عادي

الإسلام.. وخصوصيات الآخرين

21:59 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

انتشر كثير من صور انتهاك خصوصيات الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال تتبّع بعض وسائل الإعلام للمشاهير ونشر شائعات وأكاذيب حولهم، بل لم يسلم بسطاء الناس من انتهاك حياتهم الخاصة والإساءة إليهم، وتشهد ساحات المحاكم العديد من قضايا الاعتداء على الخصوصية في كثير من البلاد العربية.

يؤكد العالم الأزهري د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر والرئيس الأسبق لجامعة الأزهر أن الإسلام جاء بآداب وأخلاقيات راقية تنظّم العلاقة بين الناس، وتحفظ لكل إنسان خصوصياته، حيث وضعت شريعتنا الغَرّاء سياجاً منيعاً من القيم والتعاليم والأحكام الصارمة، التي تحافظ على الأمور السرية والخاصة التي يَحرُم الاطلاع عليها، أو كشفها بأي دعوى أو مبرر مهما كان.

الصورة

ومنظومة الإسلام الحضارية لحماية خصوصيات الناس تبدأ -كما يوضح د. هاشم- بأدب رفيع وهو «أدب الاستئذان واحترام حرمات البيوت وخصوصيات من يقيمون فيها»، وقد غرسه فينا القرآن الكريم من خلال العديد من الآيات المحكمة التي توفر لكل من يلتزم بها حياة طيبة كريمة، مع كل من يتعامل معهم من الناس، فالقرآن الكريم يحمي حرمة البيوت، ومن بين هذه النصوص القرآنية ما جاء في سورة النور: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون (27) فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم (28) ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون) [النور: 27-29].

ويوضح د. نزيه عبد المقصود العميد السابق لكلية الشريعة والقانون بالأزهر اهتمام الإسلام الكبير بخصوصيات الناس وحمايتها من المتطفلين بكل الوسائل، ويقول: هدف الإسلام من وراء ترسيخ هذه القيم والسلوكيات الرفيعة في التعامل مع خصوصيات الناس يؤكد رقيه وحرصه الشديد على أن يقيم مجتمعه على صفاء النفوس ونقائها، وتبادل الثقة بين أفراد المجتمع، وتجنّب كل ما يؤدي إلى الريبة والشكوك والتهم والظنون، فهناك أدوات إسلامية فاعلة للحماية، ولهذا قرر حق الإنسان بصفة عامة في العيش بسلام واستقرار بعيداً عن الاضطراب والقلق، فجعل حياته الخاصة حصناً منيعاً، لا يجوز الاعتداء عليها، أو حتى الاقتراب منها، وهنا يبرز قوله تبارك وتعالى ليحسم هذه الأمور التي تؤدي إلى انتهاك حرمة الخصوصية التي تتمتع بها حياة الإنسان في الإسلام باعتبارها حقاً أصيلاً: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم) [الحجرات: 12].

ويؤكد د. محمود الصاوي أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر أن صور التدخل في خصوصيات الناس كثيرة ومتنوعة، فهناك من يحشر أنفه في خصوصيات الآخرين ويفرض نفسه عليهم بالتطفل في الحوار وإبداء الرأي في أمور لم يُطلب منه رأى فيها، ومنها من يوجه كاميرا هاتفه المحمول إلى عورات الناس وزلاتهم، وكل هذا مرفوض أخلاقياً، ومحرّم شرعاً، ويجب أن يقف الجميع شيوخاً وشباباً وأطفالاً عند تعاليم وتوجيهات الدين، وكلها أدب وذوق وحماية للخصوصيات.

ويرى أن من بين التدخل في خصوصيات الناس وخاصة الأزواج والزوجات ما يبادر به هواة الفتاوى العشوائية والمتسرعة من فتاوى تفسد العلاقة بين الزوجين وتحرّض كل منهما على الآخر. ويقول: لقد كثرت الفتاوى التي تبث الفرقة والخلاف بين الزوجين، وهي فتاوى غير دقيقة لا يُقرّها الشرع بالصورة التي تصدر بها، ومن أمثلة هذه الفتاوى تلك التي امتلأت بها بعض وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً واهتمت بها بعض المواقع الخبرية، والتي تقول إن الزوجة ليست مسؤولة عن خدمة زوجها وأولادها، وإن الزوج ملزم بإحضار خادمة لها، أو إن الزوجة ليست ملزمة بمساعدة زوجها في تكاليف المعيشة إذا كانت عاملة وغير متفرغة للبيت. والواقع أن الفتاوى بهذا الشكل الجاف لا تنطبق وصحيح الشرع، ولا يمكن تعميمها على كل الأسر، فكل أسرة لها ظروفها، وهناك أسر لا تستطيع أن تتحمل ميزانياتها أعباء خادمة، وهنا يجب على الزوجة أن تبذل كل طاقتها لتوفير الاستقرار والأمان النفسي لزوجها وأولادها، وتلك الأسر تحتاج إلى تعاون الزوجين في الأعمال المنزلية، وهو سلوك حكيم كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وينبه د. الصاوي الأزواج والزوجات إلى ضرورة حفظ خصوصيات الأسرة قائلاً: الإسلام أوجب على الزوجين حفظ أسرار بيتهما، حتى في حال وقوع خلاف بينهما، لأن ذلك من أهم عوامل السّعادة الزوجية، واحتواء الخلافات الأسرية، كما أنه من دلالات المروءة والاتصاف بالفضائل وكريم الأخلاق، لذلك لا يجوز لزوج أو زوجة أن ينقل تفاصيل ما يدور مع شريك حياته للآخرين، أو أن يشهر به مع كل خلاف، وهناك أمور شخصية حذّر الإسلام من التساهل في حِفظها، وحرّم إفشاءها، وإتاحتها لجمهور الناس، هذا في جانب الزوجين. أما الدّوائر المحيطة بهما من أقارب، وأصدقاء، ومحبين، وزملاء، ومتابعين فنجد توجيه الإسلام لها مجموعاً في قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حُسْن إسلام المرء تَرْكُه ما لا يعنيه». أي من علامات حُسْن امتثال المُسلم لتعاليم دينه عدم خوضه فيما لا يعنيه، لا سيما إذا ترتب على الخوض في حياة الناس وخصوصياتهم إفساد بين زوجة وزوجها.

ويشدّد على أن تناقل أخبار الناس، والانشغال بها، وتضخيم مشكلاتهم بالقِيل والقال، والكذب، والتحريف، والمبالغة سلوك منافٍ لحقيقة الإيمان وكماله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mryeutpz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"