دولة لليهود في الشرق

03:38 صباحا
قراءة دقيقتين
صادق ناشر

لم تنجح روسيا، والاتحاد السوفييتي لاحقاً، في تأسيس دولة لليهود على أراضيها مطلع القرن العشرين، رغم المحاولات الكثيرة، التي بُذلت لتأسيس هذه الدولة وفرضها أمراً واقعاً في مسعى لإنهاء الدور السلبي، الذي كان يقوم به اليهود، وكان سبباً في اندلاع أعمال عنف ضدهم، وتنامي الغضب الشعبي تجاههم، لهذا حاولت السلطات الروسية إدماجهم في النسيج الديموغرافي للبلد عن طريق «ترييفه»، أي فرض نظام عيش ريفي عليهم، إلا أن هذه المحاولات لم تنجح؛ لأن اليهود كانوا يفضلون العمل في ممارسة الحرف والتجارة.
وبعد نشوء الاتحاد السوفييتي؛ إثر انهيار الإمبراطورية الروسية، أنشأ فلاديمير لينين عام 1921 ما عُرِفَ ب«هيئة الكومزت»، التي أوكلت إليها مهمة مساعدة اليهود على الاندماج داخل المجتمع، إلا أن المسعى الحقيقي والصريح لإنشاء دولة يهودية ضمن الاتحاد السوفييتي كان على يد جوزيف ستالين، الذي اتخذ قراراً جريئاً؛ قضى بمنح اليهود وطناً لهم.
وتحكي مصادر تاريخية أن ستالين اتجه في بداية الأمر نحو تركيز اليهود في منطقة القرم، إلا أنه سرعان ما تخلى عن هذه الفكرة، مفضلاً إرسالهم نحو بعض المناطق النائية بأقصى شرقي سيبيريا لتعميرها؛ لكن الانعطاف الحقيقي لتأسيس وطن لليهود كان في السابع من مايو/أيار 1934؛ عندما أعلن رسمياً عن نشأة ما عُرِفَ بال«أوبلاست» اليهودي، ذاتي الحكم عند إحدى المناطق الحدودية مع الصين، وسمّى ستالين هذا ال«أوبلاست» وطناً لليهود، معلناً مدينة بيروبيجان عاصمة له.
شجع تأسيس إقليم ال«أوبلاست»، أو ما يُعرف مجازاً ب«أول جمهورية يهودية في العالم»، يهود أوكرانيا وبيلاروسيا على الهجرة إليه، وخلال فترة الحرب العالمية الثانية، وعلى إثر السياسة الألمانية المعادية لليهود، هاجر العديد من يهود أوروبا الشرقية نحو بيروبيجان، غير أن السنوات، التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا، اعتمد ستالين، وخلافاً لسياساته السابقة، قرارات معادية لليهود؛ حيث أرسل نسبة هائلة منهم نحو مراكز العمل القسري، المعروف ب«الجولاج»، ومنع أتباع الديانة اليهودية من ممارسة شعائرهم الدينية، وحرموا من دخول الوظيفة العمومية، وبسبب هذه السياسات الستالينية تراجع عدد السكان اليهود بال«أوبلاست» اليهودي؛ فكانت وجهتهم نحو الشرق، أي إلى فلسطين، والذي كان تيودور هرتزل قد مهد لهذه الوجهة بما عُرِفَ ب«بمؤتمر بازل» عام 1897؛ حيث فضّل اليهود تغيير وجهتهم والسفر نحو الأراضي الفلسطينية؛ لتأسيس دولتهم على حساب أهلها.
ولم تمض سوى سنوات قليلة على بدء الهجرات اليهودية إلى بيروبيجان، حتى كان اليهود يتسربون شيئاً فشيئاً باتجاه فلسطين، فقد كان «وعد بلفور» البريطاني عام 1917 يحفزهم على ترك «الوطن القومي» على الأراضي الروسية، والاتجاه إلى غزو فلسطين واحتلالها بالقوة، والاستقرار فيها، وبالتالي كرّست بريطانيا كل إمكاناتها؛ لتأسيس الدولة اليهودية عام 1948، ولم تأت وفاة ستالين عام 1953 إلا وكانت نسبة اليهود الباقين في ال«أوبلاست» لا تزيد على 4%، فقد كان تسمين الدولة اليهودية في فلسطين أولوية لبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لاحقاً حتى تصبح شوكة في خاصرة العرب، والمسلمين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"