مفارقات مغالطات الإعراب

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

هل فكّر اللغويون المعاصرون في الطاقات التي أهدرها القدامى، متوهمين أنهم أسدوا بها خدمات جليلة إلى العربية؟ الحديث عن ظاهرة تورث الصداع المزمن. ظاهرة مرض الإعراب.
هذه الأعجوبة بدعة اختلقها قدماؤنا، فليس في اللغات الأخرى ما يماثل حجمها في تراثنا. لم يفكر نحاتهم وأدباؤهم في مثل هذه الغرائب. لن يعثر أحد في غير العربية على إعراب دواوين كاملة، فلدينا إعراب دواوين المتنبي، جرير، أبي تمام، البحتري، وفي المكتبة العربية كتب عدة هي إعراب كامل للقرآن الكريم، كلمة كلمة.
ما يدعو إلى الذهول، هو السؤال: كيف فات علماء العربية عبر القرون، أن إعراب أي كلام، بغض النظر عن بيانه وأسلوبه، لا يمكن أن يكون محكاً لمعرفة قيمة شكله ومضمونه. ما الذي نبتغيه من وراء الإعراب، إذا لم يكن معياراً نعرف به قيمة الشكل والمضمون أو حتى أحدهما دون الآخر؟ حين ينحصر الهم في معرفة الفعل والفاعل والمفعول والحال وحروف الجر والعطف واسم الفاعل والبدل، فما الفرق بين «أكل القط الفأر» وبين «على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ»؟
أسوأ تعذيب للذوق والفكر أن يعكف عقل عالم لغة على إعراب ديوان أبي الطيب. حساب بسيط، شعره قرابة خمسة آلاف بيت. في كل بيت عشر كلمات تقريباً. خمسون ألف عملية إعراب. هل يبقى في هذه المعاناة الجوفاء مجال لتأمل مواطن الجمال وسحر البيان؟ ثم إننا لو وضعنا بين يدي عالمنا الفاضل أسوأ نص في تاريخ العربية على الإطلاق، فهل ستكون طريقة الإعراب مختلفة، أو أن الإعراب سيفضي بنا إلى أن حضيض الكلام ذاك لا يساوي قشة في المبنى والمعنى؟
 ثم: هل قارئ إعراب ديوان أبي تمام يصير أدرى بجماليات شعره؟ أما غير المعقول، فهو أن يتوهم أحد أن الانجراف إلى هذه المتاهات اللغوية الفارغة، سبيل إلى الإحساس بجمال العربية، أو طريق إلى الارتقاء بأسلوب الكتابة. تخيل أن تستمتع برائعة كلثومية وأنت تحصي: دو، ثم مي مخفوضة، ثم صول إلخ...متعة طيبة. أو لوحة لرمبرانت: 13 جراماً أصفر على 22ج أخضر على 25ج أحمر إلخ.
لزوم ما يلزم: النتيجة الإلحاقية: وضع الله هذا الوزر عن ظهر لغتنا، فعلى لغويينا المزيد. الإعراب أمر آني محدود بكلمة عند الضرورة. الأصل تدريس جمال اللغة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"