غزة وعجز مجلس الأمن

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

لم يتوقف إطلاق النار «فوراً» في قطاع غزة، ولم تمتثل إسرائيل لقرار مجلس الأمن غير الملزم أصلاً، وواصلت حربها الهمجية التي لم تترك خلالها جريمة إلا وارتكبتها، أو خطاً أحمر إلا وتجاوزته، وداست على كل المواثيق، السماوية والدنيوية، ولم ترعَ حرمة أيّ كان بفظاعة لم يسبق أن عرفتها الحروب.

مصير القرار 2728 لن يكون أفضل مما سبقه من عشرات القرارات التي يحتفظ به أرشيف الأمم المتحدة، وركلتها إسرائيل منذ صدور أولها عام 1948، ولم يتم تنفيذ أي منها بتواطؤ أمريكي-أوروبي مفضوح، على مدار عقود هذا الصراع، الذي يحتل مكانة خاصة في التاريخ الحديث، وأكسبته الحرب على غزة تضامناً دولياً واسعاً، مقابل عزلة غير مسبوقة لإسرائيل، باعتراف الشريك الأمريكي المسؤول أيضاً، عن كل ما يحدث للشعب الفلسطيني من قتل عشوائي، وعملية استيطان ممنهجة، وما سبق هذا من مؤامرات جرى نسجها منذ نصف قرن، بهدف تصفية القضية، وتمكين المحتل من أخذ كل شيء من دون أي معارضة، أو مقاومة.

إسرائيل بعد حرب غزة لن تعود كما كانت قبلها، ولا الفلسطينيون أيضاً. ولا شك في أن أنهار الدم الزكية التي سالت في غزة ستخلق واقعاً جديداً، وإن تهافت المشككون في النتائج المترتبة على هذه الجولة من الصراع. فللمرة الأولى في هذا الصراع تعيش إسرائيل، بكل أطيافها، أزمة سياسية وأمنية واقتصادية ووجودية. وللمرة الأولى أيضاً لم تحقق «النصر» الذي تريده «وفق معاييرها»، وباتت تواجه هزيمة استراتيجية فعلية، كما نبّه إلى ذلك وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، بعد صدور قرار مجلس الأمن الأخير، وقبله حين حذر تل أبيب من الإمعان في قتل المدنيين، وتجاهل الغضب الدولي.

وقبل صدور القرار بساعات، زار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، معبر رفح، «حاملاً أصوات الأغلبية العظمى من دول العالم التي سئمت مما يحدث في غزة»، حيث يتسع المشهد المأساوي ويشتد إلى ما فوق الاحتمال جرّاء المعاناة المروّعة التي يعيشها الفلسطينيون، في ظل مجاعة قاتلة تستكمل أهداف الجريمة الإسرائيلية، مع زيادة أعداد ضحايا النقص الحاد في الغذاء والمياه، بينما تحولت المستشفيات، أو بقاياها، مثل مجمع الشفاء، إلى مقابر جماعية للمرضى، والنازحين، والكوادر الطبية. أما النساء، فإن هناك إبادة متعمدة تقترفها إسرائيل بحقهن، خصوصاً الحوامل منهن، والوالدات اللواتي لا يجدن أي مرفق يحفظهن، ويوفر لهن الخدمات الصحية بحدودها الدنيا، المقررة أخلاقياً للأم والطفل.

وربما هذا جانب مما يتبادر من صور وقصص عند سماع المسؤولين الدوليين يتحدثون عن كابوس لا ينتهي، ومأساة بلا حدود، ومذبحة مفتوحة جراء القتل العبثي الشامل. وقد أقرت مقررة الأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيزي، بأن ما يراه العالم في غزة هو مجموعة من جرائم الحرب غير المسبوقة، وأن ما عاشه الشعب الفلسطيني من ممارسات واعتداءات منذ عام 1947 كان تمهيداً للإبادة الجماعية التي يؤمن المتطرفون في إسرائيل بأنها الشرط الوحيد لاستمرار دولتهم، حسبما يزعمون. وكل ذلك تثبته الحقائق والوقائع، والمجتمع الدولي لا يفعل شيئاً، أو هو عاجز أصلاً عن فعل شيء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/tdjtjzvb

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"