هل استنفدت «أونكتاد» غرضها؟

21:59 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد*

في عام 1964 أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة، منظمة «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية» (UNCTAD)، لتستوعب في عضويتها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (193 دولة إضافة إلى فلسطين وحكومة الكرسي الرسولي أو الفاتيكان، كعضوين مراقبين)؛ وعلى أن تكون مدينة جنيف السويسرية مقرها الدائم. أما أهدافها فهي عامة، فضفاضة وغير محددة، من قبيل صياغة السياسات المتعلقة بجميع جوانب التنمية، بما في ذلك التجارة والمعونة والنقل والتمويل والتكنولوجيا. وهي لذلك منبر اقتصادي شبيه بالجمعية العامة للأمم المتحدة التي لا تعدو أن تكون برلماناً فاقد الصلاحية قياساً للسلطة التنفيذية (مجلس الأمن الدولي) التي تحتكرها 5 دول فقط هي أمريكا والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا.

تعقد الأونكتاد مؤتمراتها كل أربع سنوات، وعقدت منذ تأسيسها 15 مؤتمراً كان آخرها في أكتوبر 2021 في بريدجتاون عاصمة بربادوس في الكاريبي. وطوال هذه المدة، يكاد يقتصر إنجازها الملموس، على اقتراح وتنفيذ نظام الأفضليات المعمم “Generalized System of Preferences – GSP”، وهو نظام تجاري طوعي تنفذه الدول المتقدمة اعتباراً من عام 1971، ويقضي بإعفاء أو خفض التعرفة الجمركية المفروضة على السلع التي تصدرها الدول النامية، سيما الدول الأقل نمواً، إلى الدول المتقدمة. حتى هذا الإنجاز الوحيد، تآكل مع مرور الوقت، سواء بفعل التخفيضات الضريبية التي تمت في إطار اتفاقية التجارة في السلع لمنظمة التجارة العالمية، أو بفعل لجوء الدول المتقدمة لتقصير قائمة الدول النامية المستحقة لهذه الإعفاءات والتخفيضات الضريبية، وكذلك قائمة السلع المستحقة للمعاملة التفضيلية. فضلاً عن عدم شمول التخفيضات في الأصل لكافة السلع. فقد استُبعدت المصنوعات التي تستطيع معظم البلدان النامية تصديرها، بحجة أن هذه البلدان النامية غير قادرة على إنتاج سلع مثل القاطرات أو أقمار الاتصالات بكفاءة، وإنما هي قادرة على صنع القمصان والملبوسات.

سيتضاءل هذا الإنجاز أكثر إذا ما وضعناه قبالة الجيش الضخم من العاملين في المنظمة (الأونكتاد) الذين يبلغ عددهم 400 موظف، بميزانية سنوية تبلغ 108 ملايين دولار. فلا عجب، والحال هذه، أن تسجل بعض لجان الكونجرس الأمريكي اعتراضاتها، في أحيانٍ عدة، على تمويل بعض أنشطة المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة. ذات مرة وصف رئيس مجلس النواب عن الحزب الجمهوري (من 1995 الى 1999)، نيوت غينغريتش، الأمم المتحدة بأنها «مؤسسة فاشلة، وأداة غير كفؤة على الإطلاق». هذا بالتأكيد تقييم سياسي لأحد زعماء الحزب الجمهوري البارزين، الحزب المعروف بمعارضته لكثير من جوانب الإنفاق في الموازنة الأمريكية، بما فيها مدفوعات حصة أمريكا في المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة. ورغم أن أمريكا تساهم بالحصة الأكبر في ميزانية الأمم المتحدة، بنسبة 22%، إلا أنها في الواقع أكثر الدول المستثمرة لهذه المساهمة وأكثر المستفيدين منها. مع ذلك فإن كلام غينغريتش لم يجانب الحقيقة تماماً، ما يفسر تكاثر الدعوات المطالبة بإصلاح الأمم المتحدة منذ أمد طويل، باعتبارها نظاماً حكومياً دولياً ضعيفاً وغير منتج.

وطوال عمر المنظمة، لم تغادرها الانتقادات حول عدم كفاءتها الإدارية، وأطقم بيروقراطييها غير العمليين، وبرامجها الزائدة عن الحاجة، وجوانب الهدر والفساد التي تطبع عمل وأنشطة مختلف إداراتها التنفيذية. قد لا يكون هذا النقد عادلاً، نظراً لمحدودية التكليف (Mandate) والصلاحيات الحصرية التي يسمح لها الأعضاء الرئيسيون في مجلس الأمن (لاسيما الولايات المتحدة) التحرك بمقتضاها، والمهام المتشعبة التي يتوقعون من جهازها التنفيذي النهوض بها. مع ذلك، تكتسب الدعوات لإصلاحها وتقويم مسارها، مزيداً من الإلحاحية مع مرور الوقت واتساع دائرة الاستقطاب نحو عالم «كونفدرالي» متعدد الأقطاب.

كانت الدول النامية، بدعم من الاتحاد السوفييتي وحركة عدم الانحياز، قد سعت لإنشاء منظمة أكثر تمثيلاً لمصالحها من المنظمات التي سيطرت عليها الولايات المتحدة في النظام الدولي الذي انفردت عملياً بتشييده بعد الحرب العالمية الثانية، لاسيما الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة «جات GATT»، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. فكان إنشاء منظمة «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد»، اعتقاداً من هذه الدول، بأنها ستكون بديلاً أو نداً موازياً للجات. من دون اعتبار لطبيعة التكليف (Mandate) والأهلية والصلاحية التي تحوزها. لذلك تحولت الآمال إلى سراب، وواصلت «الجات» عملها كالمعتاد إلى أن ورثتها منظمة التجارة العالمية في أول يناير 1995. وهو ما أضحينا عليه اليوم كحقيقة واقعة يصعب نكرانها، وهي أن الأونكتاد لا تستطيع أن تقدم أي شيء مفيد وذا قيمة مضافة للدول النامية، بل هي من الأجهزة الزائدة عن الحاجة ضمن البناء البيروقراطي الضخم للمنظمة الأم (الأمم المتحدة). فقد استنفدت غرضها منذ مدة، خصوصاً بعد قيام منظمة التجارة العالمية كمنصة عملية وتنفيذية للاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف في مجالات التجارة في السلع والتجارة في الخدمات وحماية حقوق الملكية الفكرية وبقية الاتفاقيات الثماني والعشرين التي تشرف عليها ال WTO.

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/37nw9ueb

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"