الديمقراطية من منظور طه حسين

كان يستعد لإصداره العام 1926
13:21 مساء
قراءة 3 دقائق

لا يزال لدى طه حسين، رغم رحيله في أوائل سبعينات القرن الماضي، ما يشغل الناس، حيث قام إبراهيم عبد العزيز بالإعداد والتقديم لكتاب لم ينشر لطه حسين في حياته، وأعطاه عنوان الديمقراطيين وصدر عن دار نفرو للنشر والتوزيع بالقاهرة، وكان عميد الأدب العربي يسعى لإخراج هذا الكتاب إلى النور لولا أن معركة الشعر الجاهلي شغلته عن ذلك، لكنه كان قد أنجز المقدمة للكتاب الذي كان ينوي إصداره العام ،1926 وقد وجد إبراهيم عبد العزيز هذه المقدمة بين أوراق طه حسين التي أتاحتها له حفيدة العميد منى الزيات.

وعن بقية المواد التي ضمها الكتاب يقول عبد العزيز: جمعت ما يتعلق برؤية طه حسين للديمقراطية من مقالات ومحاضرات، لتشكل الصورة التي يراها العميد للديمقراطية كقيمة إنسانية تتجمع فيها كل المعاني والقيم من أجل حياة أفضل للإنسان تتحقق له فيها الحرية والعدل، ما أمكنه تحقيقه منها.

وكان طه حسين قد تلقى أول دروسه في السياسة المصرية والعالمية على يد أستاذه أحمد لطفي السيد رئيس تحرير الجريدة التي كانت مدرسة فكرية للتجديد والحرية، وسمع منه أسماء لم يسبق أن سمع بها من قبل مثل فولتير وروسو ومونتسكيو وأثرهم في تهيئة وطنهم للثورة الفرنسية.

يقول طه حسين في الأيام: لأول مرة سمعنا منه ألفاظ الديمقراطية والأرستقراطية وحكم الفرد وحكم الجماعة وحق الأمة في أن تحكم نفسها بنفسها ولنفسها.

وكما يقول عبد العزيز: فإن المتأمل في ما كتب طه حسين عن الحركات الاجتماعية الشهيرة في التاريخ الإسلامي يدرك تمسكه بالظروف الاقتصادية والاجتماعية كعامل أساسي في تفسير التاريخ، فمنطلق هذه الثورات في نظره غياب العدل الاجتماعي، وإذا انعدم العدل وأشرف على التلاشي هب الناس للدفاع عن حقوقهم الاجتماعية، وأول ما يعنيه لفظ العدل عند طه حسين العدالة في خطة توزيع الثروة داخل مجتمع ما أو في النظام الذي يتيح للناس اكتساب هذه الثروة.

ولأن طه حسين يرى أن صنع التاريخ يتطلب أسبابا اقتصادية واجتماعية ونفسية فإن هذا يعني أنه لا يرى للفرد دورا كبيرا في هذا الإنجاز ولا يؤمن بوجود البطل الصانع للتاريخ، وهذا التصور ينسجم مع رؤيته التاريخية التي لا تحفل بالفرد وتجعل من الظاهرة التاريخية ظاهرة اجتماعية، وتعتبر التاريخ من صنع الجماعة لا من صنع الفرد.

من هنا نفهم سر حملة طه حسين على الزعيم سعد زغلول منتقدا صمته إزاء تقديس الشعب له، وهو يدرك أنه بموقفه هذا قد أثار سخط الجماهير عليه، ولكنه يكره الطغيان في كل صوره ولو كان طغيان الشعوب، بما جلب عليه المتاعب، فهو يؤمن بأن الأمم مقدمة على القادة إذ تعيش الأمم قبل الزعماء وتعيش الأمم بعد الزعماء.

ومع ذلك لم يكن لطه حسين أن يجرد القيادات الفكرية من دورها المهم في توجيه الأفراد والجماعات وفي صنع التاريخ وقد حمل هذه الفكرة معه من فرنسا، ومؤمنا بأن عبئا خطيرا من أعباء ثورة 1919 يقع على العلماء والمثقفين، فهم القادرون على أن يقودوا الشعب إلى الخير ويسلكوا به قصد السبيل.

ويلتقط إبراهيم عبد العزيز من بين أوراق طه حسين التي ينشرها في هذا الكتاب، ما جعل له عنوان حول محنة الأدب ويوجه فيه خطابا ساخرا للرقيب، ينعي فيه الحرية قائلا: أشكر لحضرة صاحب المعالي الرقيب العام عنايته بما كتبت ورده عليه وسؤاله عما يمكن أن تكون الرقابة قد مسته من الفصول والبحوث الأدبية ليشاركني في الحزن على الحرية، وليرحم أيامها كما رحمتها، فأحب أن يتفضل الرقيب العام فيوافقني على أن الرقابة مكروهة، مهما يكن الموضوع الذي تراقبه، وكل كاتب له الحق في أن يقول ما يراه في حدود القانون، وفي حدود القانون وحده، ولن يكون الأدب حرا إلا إذا كان القلم حرا في كل ما يطرحه من الموضوعات، وأحب أن أدله بعد ذلك على حديث أراه أدبا، ومن حق الأدب أن يمس السياسة وقد حالت الرقابة دون نشره في الأهرام وهو حديث لم يصدر عني ولكنه وجه إليّ، وما أريد أن أذكر عنوانه ولا كاتبه، فما أرى أن الرقيب يسمح بنشر العنوان واسم الكتاب، إلا أن يسمح بنشر الحديث كله وللرقيب العام بعد ذلك أصدق تحياتي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"