قراءة في بيت من الشعر العربي

04:19 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عبدالعزيز المقالح

لا أظن، بل أكاد أجزم أنه لا يوجد بيت من الشعر العربي قديمه وحديثه في مستوى أهمية هذا البيت الذي اخترته في هذه القراءة. وأتمنى أن يجد طريقه إلى ما تبقى من عقول، وما لا يزال ينبض من قلوب. يعود تاريخ هذا البيت إلى القرن الثالث الهجري، قرن ازدهار الشعر، والحكمة، والمعرفة بأشكالها المختلفة. والبيت المقصود هو :
إذا احتربت يوماً وسالت دماؤها
                     تذكّرت القربى فسالت دموعها
صاحب هذا البيت هو الشاعر البحتري الذي وصفه نقاد زمانه بأنه أراد أن يكتب شعراً فغنىّ. وقيل عنه أيضاً: إن المتنبي وأبا تمام حكيمان، وإنما الشاعر البحتري، فقد كان يجيد صياغة قصائده، ويفيد مما في موسيقى الشعر من ظلال، وأضواء. وما يعنينا هنا هو هذا البيت العظيم الذي تبدو الأمة العربية في واقعها الراهن- وأقطارها المتحاربة والمتخاصمة إلى حد التقاتل خاصة- أحوج ما تكون إلى تمثله، وإطالة التفكير في محتواه، كأنه رسالة مفتوحة إلى تلك الأقطار، وخلاصة مشروع للتصالح بين أبنائها من منظور أخوي، عروبي، قومي، يجعل الدماء المراقة في المعارك العبثية تتحول إلى دموع ندم، وإلى عناق حميم، نظراً لما بين أبناء الأمة العربية من أواصر القربي، وعواطف الأخوة الوطنية والقومية التي هي أكبر من كل الخلافات الطارئة، ومن كل وسائل التحريض الخارجي. وليس بعيداً أن يكون محتوى هذا البيت الشعري ثابتاً في الأذهان بأي شكل من الأشكال.
ولم يعد هناك أدنى شك في أن علاقتنا بموروثنا الأدبي، بكل ما تضمنه من قيم أخلاقية وروحية وفكرية، شبه مقطوعة، أو بالأحرى مقطوعة. ولم يعد هذا الموروث الجليل موضع استيحاء، ومتابعة، وكلما أوغل الزمن في الرحيل نحو الأزمان الجديدة زاد جهلنا بأجمل ما في الماضي، وأهم ما تركته العقول الكبيرة من كنوزه التي نحن أحوج ما نكون إلى الاستنارة بأقباس منها، كما هو الحال مع بيت الشعر موضوع هذه القراءة العابرة ، وما يؤكده من أثرٍ لا يستطيع الزمن، بمتغيراته، أن يمحو شيئاً من انعكاساته، والتجارب المعاصرة التي تمت حتى الآن في عدد من الأقطار العربية التي دخلت في نزاعات واحتراب، ثم عادت إلى صوابها متذكرة وشائج القربي نادمةً على ما اقترفته في حق الأخوة من أخطاء، أو خطايا، ما كان لها أن تحدث مهما بلغت هذه الانفعالات وطيش اللحظة الغاضبة.
وفي نهاية هذه القراءة للبيت الشعري العظيم اعترف بأنني لم أتمكن في هذه القراءة المرتبكة من إيفائه حقه، لما تضمنه من خبره استثنائية، وحكمة صالحة لكل العصور.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"