آن لنا أن نتمثل بواقع تلك الشعوب، وأن تنطلق إرادتنا من إيثار الذات وما يترتب عليه من تبعات ارتجاعية وانكسارات روحية ومادية.

إن ما ينقص مجتمعاتنا العربية أكثر من موضوع، لكن قضية الإيثار هي ما ينقصها في الدرجة الأولى، ليتمكن أفرادها من اكتشاف طريق التماسك والانطلاق بعيداً عن التوقف الإرادي في وجه التحديات التي يفرضها مجتمع التصادم وصراع الذاتيات.

وتمثُّل هذا السلوك ليس صعباً ولا مستحيلاً إذا أراد شعب ما أن يستكمل وجوده، ويحقق أحلامه، ويتحرر من أنانيته وشعوره الطاغي بالذات المتضخمة تلك التي نجحت في سد الطريق المطلوب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"