رُب ضارةٍ نافعة

04:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعزيز المقالح

الطبيعة كما أرادها الله تعالى تعيش حالة انسجام، لكن الإنسان وحده هو الذي انحرف وتخلى عن الرسالة.

بمرور الأيام يثبت الواقع أنه حتى هذا الوباء الكاسح المسمى (كورونا) لا يخلو من فائدة ما، ومن فوائده أن العالم اكتشف أخيراً أنه واحد، وأنه قادر على الوقوف في وجه كل طارئ، ويمكن ملاحظة ذلك ابتداء من بكين إلى واشنطن؛ صحيح أن هناك خلافات عدة اقتصادية واجتماعية وتاريخية، إلا أن هذه الخلافات لم تمنع -ولن تمنع- العالم من الموقف الواحد تجاه (كورونا)، وما يشيعه في أجواء العالم من قلق وخوف.

ومن هنا ندرك أن كل ضارة لا تخلو من فائدة، وفي تمدد هذا الوباء توحدت أهداف الشعوب من أقصى الصين إلى أقصى مكان في الولايات المتحدة؛ والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كان من الضروري أن يجد العالم نفسه محاصراً بهذا الوباء لكي تكتشف الشعوب قدرتها على التحدي؟ ربما كان الجواب بالإيجاب صحيحاً، فقد بدا العالم في مختلف الأماكن واحداً وقادراً على مواجهة كل خطر قد تتعرض له هذه الأرض التي صارت في الأيام الأخيرة عرضة لأشكال عدة من الأوبئة.

والثابت حتى الآن أن الإنسان سواء كان شرقياً أو غربياً، ينتمي إلى العالم المتقدم، أو لا يزال يزحف في واقعه المتخلف، قد اكتشف كما سبقت الإشارة في هذا الحديث، أهمية الترابط العالمي ومواجهة الأخطار المحدقة بهذا الكوكب الذي دخل فصلاً جديداً من فصول المقاومة، وتحمّل واجباته قبل أن تعصف به المخاطر وتدمر ما بقي سليماً فيه.

وقديماً قيل: (قطرة وقاية خير من قنطار علاج)، وعسى أن يكون الذي حدث ويحدث مثيراً للانتباه والشعور المسبق بما سيقع قبل أن يقع، فقد ينجح ذلك الوعي

المستقبلي في المواجهة المطلوبة، ولقد عاش العالم ردحاً طويلاً من الزمن في حالة من التفكك والانقسامات والتنافس غير المطلوب، لكنه الآن بدأ- بفعل الضرورة- يأخذ طريقه الصحيح نحو التضامن والتضافر.

إن الطبيعة كما أرادها الله تعالى تعيش حالة انسجام،

لكن الإنسان وحده هو الذي انحرف وتخلى عن الرسالة، وفتح أبواب المخاطر لتجتاح كل ما بقي في حالته الأولى، والأمل يحدونا جميعاً أن نتذكر حاجتنا إلى الترابط دائماً وليس مجرد ردود أفعال لحالة قد تستمر أو تغيب، واللافت أيضاً أن الشعوب المتقدمة كانت ترى نفسها في منأى عن المخاطر إلى أن داهمها هذا الوباء وبدأ يفتك بالآلاف، ويمكن أن نلاحظ أن الشعوب الفقيرة لم تفقد مناعتها، لهذا فهي تمتلك المزيد من القدرات المقاومة، على العكس من الشعوب المتقدمة التي فقدت مناعتها لأسباب منها الترف والرخاء الزائد عن الحاجة، ولا نقول هذا الكلام نحن؛ بل تقوله تلك الشعوب التي كانت قد تقدمت علينا بعشرات السنين، وينبغي أن ندرك بأن هذا الكلام ليس للمنافسة أو المزايدة بقدر ما هو تثبيت أو إثبات لحقائق الواقع اليومي، وليس غريباً أن الرئيس الأمريكي في حالة مؤتمراته الصحفية يؤكد مدى الانهيار الذي تتعرض له الولايات المتحدة، وما تشهده مدنها الكبرى من مخاوف وقلق يتزايد يوماً بعد يوم جراء ما يحدثه وباء (كورونا) من أفعال وردود أفعال لم تكن في الحسبان.

ويلاحَظ أن هذه المدن تعيش هذه الحالة من الخوف والهلع بعد أن عرفت حياة الرخاء والأمان، ولا مانع هنا من الإشارة التي تكررت من أن حديث (كورونا) ما هو إلا ضرب من التخويف وأنه في حالة انتشاره ليس مخيفاً ولا مريعاً إلى هذا الحد الذي جعل بعض هذه الشعوب المتقدمة تعلن الإضراب والتوقف عن العمل ولا يعلم إلا الله الوقت الذي سيمر على الإنسان منتظراً الفرج القادم، وهو ما لا نشعر به نحن أبناء الشعوب المغلوبة على أمرها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"