عادي

فرنسا.. قانون هجرة يميني

00:06 صباحا
قراءة 4 دقائق

كتب: المحرر السياسي

بلغت أزمة المهاجرين في أوروبا حداً بات يهدد استقرار الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، نتيجة استغلال الأزمة وتفرعاتها في المنافسات السياسية على المستوى الوطني، وعبر المتاجرة بها في الحملات الانتخابية حتى أن بعض أحزاب اليمين المتطرف، كما في إيطاليا، وصلت إلى الحكم بركوب موجة الهجرة.

تتهم أحزاب سياسية فرنسية المهاجرين بارتفاع نسب الجريمة في بلد هو الأكثر عنفاً في الاتحاد الأوروبي، حيث يشهد ألف جريمة قتل سنوياً. وتتفاعل وجهات النظر المتباينة في الحوار السياسي، وتجلى ذلك بشكل عملي مؤخراً في الهزة التي تعرض لها حزب إيمانويل ماكرون في الجمعية الوطنية الفرنسية، حيث تم إقرار قانون الهجرة الجديد وسط تشابكات سياسية بين مواقف اليمين بزعامة مارين لوبان، وأحزاب اليسار التي اعتبرت القانون ضرباً من العبودية الجديدة لم يشهد له التاريخ الفرنسي مثيلاً. وتظاهر الكثير من اللاجئين في باريس وعدد من المدن الفرنسية، احتجاجاً على التغييرات المرتقبة في قانون الهجرة الفرنسي. ويفرض القانون الصارم الكثير من الإجراءات المتشددة، لدرجة أن مارين لوبان اليمينية المتطرفة وصفته بأنه «انتصار أيديولوجي لها ولحزبها».

أزمة سياسية

وتواجه الحكومة الفرنسية أزمة سياسية بعد أن قدم وزير الصحة أوريليان روسو استقالته احتجاجاً على مشروع القانون. وقدم الوزير استقالته على الفور، ولم يتضح ما إذا كان وزراء آخرون سيعرضون الاستقالة.

كما انقسم حزب إيمانويل ماكرون الوسطي الحاكم واتخذ خطوة فهم منها أنه يعيد تشكيل استراتيجيته التنظيمية بعد أن وافق البرلمان على قانون الهجرة مؤخراً.

وكان الهدف من مشروع القانون في الأصل الإيحاء بأن ماكرون يمكنه اتخاذ إجراءات صارمة بشأن الهجرة مع إبقاء فرنسا مفتوحة أمام العمال الأجانب الذين يعتمد الاقتصاد على جهودهم في القطاعات التي تعاني نقصاً شديداً في العمالة.

وقال وزير الداخلية جيرالد دارمانين، إن مشروع القانون «يحمي الفرنسيين». وتسعى حكومة ماكرون لفرض إجراءات صارمة بشأن الهجرة من أجل وقف صعود التجمع الوطني اليميني المتطرف المناهض للهجرة بزعامة لوبان، والذي يعد الآن أكبر حزب معارض في البرلمان ويحتل المركز الأول في استطلاعات الرأي، عشية الانتخابات الأوروبية المرتقبة العام المقبل.

إجراءات صارمة

وبعد أن رفضت أحزاب المعارضة مجرد مناقشة مشروع قانون الهجرة في البرلمان قبل أيام، سارعت لجنة برلمانية خاصة إلى صياغة نص توافقي. ونتيجة لذلك، طرحت الحكومة الوسطية مشروع قانون يميني أكثر صرامة أدى إلى تقليص فرص حصول الأجانب على مزايا الرعاية الاجتماعية، كما زاد من تشديد القواعد الناظمة لقبول الطلاب الأجانب، واعتمد نظام الحصص في استقبال المهاجرين.

ويضع القانون عراقيل في وجه الأطفال غير المواطنين المولودين في فرنسا، بينما قضى بأن مزدوجي الجنسية المحكوم عليهم بارتكاب جرائم خطيرة ضد الشرطة يمكن أن يفقدوا جنسيتهم الفرنسية. ومن الصعب على المهاجرين المقيمين في فرنسا إحضار أفراد عائلاتهم إلى البلاد بموجب القانون الجديد الذي يؤخر أيضاً حصولهم على مزايا الرعاية الاجتماعية. كما يحظر احتجاز القاصرين في مراكز الاحتجاز.

وكشف التشريع الفرنسي الجديد عن انقسامات داخل التحالف الحاكم، إذ صوت 27 نائباً ضد القرار بينما امتنع 32 عن التصويت، أي ما يقرب من ربع النواب المؤيدين لماكرون، وخاصة على يسار حزب النهضة الوسطي الذي ينتمي إليه الرئيس. وصوت ساشا هوليه، الشخصية الرئيسية على يسار حزب ماكرون، والذي قاد اللجنة الخاصة المعنية بتعديلات القانون، ضده.

وكان من الممكن إقرار مشروع القانون حتى لو امتنع حزب لوبان عن التصويت، لكن تصويت الحزب اليميني ضده كان كفيلاً بعدم تمريره. وتتباهى الحكومة بما لديها من أغلبية مريحة وتؤكد أنها لا تعتمد على أصوات التجمع الوطني.

وقالت مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني المناهض للهجرة، إن حزبها صوت لصالح مشروع القانون، ووصف النائب اليميني المتطرف إدويج دياز مشروع القانون بأنه «مستوحى بلا شك من أفكار مارين لوبان».

وكان الجزء الرئيسي من مشروع القانون ينص على أنه ينبغي أن تكون بعض مزايا الضمان الاجتماعي للأجانب مشروطة بقضاء خمس سنوات في فرنسا، أو 30 شهراً لأولئك الذين لديهم وظائف. وقالت المعارضة اليسارية إن هذا يرقى إلى مستوى تقليد ماكرون لتعهد البيان المركزي المثير للجدل لعقود من سياسات اليمين المتطرف في عهد جان ماري لوبان وابنته مارين لوبان، أو ما يعرف باسم خاصية «التفضيل الوطني» التي يجب أن تكون فيها الفوائد والإسكان «للفرنسي أولاً».

وقالت إلسا فوسيلون، النائبة الشيوعية، إن الحكومة تستخدم نفس الكلمات والأفكار التي يستخدمها اليمين المتطرف، وتذهب إلى أبعد مما ذهبت إليه جورجيا ميلوني في إيطاليا.

وقال بيان مشترك أصدرته نحو 50 جماعة من بينها الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان: «يعتبر هذا مشروع القانون الأكثر رجعية خلال الأربعين عاماً الماضية في ما يتعلق بحقوق الأجانب وظروفهم المعيشية، بما في ذلك أولئك الذين يقيمون في فرنسا منذ فترة طويلة».

وقالت سيريل شاتلان، النائبة عن حزب الخضر، للبرلمان إن هناك شعوراً «بالخزي والخيانة» لأن ماكرون اعتمد أفكار اليمين المتطرف في مشروع القانون.

وخسر حزب ماكرون أغلبيته في البرلمان في انتخابات يونيو/ حزيران 2022. ومنذ ذلك الحين، وجدت الحكومة نفسها في كثير من الأحيان غير قادرة على الفوز بالتصويت على الكثير من القوانين والمقترحات في البرلمان الفرنسي.

وكانت محكمة العدل الأوروبية قد أصدرت حكماً بناء على طلب مجلس الدولة، أعلى محكمة إدارية في فرنسا، يقضي بأنه ليس من حق فرنسا إبعاد أي أجنبي يدخل أراضيها بشكل غير قانوني إلى بلد مجاور.

وجاء التصويت على القانون الفرنسي قبل ساعات من اتفاق الاتحاد الأوروبي على إصلاح نظام اللجوء في الدول الأعضاء. ويتضمن الاتفاق الجديد، الذي وافقت عليه الحكومات وأعضاء البرلمان الأوروبي، إنشاء مراكز احتجاز حدودية والسماح بالترحيل السريع لطالبي اللجوء المرفوضين.

ويسمح النظام الجديد، الذي حظي بالكثير من الإشادة، باعتباره اتفاقاً تاريخياً، من قبل رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، بنقل طالبي اللجوء من الدول الأعضاء في الجزء الجنوبي من الاتحاد، التي لديها أكبر أعداد من الوافدين، إلى بلدان أخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5ycc6364

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"