دمشق وموسكو تتحديان «قانون قيصر»

02:56 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فراج أبو النور*

اهتمام واسع حظيت به الزيارة التي قام بها وفد روسي رفيع المستوي إلى دمشق مؤخراً، (7 سبتمبر/ أيلول)، ويجب القول إنه اهتمام مستحق، فالزيارة تتسم بأهمية كبيرة، بل وخاصة، انعكست في مستوى التمثيل الرفيع للوفد الروسي، وفي طبيعة القضايا التي تناولتها محادثات الجانبين.
ترأس الوفد الروسي يوري بوريسوف، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، ورئيس اللجنة الحكومية للتعاون الاقتصادي بين البلدين، وضم في عضويته وزير الخارجية العتيد سيرجي لافروف، الذي لم يقم بزيارة دمشق منذ ثماني سنوات، ومعروف دوره الكبير في معالجة قضايا التسوية السياسية للأزمة السورية.
وتجب الإشارة أيضاً إلى أهمية توقيت الزيارة، التي سبقتها ملابسات تتباين فيها مواقف كل من موسكو، ودمشق، وتحديداً في ما يتصل بالموقف من الأكراد، وعمل اللجنة الدستورية في جنيف (بين ممثلي الحكومة السورية والمعارضة)، الأمر الذي أطلق العنان لتكهنات بعض المراقبين بوجود «خلافات عميقة» بين موسكو، ودمشق، ما توضح نتائج الزيارة أنه تقدير ينطوي على الكثير من المبالغة و«التفكير بالتمني»، من دون أن ينفي هذا وجود تباينات في المواقف وضغوط متبادلة، و(إغراءات) روسية لمحاولة إقناع دمشق بالإقدام على بعض الخطوات.

اختراق قانون «قيصر»

إضافة إلى الدعم العسكري الكبير، فإن الدعم الاقتصادي واسع النطاق الذي تقدمه روسيا لسوريا هو أحد أهم مجالات التعاون بين البلدين، وقد أعلنت موسكو منذ وقت مبكر رفضها للعقوبات الاقتصادية أحادية الجانب التي تفرضها واشنطن، (وحليفاتها)، على دمشق، وقدم الجانب الروسي على مدى السنوات الأخيرة مساعدات اقتصادية واسعة لسوريا في مختلف المجالات، بما في ذلك الإمداد بالوقود والحبوب والمواد الغذائية والأدوية، وإعادة إعمار المنشآت النفطية ومحطات الطاقة الكهربائية، والمصانع والطرق والمرافق والمناطق السكنية، ومختلف مجالات إعادة الإعمار، وبالطبع في الحدود التي يتحملها الاقتصاد الروسي، الذي يواجه هو الآخر عقوبات أمريكية وغربية ثقيلة.
وبالرغم من تفعيل «قانون قيصر» ضد سوريا، مؤخراً، بما يتضمنه من تشديد بالغ القسوة للعقوبات الأمريكية عليها، وعلى الأطراف المتعاونة معها، فإن روسيا أعلنت إصرارها على مواصلة التعاون الاقتصادي مع سوريا، وتم خلال هذا الصيف الاتفاق على تنفيذ العشرات من المشروعات الاقتصادية في سوريا باستثمارات روسية، وهي المشروعات التي انتهي نائب رئيس الوزراء الروسي، بوريسوف والوفد المرافق له، من إعداد صياغاتها تمهيداً لتوقيعها في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وفي مقدمتها تطوير ميناء طرطوس وقيام شركة روسية بالتنقيب عن الغاز قبالة السواحل السورية، ( ولا تحتاج الأهمية الاستراتيجية لهذين المشروعين بالذات إلى الشرح)، وتطوير منجم للفوسفات وسط سوريا، وإعادة إعمار أو إنشاء مشروعات صناعية ونفطية، ومحطات لتوليد الطاقة الكهربائية ويبلغ عددها الإجمالي (40 مشروعاً) .
كما التقى لافروف وبوريسوف بالرئيس السوري بشار الأسد، وأكدا تصميم موسكو على تقديم كل أشكال الدعم الاقتصادي والعسكري والسياسي لسوريا في الدفاع عن استقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، مشددين على متانة العلاقات بين البلدين.

أجندة الدولة العظمى

غير أن الدعم الكبير الذي تقدمه موسكو لدمشق في مختلف المجالات لا ينفي حقيقة وجود تباينات في المواقف بين الجانبين تجاه عدد من القضايا السورية، والإقليمية. إذ تنطلق روسيا في سياستها الخارجية من مصالحها كقوة عظمى تتحدد مواقفها على أساس كوني، ولا تتطابق هذه المصالح بالضرورة مع مصالح ومواقف حلفائها، بما في ذلك في الشرق الأوسط، في كثير من التفاصيل، أو تكون المصالح متوافقة عموماً، لكن زاوية الرؤية أو درجة الحساسية تختلف.
وهذا ما ينطبق مثلاً على التباين بين الموقفين الروسي والسوري من إسرائيل، وتركيا، والوجود العسكري الإيراني في سوريا، والمشكلة الكردية، وبعض قضايا التسوية السياسية في سوريا، وإن كان هذا كله لا ينفي التوافق، أو حتى الاتفاق على ضرورة الحفاظ على الدولة الوطنية السورية، وهزيمة الإرهاب على أرضها، ما يمثل أساساً التحالف، والوجود العسكري الروسي في سوريا، بما له من أهمية استراتيجية بالغة لموسكو.

المشكلة الكردية

وفي هذا الإطار فإن روسيا تحرص على الاحتفاظ بحد أدني معقول من العلاقات الطيبة مع الأكراد، ومحاولة إضعاف تحالف «قسد» مع واشنطن وقوات الاحتلال الأمريكية في سوريا، مع تحجيم نزعاتهم الانفصالية، مقابل الموافقة على فكرة «الإدارة الذاتية» في مناطق التجمعات الكردية، وليس في شرق الفرات بأكمله - كما يحلم الأكراد - وترى روسيا في هذا تعزيزاً لنفوذها في شرقي الفرات

الدستور.. والانتخابات الرئاسية

وبينما أعلن لافروف - قبل زيارته بأيام أيضاً - رضاه عن مستوى التقدم الذي تحققه المفاوضات الدستورية بين دمشق والمعارضة، في إشارة إلى إمكانية نجاحها بسرعة، وبالتالي إجراء الانتخابات الرئاسية العام المقبل (2021) على أساس الدستور الجديد، فإن وليد المعلم أعلن - في المؤتمر الصحفي نفسه - أن عمل اللجنة غير محكوم بقيود زمنية، وأن الانتخابات الرئاسية ستجري على أساس الدستور الحالي، إذا لم يكن الدستور الجديد قد تم إنجازه.
غير أن الإطار العام للعلاقات بين موسكو ودمشق يظل قوياً بما فيه الكفاية لتحمل مثل هذه التباينات، كما تظل روسيا متمسكة بدعم الرئيس الأسد، لأن المصالح الاستراتيجية التي تجمع الطرفين تظل أكبر وأهم بكثير من نقاط (الاختلاف)، وليس الخلاف الكبير، بدليل النجاح الواضح الذي حققته الزيارة الأخيرة.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"