عادي

الإسلام يقدّس حق الحياة

23:40 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني
لا تزال تتردد أكذوبة انتشار الإسلام بالسيف وعشقه لإراقة الدماء على ألسنة بعض الغربيين ليبرروا بها جرائمهم ضد المسلمين، على الرغم من تفنيد العلماء والمؤرخين المسلمين لهذه الفرية والرد عليها بما يدحضها؛ بل رد عليها الكثير من مفكري الغرب الموضوعيين، وأكدوا أن هذا الدين الخاتم يحمي الأرواح ويقدس حق الإنسان في الحياة، والبراهين على ذلك كثيرة من القرآن الكريم وأفعال الرسول وأقواله، ومن تاريخ الحروب التي خاضها المسلمون، وهي حروب دفاعية، لا بغي فيها ولا عدوان.

يؤكد الإمام الأكبر د.أحمد الطيب، شيخ الأزهر أن الإسلام دين سلام وأمان، ويدين كل صور ظلم الإنسان، وأكثر الشرائع السماوية احتراماً وتقديراً ل«حق الحياة»، ولذلك ليس من العدل، ولا من العلم في شيء ما يُقال من أن الإسلام دين السيف ودين الحروب، فكل حقائق التاريخ تؤكد أن الحرب في الإسلام حالة استثنائية، وضرورة من ضرورات الدفاع عن النفس والأرض والعِرض والشرف.

ويضيف: المسؤول الأول عن شيوع العنف في عالم اليوم هو «غياب العدل وإهدار الحقوق وغياب الأخلاق عن معاملات الدول بعضها مع بعض» ولو عاد الحق ليسود لتمكن العالم من إطفاء الحروب العبثية التي اندلعت في العقود الأخيرة، ولا تزال تندلع في المنطقة العربية والعالم حتى هذه اللحظة، كحرب غزة التي ظهرت فيها كل صور القسوة والعنف وإهدار حقوق الأطفال والنساء والشيوخ في الحياة، وما خلفته من مآسٍ وآلام وأحزان، فقد عانى الشعب الفلسطيني كثيراً غطرسة القوة، وقسوة المحتل المستبد، وآسَى كثيراً لصمت المجتمع الدولي عن حقوق هذا الشعب الأبي، وحقه في الحياة على تراب دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وحماية المسجد الأقصى الشريف من الانتهاكات التي يتعرض لها يوماً بعد يوم.

ويقول: يجب أن نتعلم حق الحق والعدل والإنصاف والسلام من الكتب الإلهية التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله، وآخرها القرآن الكريم الذي نزل على نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، فكلها تُجمع على أن اللهَ كَرّم بنى آدم وفضّلَهم على كثير من مخلوقاته، وأنه خلقهم مُختَلفين في لُغاتهم وألوانهم وأديانهم وعقائدهم، وأن هذا الاختلاف باقٍ فيهم إلى آخر لحظة في عُمْر هذا الكون، وأن محاولات اصطفاف الشعوب خلف دين واحد، أو ثقافة أو حضارة واحدة محاولات مقضِي عليها بالفشل الذريع، طال الزمن أو قَصُر، لأنها تسبح ضد إرادة خالق العباد، والعليم بما يصلحهم وينفعهم، وقد أخبر الله عن نفسه في القرآن أنه «غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ».

الصورة

ويؤكد د.الطيب أن علاقة المسلمين بمن يخالفونهم في العقيدة تقوم على التعايش السلمي وليس على الصراع والمواجهات الدامية التي نراها الآن، ويقول: مَن يَقرأ القرآن قراءة موضوعية محايدة يطالعه قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»، فاتخذ منها قانوناً إسلامياً يَحْكم العلاقات الدولية بين الأمم والشعوب.

يؤكد د. محمد الشحات الجندى، عالم الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن الكتب السماوية تأمر بردع الظالمين، والقرآن الكريم لم يترك العلاقة بين المسلمين وغيرهم تسيطر عليها الأهواء والنزوات والأحقاد حتى في الحروب؛ بل ضبط هذه العلاقة بعدالة الإسلام وما جاء به من تسامح وعفو ورحمة، فرفض بداية مبدأ العدوان وشن الحروب لتحقيق أطماع مادية أو سياسية، وشرع الجهاد للدفاع عن الدين والوطن والكرامة، فالمسلم مطالب شرعاً وفق دستوره القرآني العادل.

ويوضح أن أهداف الجهاد ومشروعيته كما أخبرنا بها القرآن واضحة جلية في قول الله سبحانه: «إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور. أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز»، والمعنى الذي ترشدنا إليه هذه الآية: أن الله تعالى بفضله وكرمه يمنع عن المؤمنين ظلم أعدائهم، فيأمر برد كيد هؤلاء الأعداء في نحورهم، لأنه ليس من العدالة والإنصاف أن يترك هؤلاء يواصلون ظلمهم وعدوانهم وإهدارهم لحقوق الآخرين.. ولولا أن الله تعالى قد اقتضت سنته أن يسلط على الظالمين من يردعهم لعاثوا في الأرض فساداً، ولهدموا معابد الرهبان التي تسمى بالصوامع، ولهدموا أيضاً كنائس النصارى وأماكن العبادة لليهود، وأماكن العبادة للمسلمين التي يذكر فيها اسم الله كثيراً.. وهؤلاء المعتدين الظالمين لا يأمر القرآن وحده بملاحقتهم والتصدي لهم ووقف عدوانهم.. بل كل الكتب السماوية تحث على وقف ظلمهم وعقابهم على ما اقترفت أياديهم من جرائم.

وأهداف الجهاد في الشريعة الإسلامية- كما يوضح د.الجندي- نبيلة وسامية وتستهدف وقف العدوان ومنع الظلم وردع المجرمين.. لكن هذا لا يعنى أن هذا الجهاد المشروع يأخذ حكماً واحداً، فحكم الجهاد في الشريعة الإسلامية يختلف بحسب الموقف ونوعية العدوان وحجم الظلم.

ويوضح د.عبد الفتاح إدريس، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أدوات حماية القرآن الكريم- وهو دستور المسلمين الخالد- لأرواح الناس، فيقول: لقد شدد القرآن الكريم في مواجهة جريمة القتل وشرع القصاص لردع المجرمين، الذين يستبيحون الدماء ويعتدون على الأرواح وتوعد هؤلاء القتلة بأشد ألوان العذاب في الآخرة لزجرهم عن ارتكاب هذه الجريمة النكراء حماية لحياة الإنسان الذي كرمه خالقه وسخر كل ما في هذا الكون لخدمته.

ويقول: لا شك أن موقف القرآن المتشدد من جريمة قتل الأبرياء يؤكد عظمة هذا دستورنا الإلهي الذي أراده الخالق حماية للإنسان من كل ما يضر بحياته أو يلحق به الأذى النفسي والمعنوي.. يقول الحق عز وجل: «من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mu3y668u

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"