من يحكم الكون.. الإنسان أم «الروبوت»؟

05:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عصام نعمان

عالم الروبوت الياباني هيروشي ايشيجورو يقوم بعيداً عن الأضواء بتطوير تكنولوجيا قد تمحو أكثر الحدود القائمة بين البشر والآلات.
يحكم الإنسان الكون منذ بدء الخليقة، له بصورة عامة السلطة والقرار. تتمرد عليه الطبيعة أحياناً برياحها وأعاصيرها وفيضاناتها وزلازلها، لكن السيطرة تبقى له في نهاية الأمر.
يبدو أن منافساً للإنسان بدأ يتكوّن ويتبلور، بعلمه وعمله ورعايته، وقد يخرج يوماً عن إرادته؛ إنه الروبوت أو الإنسان الآلي. فهل يأتي زمن يتنافس فيه الإنسان والروبوت على حكم العالم؛ بل على حكم الكون الذي يغصّ بالكواكب والنجوم؟
عالم الروبوت الياباني هيروشي ايشيجورو يقوم بعيداً عن الأضواء بتطوير تكنولوجيا قد تمحو أكثر الحدود القائمة بين البشر والآلات، فهو يتوقع أن يكون روبوت المستقبل ذكياً جداً، يساعد في الأعمال المنزلية، ويبدو بهيئة إنسان ويتصرف مثله، وقد يصبح صديقاً للبشر كذلك!
ايشيجورو يعمل حالياً أستاذاً في جامعة إوساكا اليابانية. قال لوكالة «فرانس برس»: «نطور سنة بعد سنة، تكنولوجيا جديدة مثل التعليم العميق الذي حسّن قدرة الآلة على التعرف إلى الأشياء، والآن نركز على النية والرغبة وتطبيقهما على الروبوت ليصبح أكثر شبهاً بالإنسان».
تباشير الروبوت الذكي العامل بدأت بالظهور. ففي اليابان اليوم يُستخدم الروبوت بشكل واسع في مهمات كثيرة مثل طبخ النودلز، ومساعدة المرضى في علاجهم الفيزيائي، وتقوم جامعة تسوكوبا، وشركة «سايبردان» اليابانيتان، بتطوير الروبوت «هال» لمساعدة المقعدين على السير مجدداً باستخدام حساسات موصولة بوحدة تحكّم. ويرى علماء أن الروبوتات الخدماتية ستساعد البشر في الأعمال المنزلية من إخراج النفايات إلى تحضير الخبز.
وفي الولايات المتحدة قطعت تكنولوجيا الروبوت شوطاً ربما أوسع في محو الحدود بين البشر والآلات، فقد أمكن تصنيع سيارة آلية يسيّرها روبوت ذكي خاص بها، وتستطيع التجوال وحدها في الشوارع والساحات دونما تدخل من دماغ بشري، ناهيك عن الروبوتات التي يوليها العلماء مهام تسيير المركبات الفضائية في برامج الوصول إلى الكواكب والنجوم.
ماذا لو فقد الإنسان الطبيعي سيطرته على الإنسان الآلي؟
ثمة تحسّب في أمريكا لإمكانية تمكن الروبوت الذكي وبالتالي الإنسان الآلي الذكي من الخروج عن إرادة «صانعه»؛ أي عن سيطرة الإنسان الطبيعي الذي «طوّره». ففي هوليوود يؤدي هاريسون فورد في «بلايد رانر» دور شرطي يطارد روبوتات متمردة ويقتلها، بعد فرارها وإقامتها بين السكان في مدينة لوس أنجلوس.
لنتخيل حالة أكبر وأوسع وأخطر. ماذا لو أمكن تطوير تكنولوجيا الروبوت لدرجة يصبح معها بالإمكان «صنع» مجاميع؛ بل شعوب من الإنسان الآلي الشديد الذكاء؟
ألن يكون بوسع هذه الكائنات الاصطناعية الذكية أن تتصادق وتتحاسب وتتزوج وتنجب أولاداً؟ ألن يكون بوسع «شعوب» الإنسان الآلي الشديدة الذكاء أن تتحاور وتتفاهم على إقامة مجتمع وسلطة ودولة خاصة بها؟ ألن يكون من الممكن أن تتنافس الشعوب الآلية الذكية مع شعوب العالم الطبيعية؛ بل أن تتحارب معها للسيطرة على ساحات ومناطق وبلدان وقارات؟ أليس من الممكن أن تتنافس «حكومات» الشعوب الآلية الذكية مع حكومات الشعوب الطبيعية على ريادة الفضاء و«احتلال» كواكب ونجوم أخرى؟ ومن ترى سيقوم بتهجير الآخر إلى بعض الكواكب «المحتلة»؛ الشعوب الطبيعية أم الشعوب الآلية؟
صحيح أن هذه التوقعات تبدو حالياً أقرب إلى ما يسمى «أفلام الخيال العلمي»، لكن ألم يكن بعض آلات وتجهيزات ومشروعات عالمنا الحاضر أوهاماً وأحلاماً وتخيلات غير علمية في ماضينا الغابر؟
لعلني لست خيالياً إذا ما توقعت اليوم أن ينبري علماء متعددو الاختصاصات في الجامعات والمعاهد المتقدمة في أمريكا وأوروبا واليابان والصين (وربما في عالم العرب أيضاً!) إلى الاجتماع للتحاور والتوافق على وضع قواعد نظام كوني جديد بديلاً من النظام الدولي الحالي المتهافت، غايته القريبة أو البعيدة تنظيم العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين التشكيلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعوب الطبيعية، والتشكيلات المماثلة (الأكثر تطوراً) للشعوب الآلية التي سيضج بها الكون في قابل الأجيال والقرون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مُجاز في الحقوق ودكتور في القانون العام ومحام منذ السبعينات .. أستاذ محاضر في القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية زهاء عشر سنوات .. نائب ووزير سابق .. له مؤلفات عدة وعديد من الأبحاث والدراسات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"