الحضارة المتفرجة العاجزة

00:31 صباحا
قراءة دقيقتين

د علي محمد فخرو
في مناسبة كل رأس سنة جديدة عوّدت نفسي على أن أتوجّه إلى العلي القدير بأمنية، لرفع ظلم أو تحقيق أمنية أو التكرم بمنح سكينة وسلام لنفسي ولعائلتي ولأمتي وللإنسانية. ولأسباب نفسية كنت أشعر بأن تلك المناسبة تستحق أن تضاف إلى مناسبات انفتاح أبواب السماء للأدعية والصلوات الإنسانية.

أما في هذا العام فإن الأقدار قد هيأت لغير ذلك. فمنذ 7 أكتوبر(تشرين الأول) الماضي وأنا أدعو يومياً في صلاتي، راجياً ومستغيثاً، أن ينصر الله العلي العظيم الرحمن الرحيم العادل، شعب فلسطين في غزة وسائر وطن فلسطين.

كان بكاء أطفال غزة وموت الألوف منهم ومناداتهم الحزينة التائهة لجثث أمهاتهم المسجاة تحت الحطام وفي الطرقات يملأ قلبي ووجداني غضباً، فأصرخ: اللهم املأ قلوب ونفوس وعقول أفراد الجيوش الإسرائيلية خوفاً ورعباً وجبناً، وشتّت شملهم يا الله، واملأ قلوب إخوتي الفلسطينيين شجاعة وصبراً وعزيمة لا تضعف. اللهم يا من تقول للشيء كن فيكون، قلها بحق أبطال فلسطين واملأهم إحساساً ربانياً بعبق الشهادة وهي تقاوم الظلم والفسوق والدّناءات.

يومياً أنادي ويومياً أعود فأذرف الدموع وأرسل الآهات حزناً وكمداً على ما زلت أرى وأسمع مايحدث لشعب وأرض فلسطين بينما يغيب عن ناظري سيف العدالة الإلهية، فأقاوم همسات الشياطين وأصحو من جهالة النفس الأمّارة بالسوء فأردّد: لعلّ الحكمة الإلهية تريد لهؤلاء القتلة أن يمعنوا في ارتكاب الموبقات وسفك الدماء بلا رحمة ولا ضمير حتى إذا وقفوا يوماً ما أمام العدالة الإلهية الأبدية لم يستحقوا أية شفاعة من أيّ شفيع.

في مناسبة رأس السنة لهذا العام سأخرج على عادتي السابقة وسأتوجه إلى العلي القدير بنفس الدّعاء الذي ردّدته طوال الأسابيع الماضية. لن أطلب شيئاً لنفسي ولا لعائلتي ولا لأمتي ولا للإنسانية. ففي هذه اللحظة تختصر الفجيعة الفلسطينية كل آلام البشرية مجتمعة وتسدّ دموع أطفال فلسطين كل الأبواب إلاّ أبواب استغاثاتهم.

في أمسية رأس السنة الجديدة سيملأ كياني السؤال الملحّ الذي يملأ كيان الملايين من أصحاب الضمائر: أية حضارة هذه التي بناها الإنسان، ونرى فواحشها في كل مكان، التي تسمح لنفسها أن تشاهد الآن ما يجري في غزة وتقف إما متفرّجة غير مبالية أو عاجزة أمام تدخلات الجنون الأمريكي الذي يمنع كل محاولة تسعى إلى إيقاف الغطرسة الإسرائيلية من إيصال هذا العالم إلى حافة الدّمار الأخلاقي والإنساني والحقوقي؟

وهكذا نجحت إسرائيل في أن تقلب هذا العام من مناسبة التمنيات البريئة المتواضعة الخفيفة الظل، إلى مناسبة أدعية الغضب والحزن واليأس من هذه الحضارة ومن بانيها.

وإذ نقول للجميع كل عام وأنتم جميعاً بخير، نعلم أن من بين هذا الجميع من هم لن يكونوا بخير بسبب ما تفعله قوى الاستعمار الأمريكي – الأوروبي الغربي وما يفعله حلفاؤها من ممارسي فظائع الهولوكوست تجاههم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mryrb6sp

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"