ازدهار العلاقات بين الإمارات والصين

01:08 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

تعد دولة الإمارات من الدول التي تتبنى، في شؤونها الخارجية، القضايا العادلة على المستويين الإقليمي والعالمي، وهي تتمسك بمبادئ العدالة في كل شؤون حياتها، وتدرك واجباتها حيال القضايا التي تشغل بال المجتمع الدولي، والتي تتطلب تضافر جهود الجميع لحل هذه القضايا بما يتيح للبشرية جمعاء العيش في أمان واستقرار دائمين. وقد قُدّر لهذه البلاد، بذكاء قيادتها الحكيمة، أن تضطلع بأمانة المسؤولية لكل عمل يضمن الأمن والاستقرار لكافة شعوب المنطقة والعالم، وخاصة بعد عودة الصراعات السياسية والفكرية إلى الواجهة من جديد، وإن بدرجة أقل عما كانت عليه أثناء الحرب الباردة في نهاية القرن الماضي. أما في عالم اليوم، وبعد انتهاء الحرب الباردة، واستباب الأمر، في السياسة العالمية الراهنة، للقطب الأوحد الذي يتحكم في السياسة العالمية، بما يملك من نفوذ، فقد صارت المنطقة والعالم أمام متغيرات جديدة، لكن السياسة لعبة التقلبات فلم يدم الأمر طويلًا، وبتنا أمام قوى جديدة صاعدة تبشر بتعدد القطبية، ومن ثم احتاج الأمر، في السياسة الخارجية للدول، إلى لعبة التوازنات في العلاقات بين القوى، وبناء التحالفات على أسس راسخة متينة، تضمن الوقوف على أرض صلبة، بعيداً عن التجاذبات الدولية، والولاء لحليف على حساب الطرف الآخر.

 وقد استطاعت دولة الإمارات، بما يملك قادتها من حنكة سياسية، من الوقوف على مسافة واحدة من القوى المؤثرة في العالم، فلا تبني علاقة على حساب علاقة أخرى، ومن هنا فقد حرصت القيادة السياسية على بناء علاقات متينة مع جمهورية الصين الشعبية، من أجل تحقيق استقرار المنطقة في هذه الأوقات الصعبة التي تموج بالصراعات والنزاعات العديدة التي تعانيها الإنسانية عموماً، ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص.

 إن الزيارات المتبادلة بين قيادتي الدولتين، الإمارات والصين، تمثل دليلاً واضحاً على تنامي تلك العلاقة المشتركة، وفي هذا الخصوص فقد قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يوم 4 فبراير، بزيارة إلى جمهورية الصين الشعبية الصديقة لحضور افتتاح دورة «بكين للألعاب الأولمبية الشتوية 2022»، وكذلك زيارة سموه إلى الصين في 14 ديسمبر 2015، محطة بارزة في سيرورة العلاقات بين الدولتين؛ حيث أجرى سموه خلالها محادثات رسمية مع الرئيس الصيني شي جين بينج، لتعزيز التعاون الثنائي الاستراتيجي، وشهد الزعيمان إطلاق صندوق استثماري استراتيجي مشترك بين الإمارات والصين بقيمة عشرة مليارات دولار. وقال سموه: «إن تشكيل هذا الصندوق الاستثماري هو انعكاس للشراكة المتنامية بين الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية». وسيلعب هذا الصندوق أيضاً دوراً حيوياً في دعم المبادرة الاستراتيجية «الحزام الواحد، طريق واحد» التي أطلقها الرئيس الصيني، والتي ترمي إلى تحسين الاتصال والتعاون مع الشركاء الإقليميين للصين عبر أوراسيا.

 وتتقدم دولة الإمارات جنباً إلى جنب مع الصين الشعبية، من خلال إنشاء مؤسسات بحثية مشتركة، مثل: جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي التي تقود تطبيقات التعلم الآلي والبحوث في علوم التسيير الذاتي. وتعد الصين الشريك التجاري الأكبر لدولة الإمارات، وتقدر، حالياً، قيمة التجارة البينية بحوالي 50 مليار دولار، وهي في طريقها للتوسع إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2030. ويرجع هذا النمو المتسارع إلى الخطوة التي اتخذتها دولة الإمارات؛ حيث إنها كانت من أوائل الدول التي سارعت بالانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق. وأصبحت الآن أكبر مركز لوجستي للصين في الشرق الأوسط، وأكثر من 60 في المئة من تجارة الصين في المنطقة تمر الآن عبرها. وفي السنوات القليلة الماضية، قامت أكثر من 6000 شركة صينية بعمليات في دولة الإمارات وتم توقيع العديد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات، والتي فتحت فرصاً جديدة في مجالات مثل الطاقة المستدامة، وأمن الغذاء، والخدمات المالية، والتعليم، والعمل الإنساني الدولي.

 وقد أصبحت دولة الإمارات مركزاً للتطعيم ضد مرض «كوفيد- 19» ورابطاً لوجستياً للشرق الأوسط للقاح «سينوفارم» الصيني.

 والواقع أن قوة الشراكة المتبادلة بين الإمارات والصين، تؤهلهما معاً للمضي قدماً في طريق تعميق تلك الشراكة بينهما، لاسيما على الصعيد الجيواستراتيجي؛ حيث تمثل الإمارات قوة إقليمية كبرى، وهو ما تدركه الصين جيداً، لذا فهي تسعى إلى توسيع أطر التعاون مع الجانب الإماراتي في مختلف المجالات، وبما يسهم في تحقيق مصالح البلدين وتدعيم الأمن والاستقرار في منطقة الخليج خصوصاً، والمنطقة العربية على وجه العموم.

 حفظ الله هذا الوطن وأدام عليه نعمة العزة والأمن والاستقرار في ظل قيادته الحكيمة، التي لا تألو جهداً لرفعة هذا الوطن وازدهاره.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"