نصائح مجانية للحكومة اللبنانية

02:08 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عصام نعمان

كانت النصحية قديماً بجمل. لا جمال في لبنان وليس لدى الحكومة أصلاً ثمن جمل تدفعه لي أو لغيري من المتبرعين بنصائح. لذا فنصائحي ونصائح غيري ستبقى بطبيعة الحال مجانية. الدافع لهذه المداخلة ما يتعرض له الرئيس حسان دياب وحكومته من حملات سياسية وإعلامية لمناسبة اتخاذ بعض القرارات، لاسيما ما يتعلق منها بملء المراكز الشاغرة لنواب حاكم مصرف لبنان المركزي، ولرئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف، ولأعضاء هيئة الأسواق المالية وغيرها من المراكز المفتاحية المالية والإدارية. ذلك أن معظم المتحاملين والمعترضين كانوا من أبرز المسؤولين عمّا انطوت عليه التعيينات السابقة من محاباة ومحاصصة وفساد، أو كانوا من حلفاء هؤلاء المسؤولين أو المدافعين عن أشخاصهم وسياساتهم.
كان من الطبيعي أن يتأثر الرئيس دياب بهذه الحملات وأن يجنح تالياً إلى تأجيل اتخاذ القرار النهائي بشأنها؛ بل أن يهرع إلى مقابلة بعض أصحاب هذه الحملات مستوضحاً أبعادها وأغراضها ومحاولاً التوصل معهم إلى تفاهمات وتسويات حولها.
إذا ما واصل دياب وحكومته نهج مراعاة أصحاب الحملات- وبعضهم مسؤول عمّا أنتجته عهودهم في السلطة من مآسٍ وارتكابات ومفاسد فسيكون أشبه بمن يطلق النار على قدميه فيصبح عاجزاً عن الحركة؛ بل ثمة من يعتقد أنه سيجد نفسه مضطراً، عاجلاً أو آجلاً، إلى الاستقالة.
نصيحتي للرئيس دياب أن يكتفي بأخذ العلم بالنقد الإيجابي والاقتراحات الصادرة عن بعض المعترضين غير المغرضين وأن يدير ظهره للمغرضين، فهو أعلن عند تأليف حكومته أنه يتبنى المطالب المحقة للانتفاضة الشعبية، وأنه ساعٍ إلى تحقيقها، فلا مصلحة له ولا لأهل الانتفاضة بتضييع الوقت في الاستماع إلى الخصوم العتاة.
قد يقول قائل إن دياب مضطر إلى حماية حكومته بمراعاة زعماء الكتل البرلمانية لأن لا أكثرية له في مجلس النواب. الجواب: مَن جاء بحسان دياب إلى السلطة ليس هؤلاء الزعماء وأصحاب النفوذ بل ضغوط الانتفاضة الشعبية التي أكرهت سلفه رئيس الحكومة السابقة إلى الاستقالة، كما أكرهت أركان الشبكة السياسية الحاكمة على الإتيان بحكومةٍ من غير أعضاء الكتل البرلمانية. أكثر من ذلك: الحقيقة الراجحة أن كل أصحاب الحملات عليه ومن يقف وراءهم من زعماء الكتل البرلمانية عازفون عن إسقاط حكومته لسبب بسيط هو عجزهم عن الاتفاق للإتيان بحكومة بديلة. حتى لو اتفقوا على ذلك، فإن إقدامهم على إسقاط حكومة دياب، سيؤدي إلى إلهاب مشاعر الناس الفقراء والجائعين والساخطين، وإلى تعزيز الانتفاضة الشعبية واستقوائها على كل أعدائها وأعداء المواطنين الفقراء في هذه المرحلة العصيبة.
فيا أيها الرئيس حسان دياب: أقدم ولا تهب. احرص على الاستجابة لمطالب الناس الفقراء والجوعى والمرضى، وكذلك لمطالب الانتفاضة الشعبية وستكون أنت الناصر والمنصور.
النصيحة الثانية لقادة الانتفاضة الشعبية، أو بالأحرى ل«مجموعات 17 تشرين» هي الآتية: المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، عامية 17 تشرين، الحركة الشبابية للتغيير، شباب المصرف و«حلوا عنا». قرأتُ مطالبكم الثلاثة وهي محقة بما لا يقبل الشك، لاسيما مطلب «تعيين أشخاص لا يخضعون لإملاءات السياسيين وأصحاب المصارف، قادرين على منع المصارف من القيام بتجاوزات غير قانونية وطبعاً كشف من هرّب أمواله إلى الخارج من سياسيين ونافذين ومصرفيين».
نعم، يجب دعمكم بقوة لتحقيقها بالضغط الشعبي وبكل الوسائل المتاحة ما عدا العنف. لكن حذار التصرف على نحوٍ تؤدي ضغوطكم الى الالتقاء، من حيث لا تريدون، بجوقة السياسيين المسؤولين عن إيصال البلد إلى ما وصل إليه من انهيار مالي واقتصادي وضائقة معيشية ومديونية عامة ومواطنين فقراء وجوعى ومرضى.
كونوا واقعيين، بمعنى فهم الواقع وموازين القوى بغية تغييرهما أو تعديلهما، والضغط على الحكومة لتحقيق ما هي قادرة فعلاً على تحقيقه، حتى إذا تلكأت وسقطت تحت وطأة الضغوط، فلن تحزنوا طبعاً لسقوطها؛ بل ستكونون في طليعة القياديين القادرين الشرفاء على تحقيق الهدف الأعلى والأهم: إسقاط نظام المحاصصة الطائفية والاتجاه إلى بناء الدولة المدنية الديمقراطية.
غير أن تحقيق الهدف الأعلى المنشود يبقى مشروطاً بإقدامكم ونجاحكم في اتحادكم وتضامنكم والتوصل إلى اجتراح صيغة جبهوية فاعلة وقادرة على النهوض بمهمتين استراتيجيتين: تأجيج النضال الشعبي ضد أهل النظام الفاسد المترهل، والتركيز على مهام بناء النظام البديل: الدولة المدنية الديمقراطية.
لا وقت للتباطؤ أمام عناد الخصوم وتداعيات جائحة كورونا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مُجاز في الحقوق ودكتور في القانون العام ومحام منذ السبعينات .. أستاذ محاضر في القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية زهاء عشر سنوات .. نائب ووزير سابق .. له مؤلفات عدة وعديد من الأبحاث والدراسات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"