صور اليأس والأمل بانتظار من يحسمها

00:08 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. علي محمد فخرو
ما إن يضع الإنسان ثقته في أي شأن من شؤون أمة العرب، حتى يفاجئه ذلك الشأن بعد حين بانتكاسته، أو بعبثية بعض قادته. وسواء أكان ذلك الشأن، حكومياً أم مجتمعياً، فإن حجم وشدة المفاجأة سيّان، والأسباب التي تجذرت عبر القرون هي الأخرى واحدة.

كل مكونات تلك الصورة المحزنة المملّة لا تعدو أن يكون مسببُها إما فساداً، أو خلافاً غير عقلاني، أو تخلفاً حضارياً في الداخل، وإما أن يكون استباحة، أو ابتزازاً، أو خيانة مركّبة من الخارج.

وكلما تجرأ وضحّى الأحرار الشجعان، من أصحاب الالتزام والضمائر والغيرة الوطنية والقومية، في سبيل تغيير وتحييد تلك المكونات، يواجَهون ببطش ومؤامرات الخارج من أجل إسكاتهم، أو سحقهم، أو بث الفتن والانقسامات فيما بينهم.

وهكذا، وفي كل مرة يبدو كأن نوراً سيشع في بقعة من بقاع وطن العرب، ينطفئ، ويبدأ التخبط في ارتكاب الأخطاء، وسوء الفهم الذي يؤدي في النهاية إلى مزيد من التشرذم وضياع البوصلة الحقيقية تجاه المراد تحقيقه، وإنجازه. نذكر ذلك ونحن نعيش المشهد العربي الحالي الذي يزداد ظلامه وتخبّطه، يوماً بعد يوم، بالرغم من ظهور برق مبشّر، بين الحين والآخر. فالمشهد العربي الصادم يعرض يومياً شتى أنواع الانتكاسات الديمقراطية والنضالية الشعبية التغييرية في بعض الساحات العربية التي كانت تبشر بإمكانات الوصول إلى عوالم الانتخابات النزيهة، والبرلمانات الفاعلة المحاسبة، وتبادل سلطة الحكم، وتراجع التدخلات في السياسة، ويعرض انتكاسات الالتزام القومي تجاه من يحاربون ويضحّون ويموتون على أرض فلسطين المحتلة، ويعرض انتكاسات التدخلات السافرة للاستعمار الغربي المنصهر في المشروع الإسرائيلي الذي يمعن في التصعيد ضد الشعب الفلسطيني، ويرتكب ما يرتكب، من قتل وتدمير وتهجير، على مرأى من أنظار الغرب الذي يكتفي بإصدار بيانات خجولة لا تضع الأمور في نصابها، وتنصر الحق.

لكننا، ونحن ننظر إلى تلك الصور بصدق وموضوعية وبلا خوف من تعريتها الكاملة، نحتاج أن نرفع أبصارنا إلى سماء الأمل الفاعل، ممثلاً أولاً في صعود التصدي المبهر وهو يتحدى الاحتلال في أرض فلسطين العربية.

وثانياً نرى ذلك الأمل الفاعل في رجوع الفكر القومي العروبي، بزخم متصاعد، إلى شتى ساحات النضال السياسي العربي. وهو رجوع ظنت قوى الاستعمار أنه لن يعود، وأن الذاكرة الجمعية العربية ستخرجه من روحها وأحلامها بعد موت بطل الجماهير الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

ويكفي أن يتابع الإنسان ما يُكتب وما يُقال عبر شبكات التواصل العربية بمناسبة الاحتفال بذكرى انطلاق ثورة 23 يوليو/ تموز المجيدة، وما حملته من أفكار وحدوية تحررية تقدمية، حتى يطمئن إلى أن شباب وشابات الأمة هم في طريقهم ليدركوا أن لا طريق لأمة العرب إلا طريق وحدتها وتحررها، وهيمنة فضيلة العدالة على كل مناحي حياتها، وليتبين لهم أن أخطاء الحركات والأحزاب القومية العروبية في الماضي يجب أن تكون دروساً تعلّمنا، لا أن تكون سبباً في التخلي عن المبادئ العظيمة التي طرحتها.

وستكون كارثة لو أن التنظيمات القومية العروبية، بشتى صورها ومستوياتها وأحجامها، لم تلحظ هذه الانعطافة الجديدة عند شباب وشابات الأمة، وتبدأ بالعمل فيما بينهم، ومعهم، من أجل خلق تيار عروبي وحدوي تضامني فاعل يخرج الأمة من آلام ومخاطر الصورة الكارثية التي وصلت إليها بسبب الغياب الوجودي الفاعل لفكر وقيادة وعمل وتضحيات أجيال القوى القومية العروبية السابقة.

هناك قوى هائلة ضد هذا التوجه، ولكن هناك أيضاً قوى هائلة معه، تنتظر من يجيّشها وينظمها ويدفع بها في الساحات من أجل الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والنهوض الحضاري المتجدد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/24t7pnhp

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"