إمبراطورية ماكرون الفرنسية

00:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

آرون تيمس *

الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً كشف النقاب عن استراتيجيته للترويج للفرنسية كجزء من اليوم العالمي للفرانكوفونية أمام أعضاء الأكاديمية الفرنسية وضيوف آخرين في المعهد الفرنسي. هذا الخطاب ألقي على بعد خمسين ميلاً شمال شرق باريس، في قصر «شاتو دو فيليه -كوتريه» المدمر الذي يأمل ماكرون أن يحفز حقبة من المجد الجديد لفرنسا.

 ودفع ماكرون قدماً بخطط طموحة لتعزيز المكانة الدولية للفرانكوفونية الفرنسية والحفاظ عليها في جميع أنحاء العالم كمحرك للتنوع والإبداع. لكن النقاد ليسوا مقتنعين بأن الفرانكوفونية تستطيع التخلص من أعباء تاريخها الاستعماري، وقد كشفت الفوضى في ذكرى المنظمة الدولية للفرانكوفونية عن التوترات في قلب المشروع لاستثمار مهمة اللغة الفرنسية العالمية بهدف جديد.

 ومع إبعاد المملكة المتحدة، وركود ألمانيا، لم يخجل ماكرون من التأكيد على طموح فرنسا لقيادة الاتحاد الأوروبي. وقال «لا يمكننا قبول العيش في عالم ثنائي القطب يتكون من الولايات المتحدة والصين». والمعنى الضمني لهذه الملاحظات واضح: ستكون فرنسا زعيمة الدفع بأوروبا نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب.

 وترتبط حجة ماكرون للقيادة الفرنسية لأوروبا - والقطبية الأوروبية في الشؤون العالمية - ارتباطاً وثيقاً بمورد واحد تتمتع به فرنسا بميزة واضحة على ألمانيا وهي اللغة.

 فاللغة الفرنسية هي خامس أكثر اللغات انتشاراً في العالم، ويمكن أن يتراوح عدد المتحدثين الفرنسيين بين 477 و 747 مليون بحلول عام 2070.

 ومصطلح «الفرانكوفونية» ابتكره الجغرافي أونسيم ريكلوس في نهاية القرن التاسع عشر، بينما كان دفاع القوى الأوروبية عن إفريقيا جارياً. والهدف، كما رآه ريكلوس لم يكن فقط توسيع سيطرة فرنسا على أراضي ما وراء البحار، ولكن ضمان استمرارية الأمة الفرنسية من خلال الانتشار الاستعماري للغة.

 لقد كان هذا برنامجاً عنصرياً مبنياً على الرسالة الحضارية لفرنسا والأساطير التاريخية للعبقرية اللغوية الخاصة للبلاد، والتي وفقاً لها كانت اللغة الفرنسية لغة ذات وضوح فريد وذات إمكانات ثورية، لأنها لغة حقوق الإنسان والعالمية الثقافية. ولم تكن اللغة مجرد عنصر لا غنى عنه للاستعمار الفرنسي؛ فمن خلال قوة اقتراناتها، كانت فرنسا تأمل في ترسيخ هيمنة عالمية في القارة.

 ولم تكن تلك الطريقة التي سارت بها الأمور بالضبط، ولكن أصداء هذا الحلم لا تزال قائمة بين المؤسسة الفرنسية اليوم. فإفريقيا تظل ضرورية للمحاولات الفرنسية لهندسة نظام عالمي أكثر ملاءمة لمصالحها الخاصة، واللغة هي جوهر هذا الدافع.

 وبالنسبة لبعض القادة الأفارقة، فإن إضفاء الطابع المؤسسي على الفرانكوفونية من خلال المنظمة الدولية للفرانكوفونية، التي تم إقرار دستورها رسمياً في عام 1970، قدم آلية لدولهم الوليدة للوصول إلى قدم المساواة مع القوى الأكثر تقدماً ووسيلة لإدخال الأدب الإفريقي في الجامعات الفرنسية من خلال مشاركته بإخلاص في أسطورة الفرنسية كلغة للعلم والتحليل والإنسانية. ولكن بعد خمسين عاماً من تأسيس المنظمة الدولية للفرانكوفونية، لا يزال الكثير من الناطقين بالفرنسية يعتبرون الفرانكوفونية وسيلة ل «فرنسة إفريقيا»

 وفي خطبه العديدة حول هذا الموضوع، عمل ماكرون بجد لتبديد الشكوك بأن الفرانكوفونية «الجديدة» ستديم الأنماط الزبائنية في الماضي. ويريد ماكرون توجيه الفرانكوفونية للعودة إلى وظيفتها الأصلية. فالفرنسية، في رأيه، يجب أن تكون «لغة عالمية، ولغة ترجمة، ولغة للمؤلفين، ولغة للتبادل» وذلك على عكس اللغة الإنجليزية، «لغة الاستهلاك». وبرأي ماكرون أن الفرانكوفونية قد تجاوزت فرنسا وهي تنتمي الآن لجميع الدول الناطقة بالفرنسية معاً لكنه قدم الفرانكوفونية بشكل متكرر كمشروع «للغزو» أو «استعادة الغزو».

 وماكرون مغرم بشكل خاص بالفكرة القديمة القائلة بأن الفرنسية هي لغة «العالمية» وفي الوقت الحالي، لا يزال العمل السياسي لإعطاء شكل لعملية تجميل الفرانكوفونية متواضعاً: فالفرنسية، في جميع الاحتمالات، ستستمر في النمو على مدى العقود المقبلة. والتحدي الذي وضعه ماكرون لنفسه هو بناء الفرنسية في حصان طروادة مقبول لتحقيق طموحات فرنسا العالمية، وإخفاء سياسة العظمة الوطنية بلغة التواصل الثقافي والشمول التي تشعرك بالراحة.

* كاتب مستقل يغطي مجال السياسة والثقافة. (فورين بوليسي)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب مستقل يغطي مجال السياسة والثقافة

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"