الثورة المجهضة ودرس التاريخ

00:26 صباحا
قراءة 3 دقائق

في الأيام الأولى ل (25) يناير (2011) بدت مصر وكأنها على موعد مع ثورة جديدة تلخص أفضل ما دعت إليه ثوراتها وانتفاضاتها الحديثة، أو أن تواصل في أزمان جديدة سعيها للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحق في الكرامة الإنسانية.

إنه الانتقال من عصر إلى آخر، لا من نظام إلى آخر، غير أن الخطى ارتبكت في أول الطريق وأجهض الفعل الثوري نفسه قبل أن يصل إلى أهدافه.

كان من بين الأخطاء الكبرى، التي ارتكبت، تصور بعض الذين تصدروا مشاهد الثورة أنها انقلاب على ثورة يوليو (1952).

القضية ليست أن تختلف، أو تتفق مع ثورة أو أخرى بقدر ما هي احترام الإرث الوطني المشترك، الذي لا يخص تياراً سياسياً دون آخر، ولا جيلاً دون آخر، ومن حق جميع الأطراف الوطنية أن تبدي وجهة نظرها فيها، وأن تختلف معها في موضع أو آخر، لكن بشرط ألا تزيف التاريخ وحقائقه الأساسية، أو أن تقول كلاماً عاماً مرسلاً لا يستند إلى دليل أو منطق.

تبنى القطيعة مع يوليو طيف واسع من المتناقضات يضم رجال أعمال نافذين يناهضون خياراتها الاجتماعية ويدّعون في الوقت نفسه انحيازهم للعدالة الاجتماعية!.. وقوى سياسية لها ثأر معها تطلب تصفيته، وقوى دولية ترفض أن تستعيد مصر أدوارها التحررية، التي أضفت عليها مهابة القوة الإقليمية العظمى.

لم يكن الصراع على يوليو مجرداً، أو مقصوداً به نظامها السياسي، فثورة يوليو انتهت تماماً في السبعينات، والرئيس السابق أنور السادات يعلن نهاية «الشرعية الثورية» والانتقال إلى «الشرعية الدستورية».

لم يكن السادات جاداً في الالتزام بالدستور وقواعده الملزمة، وكان اعتقاده أن الدستور يحكم من بعده، وأنه آخر الفراعين الذين لا يحكمهم دستور! أُنهيت الشرعية الثورية دون أن تتأسس شرعية دستورية.

استخدمت الثورة أدوات الدولة لإحداث أكبر تغيير اجتماعي. بنفس الأدوات جرت الثورة المضادة.

الانقلاب على ثورة يوليو وشرعيتها وإنجازاتها وخياراتها الاقتصادية والاجتماعية والاستراتيجية لم يلحقه انقلاب على طبيعة النظام السياسي، بصورة تسمح بانتقال واسع لدولة مؤسسات حقيقية، يحكمها القانون والتوازن بين السلطات.

كأي نظام ثوري هو فعل استثنائي انتقالي، قاد أوسع عملية تغيير في البنية الاجتماعية، وأخرج طبقات رئيسية إلى الحياة وتطلعاتها في التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية وحقوق العمل وتكافؤ الفرص، وخاض في الوقت نفسه معارك مفتوحة في إقليمه وعالمه.

القضية الحقيقية المستقبل لا الماضي، لكنه لا يتأسس على تجهيل وتهويم كتحميل يوليو مسؤولية السياسات التي جرى تبنيها في العصور التي تلتها بعد أن انقلبت عليها. اتصال ثورات وانتفاضات مصر حقيقة تاريخية لم يكن يصح أن تغيب لحظة الفعل الثوري، ولا يصح أن تغيب مرة أخرى بعد إجهاضه.

عند كل انعطاف تاريخي مرت به مصر لخص غضبها أنبل ما فيها.ب إلغاء الزعيم الوفدي مصطفى النحاس اتفاقية 1936، التي وقعّها هو نفسه، انفجرت بين عامي 1950 و1953 عمليات فدائية في منطقة قناة السويس ضد معسكرات الاحتلال البريطاني.

كانت تلك واحدة من الوقفات الكبرى لجيل أربعينات القرن الماضي بأفكاره وتنظيماته وأحلامه وغضباته واستعداداته للتضحية.

كانت ثورة يوليو، بالسياسات الاجتماعية والاستراتيجية التي تبنتها، ثورة ذلك الجيل.

إثر هزيمة يونيو 1967 ولد جيل جديد أطلق عليه جيل السبعينات وقد انصب غضبه على الأسباب التي أفضت إلى الهزيمة.

وكان جيل يناير هو ابن ثورة المعلومات والاتصالات الحديثة، كما هو ابن الغضب على ما هو فاسد ومستبد شأن كل الأجيال المصرية التي سبقته.

قد تنكسر أو تجهض الثورات والانتفاضات لكن أهدافها وأحلامها تأبى على التراجع والنسيان. كان ذلك شأن ثورة يوليو، وهو باليقين شأن ثورة يناير.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/t93d7z98

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"