العام الجديد: بين الماضي والمستقبل

01:08 صباحا
قراءة دقيقتين

د علي محمد فخرو
كانت أغلب الكتابات أو الأحاديث التي قرأتها أو سمعتها، بمناسبة حلول العام الجديد، تركزّ على تمنيات واقتراحات بشأن التغييرات المطلوبة في شتّى الحقول الحياتية، وذلك من أجل خروج الوطن العربي من الحالات المأساوية التي يعيشها الآن.

لكن باعتقادي أنه يجب أن يسبق ذلك، كتابات وأحاديث بشأن ما يجب أن يُراجع من ماضٍ، فإما أن يترك، وإما يعدّل، وذلك قبل الانتقال إلى مرحلة تلك المقترحات المستقبلية.

تفرض ضرورة تلك المعادلة عظم التغيرات التي رانت على المشهد العربي برمّته، خلال السنوات القليلة الماضية.

فمثلاً السّقم الذي حلّ بإرادة وكفاءة وفاعلية الجامعة العربية، والذي حتماً يبرر الحديث عن إصلاحات جذرية في وظائفها، وأساليب عملها وأسس علاقاتها مع أعضائها من الدول العربية القطرية، يحتاج أولاً إلى الحديث عن الغياب الكارثي لأهم أعمدة تلك الجامعة التاريخية المتألقة من مثل مصر والعراق وسوريا، وعن وسائل وإمكانات رجوعها الفاعل السابق. هذا لا يعني التقليل من أهمية الأعضاء الباقين، وإنما لتأكيد أن الجامعة لن تستطيع الخروج من أوضاعها الحالية، بينما بعض من مكوناتها الأساسية الكبرى ذات الوزن التاريخي والالتزامي الكبير تعاني الأمراض والفواجع التي تعيشها.

أهمية هذه الطريقة في التعامل مع المقترحات المستقبلية تظهر، كمثل، في طرح أمثال هذا السؤال المتواضع ومواجهته: ما الذي حدث لذلك الزخم الكبير المفعم بالآمال الذي رأيناه منذ بضعة شهور بشأن رجوع سوريا إلى حضن أمتها والتحاقها بالجامعة العربية، لا كدولة محاصرة جائعة محتلة، من هذه الدولة أو تلك الجهة، وإنما كسوريا السابقة المتعافية النّشطة في كل مناحي الحياة العربية؟

فإذا أضفنا، مثلاً، الأسقام التي يعانيها لبنان والسودان وليبيا واليمن، وأضفنا الإمكانات الكبرى للتلاعب بالموضوع الفلسطيني، وبوجود شعبه في الحياة العربية، نستطيع أن نرى أن الحديث عن المستقبل الكلي سيصبح هذراً إذا لم يسبقه حديث عن تفاصيل الماضي القريب الذي منه سيولد المستقبل.

حتى الحديث عن انتقال الوطن العربي إلى أن يكون جزءاً من نظام «بريكس». هل حقاً يمكن الحديث عن ذلك المستقبل، بينما الماضي يشير إلى وجود ألف قيد ستفرضه دولة معادية ل«بريكس» وهي الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتحكم بالحياة الاقتصادية والسياسية بأشكال لا تعدّ ولا تحصى؟

ما نريد أن نقوله إن هناك حاجة إلى جهة بحثية وفكرية عربية تضع استراتيجية تبين كيف الانتقال بسلاسة وصدق، وكأولايات متسلسلة، من إشكالات الماضي إلى رحاب المستقبل الذي كتب عنه الكثيرون لمناسبة العام الجديد. سيكون من الأفضل لو أن الجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي، أناطت تلك المهمة بجهة فكرية بحثية موضوعية صريحة، لتقوم بذلك.

إذا لم تقم مثل تلك الجهات بالمهمة فالسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستنبري جهات مدنية شعبية، عروبية أو عروبية-إسلامية، بعمل تلك الاستراتيجية، وطرحها على الأمة الرسمية والمدنية، فلعل المستقبل آنذاك يصبح الحديث عنه بشكل منطقي قابلاً للتحقق، وليس بشكل رغائبي لا يقدم ولا يؤخر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4kwp5xe7

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"