يربط الاعتقاد السائد في عالم الأعمال بين الإنتاجية والوقت، حيث تعتمد نظريات الإدارة التقليدية على فكرة مفادها أنه كلما زادت ساعات عمل الموظف زادت إنتاجيته تبعاً لذلك، ولهذا فليس من المستغرب أن يفرض كثير من أصحاب المؤسسات والشركات في معظم دول العالم على العاملين لديهم، نظام عمل صارماً بدوام طويل، يستنفد طاقاتهم ويقتل روح الإبداع لديهم، ويحيلهم إلى أشباه بشر أشبه بآلات لا غاية من وجودها سوى العمل بلا توقف، إلَّا لسدِّ الرمق، ونيل بضع ساعات من النوم، بالكاد تعطي صاحبها بعض القوة ليستطيع النهوض إلى عمله من جديد في صبيحة اليوم التالي.
أما سبب هذا النهج، فيرجع إلى أن تلك النوعية من المؤسسات لا تعير اهتماماً لإنتاجية الفرد بقدر ما ينصبُّ تركيزها على الوقت الذي يقضيه داخل حدود المنشأة، فهناك فئة من المديرين لا يملكون الخبرة الكافية، ولا القدرة على تحديد المهام الوظيفية المنوطة بكل موظف، مما يجعلهم عاجزين عن تحديد الوقت اللازم لإنجاز متطلبات العمل، لذلك يلجؤون إلى اتباع سياسة شاملة قائمة على تمديد ساعات العمل إلى أقصى حد متاح، ظانّين أن طول الوقت كفيل بحل المشكلات، وما ذلك إلا لقصر نظرهم، وعدم قدرتهم على التخطيط الجيد، وتوظيف طاقات الموظفين بشكل مدروس.
إن ربط الإنتاجية بالوقت هو من أكثر المفاهيم سذاجة على الإطلاق، فهو أشبه بمن يعتقد أن طالباً يدرس ثماني ساعات في اليوم، دون تركيز، ولا خطة واضحة، وبمنهجية قائمة على الحفظ لا الفهم، أفضل من طالب يدرس أربع ساعات في اليوم، بتركيز كامل، وخطة واضحة المعالم، ومنهجية مبنية على الفهم قبل الحفظ!
لكن في المقابل، توجد مؤسسات استفادت من تجارب من سبقوها، فنفضت عن كاهلها نظريات الإنتاجية البالية، واستعاضت عنها بتوجه جديد لا يربط الإنتاجية بطول ساعات العمل، فموظف يعمل ضمن خطة موضوعة مسبقاً، واستراتيجيات ذكية، ومهام محددة لـ 5 ساعات 5 أيام في الأسبوع، أكثر نشاطاً وإنتاجية من موظف يعمل بلا خطة، ولا استراتيجيات، ولا مهام محددة لـ 10 ساعات 6 أيام في الأسبوع، وهكذا دواليك.
أما خلاصة القول، فتتلخص في أن على القادة تحفيز مرؤوسيهم لإنجاز مهامهم ضمن عنصر الجودة لا عامل الوقت، وعلى الموظفين أنفسهم رفع مستوى إنتاجيتهم بدلاً من التركيز على الوقت، حتى يكونوا دليلاً صارخاً على أن الإنتاجية تحتاج إلى الاستثمار الذكي للوقت لا إلى ساعات عمل طويلة مرهقة.
محمد سعيد القبيسي
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا
