عادي
رقائق

﴿ لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾

22:35 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

ترد على مسامعنا كلمات، فنفسرها خلافاً لمعناها الحقيقي، من ذلك كلمة (الابتلاء)، فعندما نسمعها نحسب أنها تعني المصيبة، وفي الحقيقة أن الابتلاء ليس مصيبة؛ بل ما ينتج عنه إن لم نحسن أداءه، هو المصيبة، فما معنى الابتلاء؟

معناه الاختبار والامتحان، ونحن بعملنا نحدد نتيجته، وهو ليس امتحاناً في أمور الفقد أو الموت فقط، فقد يكون في المال والنعمة، وأداؤنا لهذا الامتحان، يحدد النتيجة، فإما أن نكون من السعداء، وإما أن نكون خلاف ذلك (...وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) الأنبياء:35، فالابتلاء يكون بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، كما أن حياتنا التي نعيشها هي بحد ذاتها ابتلاء، والله إنما أوجدنا على هذه الأرض، لينظر أنعبده يقيناً أم على حَرف، وهل نلتزم شرعه وأحكامه أم تشغلنا الدنيا ونعيمها عن طاعته والتزام هديه (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ).

الابتلاء هو سنة الله في خلقه، وبه يميز الله عباده، ويختبر إيمانهم، وهو سنة في العباد منذ أن خلق الله سيدنا آدم، ولو مررنا سريعاً على سيرة أنبياء الله، عليهم السلام، لوجدنا أن الله ابتلاهم على الرغم من أنهم صفوة خلقه، وهذا دليل على أن الابتلاء ليس دائماً بسبب ذنب اقترفه العبد؛ إذ قد يكون لرفع الدرجات في الجنة، أو قد يكون تعليماً للآخرين على الصبر، فمن الأنبياء من ابتلي بتكذيب قومه له وفي ذلك يخاطب الله سيدنا محمد (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) آل عمران: 184، ومنهم من ابتلي بمعاداة قومه وأقرب الناس إليه، فطريق الابتلاء صعب، فهو طريق تعِب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورُمي في النار الخليل، وأُضْجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس ولبث في السجن بضع سنين، ونُشر بالمنشار زكريا، وذُبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضرَّ أيوب، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم، ولكون الابتلاء امتحاناً، فإنه يكون على قدر إيمان العبد، فقد ورد عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، (أشد الناس بلاءً يوم القيامة الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على حسب دينه فإن كان صلباً في دينه اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة خف بلاؤه حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة).

إن ابتلاء الله للمؤمن بالنعيم في الدنيا هو امتحان له على مدى شكره لهذه النِعم، وتوظيفها في أوجه الخير والأعمال الصالحة، ومن ثم الفوز برضا الله والمزيد من العطاء (قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ)، وكل هذا العطاء الدنيوي إنما هو جزء يسير من الأجر الكبير الذي أعده الله للعبد المؤمن التقي، أما باقي الأجر وهو الأعظم فيكون في الآخرة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc5b3cs6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"