قمتا العرب والمسلمين

00:31 صباحا
قراءة دقيقتين

د علي محمد فخرو

مع كثرة الاختلافات في وجهات النظر حول ما يجري في فلسطين المحتلة، وعلى الأخص في غزة المبتلاة بالبؤس والمستهدفة بألف حجة مصطنعة، لا بد من تذكير الكل، وعلى الأخص شابات وشباب الأمة، بالمبادئ والممارسات والضوابط التي يجب أن تحكم معارك الاختلافات تلك. ونحن هنا نشير على الأخص إلى ما يجري عبر شبكات التواصل الاجتماعي الإلكترونية وغيرها، وإلى ما بين أنظمة الحكم العربية من خلافات.

ومن البداية دعنا نشدد على الأهمية القصوى لأن يحكم تلك النقاشات عدد من الفضائل، بعيداً بمقدار ما أمكن عن أضدادها من الرذائل. ولعل روح وأعماق تلك الفضائل تتمثل في الآية القرآنية الكريمة: «ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم». وليكن مدخلنا للممارسة الصحيحة ما أكده البعض من أن التأدب هو مصدر الفضائل الرئيسي، والإخلاص هو مبدأها الأساسي، والتعقل والاحتراس هو الشرط الذي يجب أن يسبق ممارستها.

فالتعقل والاحتراس عند بحث وقائع بالغة التعقيد، مثل الذي يجري في فلسطين، بحيث ينتبه إلى محدوديات وخصوصيات الواقع وموضوع النقاش ولا يتيه في تبسيط ما تتطلبه المثاليات والعموميات أحياناً، وفي الإصرار على الأخذ بها مهما كانت الظروف ومهما كان الثمن... هذا النوع من الاحتراس، الذي قد يسميه البعض بالنية الحسنة، هو ضروري أحياناً، وإلا فان النتيجة قد تكون كارثية. من دون هذا التعقل والاحتراس وأخذ الحيطة فإن فضائل مهمة مثل الشجاعة والعدالة قد تتيه في التطبيقات الخاطئة والنتائج الكارثية.

لكن يقابل ذلك، وبنفس الأهمية، عدم السماح للحيطة والحذر أن يؤديا إلى الجبن وضعف الإرادة والتعايش مع ما يمس كرامة الإنسان والشعوب. نبرز هذه الجدلية في ما بين الحذر وما بين قلة الحيلة وذلك بمناسبة اجتماع القمة العربية في الرياض بعد بضعة أيام، والذي نرجو أن يعقبه اجتماع قمة إسلامي في الحال وذلك قبل أن ينعقد اجتماع باريس الذي دعا إليه الرئيس ماكرون والذي سيحاول التكتل الأمريكي-الأوروبي أن يجعله مظهرياً فارغاً متجنباً الغوص في لب الموضوع الفلسطيني كاحتلال واستعمار وتهجير لا يتوقف.

الملايين من البشر الذين ملأوا شوارع الكرة الأرضية دعماً لحقوق الشعب الفلسطيني واستنكاراً لمذبحة غزة الهمجية سينتظرون إذن من مؤتمري القمة العربي والإسلامي أكثر من بيانات الاستنكار والمطالبة بإحلال السلام، الذي على أي حال ترفضه إسرائيل بنبرات عنصرية لم يعرف مثلها العالم حتى في أحلك عصوره، وإنما سيطالبهم بخطوات أفعال سياسية وأمنية واقتصادية ضاغطة على إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا، تنبههم إلى الخطوط الحمر التي لن يسمح لهم بتخطيها، وأن كرامة الأمتين العربية والإسلامية قد أصبحتا في الميزان هذه المرة، ولذلك فإن تجييشهم لقدراتهم العسكرية ولنفوذهم السياسي ولإعلامهم المنحاز ضد فلسطين وأهل غزة خط أحمر.

ولذلك فسيكون من الحصافة، وضمن فضيلة الحذر والتأني المدروس، الاتفاق على أن تكوّن في القمتين مجموعة مفكرين واستراتيجيين وناشطين لوضع استراتيجية شاملة لتبنيها من قبل مؤتمري القمة مستقبلاً وتنفيذها خطوة خطوة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2d98pn3y

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"