عادي

«اللاحب»..مجتمع في مفترق طرق

22:30 مساء
قراءة 3 دقائق
1

القاهرة: «الخليج»

يمثل كتاب «سوسيولوجيا العلاقات السلبية.. نهاية الحب» (ترجمه إلى العربية جلال العاطي ربي) قسماً آخر من دراسة بدأتها إيفا إيلوز منذ عقدين، موضوعها التحول الذي أحدثته الرأسمالية وثقافة الحداثة في حياتنا العاطفية والرومانسية، فإذا كان من مبدأ يوجه سائر أعمال إيلوز عن العواطف والانفعالات، فهو أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن يترك لعلم النفس وحده مهمة تحليل اختلال الحياة الخاصة والحميمية وتفككها.

1

في جعبة علم الاجتماع الكثير ليدلي به بخصوص هذه الأسئلة، لاسيما أنه يصر على أن الخبرات النفسية، تلعب وتعيد لعب دراما الحياة الجمعية، وبأن خبرتنا الذاتية هي انعكاس وامتداد للبنى الاجتماعية، بما هي بنى ملموسة ومجسدة ومعيشة من خلال العواطف.

إننا في أمس الحاجة إلى تحليل الحياة الداخلية تحليلاً غير سيكولوجي، خاصة أن السوق الرأسمالية والثقافة الاستهلاكية، ترغمان الفاعلين الاجتماعيين على النظر إلى قرارة أنفسهم، لا بوصفها المجال الواقعي الوحيد من وجودهم فحسب، بل قرارة تمثل الاستقلالية والحرية والمتعة بجميع أشكالها وقيمها المرجعية.

تشير المؤلفة إلى أن الثقافة الغربية تصور باستمرار كيف يداهم الحب حياة الرجال والنساء، هذه اللحظة الأسطورية التي نعرف فيها أن شخصاً ما قد قدر لنا دون سوانا من الناس، أن تكون عاشقاً يعني أن تصير تلميذاً من تلامذة أفلاطون، ومع ذلك فإن هذه الثقافة التي في جعبتها الكثير لتقوله عن الحب ينعقد لسانها حينما يتعلق الأمر باستحضار اللحظة التي لا تقل غموضاً وإلغازاً، حين نتلافى الوقوع في الحب، أو لما نتوقف عن الحب، أو عندما نصبح غير مكترثين بالآخر، أو حين نأخذ في التهرب من أولئك الذين خلبوا ألبابنا لبضعة أشهر.

ترى المؤلفة أنه ربما لم تحسن الثقافة الغربية تمثيل هذا السؤال أو التفكير فيه، لأن «اللاحب» ليس حبكة ذات بنية سردية واضحة، في أغلب الأحيان، وبعض العلاقات تخمد حتى قبل أن تبدأ، أو بعد وقت قصير على بدئها، في حين أن علاقات أخرى تنتهي إثر موت بطيء لا تفسير له، غير أن «اللاحب» في جعبته الكثير ليقوله من وجهة نظر سوسيولوجية، لأنه يشير إلى الكيفية التي تنحل بها عرى الروابط الاجتماعية.

يسبر هذا الكتاب الشروط الثقافية والاجتماعية التي تقف وراء سمة غدت عادية في العلاقات الرومانسية. والواقع أنها وصلت إلى نهايتها بصورة شبه حتمية، إن «اللاحب» هو بالفعل أرض خصبة لنفهم كيف أن شكلاً جديداً من اللا اجتماعية آخذ في التشكّل، في مفترق طرق كل من الرأسمالية والعلاقات الجندرية والتكنولوجيا.

إن التقصي الذي أجرته المؤلفة منذ سنين عن الحياة العاطفية والرأسمالية والحداثة قد وصل إلى خلاصته الأولية، من خلال الانخراط بقوة أكبر في السؤال الذي طرحته الفلسفة الليبرالية منذ القرن التاسع عشر: أتهدد الحرية إمكانية نسج روابط متينة وملزمة وروابط رومانسية بوجه أخص؟ في صيغته العامة، فإن هذا السؤال ظل يطرح منذ 200 سنة في سياق نهاية الجماعية وصعود علاقات السوق، لكننا صادفناه أقل في مجال العواطف، هذا على الرغم من أن الحرية العاطفية قد أعادت تحديد طبيعة الذاتية كلياً، ولم تكن أقل مركزية في الحداثة من أشكال أخرى للحرية، كما أنها ليست خلواً من ضروب الالتباس والغموض والمعضلات.

لا يسعى نوع التحليل الفلسفي والسوسيولوجي في هذا الكتاب إلى تقويض أسس مبادئ معيارية واضحة، بل إن الغرض منه هو التنقيب عن بعض ضروب الغموض والتناقضات المتأصلة في بعض الممارسات، تمس ضروب الغموض واللبس تلك الجوانب الأكثر تعقيداً من تجربتنا، وأن غالباً ما تدق عن الوصف، وتبقى عصية على التوضيح، إن مهمة علم الاجتماع بمساعدة الفلسفة هي النبش عن مناطق الظل تلك واتخاذها موضوعاً للدراسة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yec4buwa

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"