عادي

الثقافة العربية في الخارج.. القارة المجهولة

00:03 صباحا
قراءة 5 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود
تعرف الثقافة بنفسها من خلال منتجاتها وإنجازاتها، غير أن الوقوف على أثرها وحجمها خارج الحدود يحتاج إلى جهد كبير، خاصة في حال الحديث عن الثقافة العربية بكل منجزها الحضاري العريق، فعلى الرغم من تاريخ تأثيرها الكبير في الماضي على مستوى العديد من البلدان والمناطق في مختلف القارات، والمتمثل في حجم المترجم من علومها وفلسفتها إلى اللغات الأخرى، إلا أن ذلك لا يكاد يكون ملموساً في الحاضر، حيث إن هناك غياباً كبيراً على مستوى معرفتنا بأثر وحجم الثقافة العربية في الخارج، وهي قضية ظلت بعيدة عن البحث والتقصي.

ما عدد المخطوطات العربية الموجودة الآن في مختلف المتاحف العالمية والحواضر الإسلامية القديمة والمراكز الدولية؟ وما هو حجم المادة المترجمة عن الأدب والفكر والتاريخ العربي؟، وما هو عدد الكُتاب العرب الذين يكتبون بلغات أخرى؟، هذه أشياء لا يبدو أن هناك اتفاقاً حولها أو معلومة حقيقة أو رصد لها، ولا بد من الإحاطة بها لمعرفة مَدى أثر الثقافة العربية في الخارج، وهي مهمة تتطلب الكثير من البحث المؤسساتي الذي يجب أن تقوم به المؤسسات البحثية والثقافية والفكرية العربية، حتى لا يظل الإنتاج الثقافي العربي متناثراً في الخارج، لا يدري عنه العرب شيئاً، وحتى يصبح هناك نوع من اليقين والحقائق العلمية المؤكدة على حجم وأثر ثقافتنا خارج الحدود

الصورة

ثروة مسلوبة

هناك حجم كبير للمخطوطات العربية النادرة حول العالم، غير أن من المهم معرفتها، فتوظيف هذه الكنوز المتناثرة عالمياً يحتاج إلى إمكانات مؤسسية، فهناك أحاديث عن وجود ما يزيد على 3 ملايين مخطوطة، موزعة في مكتبات العالم، حسب بعض الإحصاءات، وتقدر النسخ القيمة منها بما يقارب نصف المليون، وجميع تلك الإحصاءات مبنية على تقديرات غير محققة، حيث يشار إلى أن معظم تلك المخطوطات موجودة في دول مثل: تركيا، التي تحتفظ بأهم تلك الكنوز، فيما توجد أعداد كبيرة في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث ظل هذا المنتج التراثي العربي موضوعاً تنافست الكثير من الدول من أجل الحصول عليه.

لا يوجد في الحقيقة اهتمام مؤسسي كبير في العالم العربي بهذه الكنوز العربية، فيما توجد بعض المبادرات هنا وهناك، ويشير الباحث الدكتور حمد بن صراي إلى أن حجم المخزون الثقافي العربي في المكتبات العالمية والغربية على وجه الخصوص كبير جداً، وبالمقابل فإن الاهتمام العربي بالمخطوطات قليل بسبب كثرتها، وصعوبة الوصول إليها، حيث إن دخول مكتبة الفاتيكان في إيطاليا على سبيل المثال، أمر معقد وصعب، وكذلك الكثير من المتاحف والمراكز الأخرى، كما أن بعض الباحثين ليس لديهم الصبر من أجل البحث عن تلك المخطوطات وغيرها من الكنوز المعرفية العربية.

ويؤكد بن صراي أهمية تحقيق المخطوطات، والصدى الذي أحدثته في كل العالم، ومدى التأثر بما حملته من معارف، مشيداً بالدور الكبير الذي لعبه مركز جمعة الماجد في هذا الصدد، وذلك بجمعه للكثير من المخطوطات، حيث إن المهم أن يكون الاهتمام بالمخطوط شأن مؤسسي تقوم به المؤسسات في كل العالم العربي، خاصة أن المنجز العربي في السابق كان له تأثيره المباشر في الكثير من الثقافات العالمية.

جهود خجولة

يبرز كذلك بقوة الحديث عن الترجمة في تناول شأن التعريف بالثقافة العربية خارج حدود الوطن العربي، لكونها وسيلة تواصل ونقل للثقافة والمعرفة والعلم، ولئن كان هذا المجال خصباً وقوياً في السابق، فإنه في الوقت الراهن يعاني شُحّاً شديداً، وبالعكس نجد أن هناك نشاطاً متعاظماً وكبيراً بنقل الآداب والمعارف والعلوم الأخرى من غربية وغيرها إلى اللغة العربية، وهو أمر يحدث اختلالاً كبيراً ويؤكد أن الثقافة العربية نفسها متراجعة في الوقت الراهن مقارنة مع ما كان سائداً في أزمنة سابقة، وهذا ما أكدته الناقدة والباحثة الدكتورة مريم الهاشمي، التي أشارت إلى أن هناك ضعفاً في حراك الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى، مؤكدة أن الكتب العربية المترجمة في العصر الحالي إلى اللغات المختلفة الأخرى قليلة جداً، غير أن هناك جهوداً مبذولة في هذا الاتجاه.

وأشارت الهاشمي إلى أن الترجمات العربية القديمة للعديد من المؤلفات التراثية مثل «كليلة ودمنة»، عن اللغة الأصل الهندية، وجدت الرواج الكبير عالمياً، حيث أخذ الغرب من النص العربي ونقلوه إلى اللغة الإنجليزية، وهذا موجود في كثير من المؤلفات القديمة، إضافة إلى الكتب العربية التي كان لها تأثير كبير في الحضارة الغربية على مستويات الطب والفلسفة والفلك والأدب، حيث أحدثت أثراً كبيراً وهو الأمر المفقود اليوم، نوّهت الهاشمي بدخول المسابقات والجوائز، في مجال الترجمة كعامل جديد يمكن أن يكون مؤثراً في انتشار ونقل المنجز العربي إلى الخارج، خاصة أن الاختيار في هذه الحالة يكون من طرف لجان مختصة.

وأكدت الهاشمي، ضرورة بذل جهود أكبر في مجالات الترجمة، والاهتمام بالكُتاب العرب الذين يكتبون بلغات أخرى، إلى جانب العربية، مثلما يحدث في المغرب العربي، وكذلك الاهتمام المضاعف بالمخطوطات من أجل جمعها وتحقيقها على نحو ما يفعل مركز جمعة الماجد في دبي، وبعض المؤسسات العربية الأخرى.

الروائي علي أبو الريش، أكد أن أي ثقافة تعرف عالمياً من خلال قوة الإنتاج، ففي السابق كان للعرب قصب السبق، لذلك ترجمت أعمال لمؤلفين كبار مثل أعمال ابن رشد وابن خلدون، أما الآن فلا يوجد تأثير كبير للعالم العربي، ما أفقد الآخرين الاهتمام بالمنتج العربي، وذكر أن هناك العديد من الكُتاب العرب الذين يكتبون بلغات أجنبية، خاصة في المغرب العربي، لكن لا أثر يذكر لأعمالهم، فمن المهم أن يُكتب الأدب العربي بلغته، لأنه يعبر عن الثقافة والواقع، مثلما فعل نجيب محفوظ، الذي كتب عن الواقع المصري ووجدت مؤلفاته صدى كبيراً في كل العالم، وأوضح أبو الريش أن العرب لم يقوموا بمبادرة حقيقية للتعريف بالأدب العربي وأثره في العالم، وهذه مسألة تتطلب جهوداً بحثية ومؤسسية، مشيراً إلى أن هناك اهتماماً أكبر بنقل وترجمة أدب الآخرين وإهمال المنتج العربي.

الصورة
1

عائق أيديولوجي

الحديث عن الترجمة أثار شجوناً لدى الكاتب والمترجم فراس الشاعر، الذي تحسر كثيراً على واقع الترجمة في العالم العربي اليوم، وأشار إلى أن هذا المجال يحتاج إلى الكثير من الجهود، خاصة فيما يتعلق بمسألة الاختيار على مستوى المادة التي يراد نقلها إلى لغات أخرى، حيث من الضرورة أن تقع في مجال اهتمام القارئ الغربي أو أي ثقافة أخرى، فالقرار الإداري المتعلق بالترجمة يجب أن يراعي هذه المسألة، فمثلاً هناك مؤلفات بعينها يرغب فيها القراء بشدة في الغرب، مثل كتب طه حسين، لكن لا تجد الكثير من الترجمات، مؤكداً أهمية عدم النظر إلى واقع الكتاب الأيديولوجي، بل باهتمام الغرب أو أي جهة أخرى بالكتاب المعين.

ويؤكد الشاعر أهمية مسألة الاختيار تلك، فبدلاً من إعادة ترجمة «ألف ليلة وليلة»، «ورباعيات الخيام»، في كل مرة، من المهم البحث عن مؤلفات أخرى لنقلها، لأن الكثير من هذه الكتب قد ترجمت بالفعل، إضافة إلى أن هناك مؤلفات تراثية لم تترجم بصورة صحيحة، على نحو الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها المستشرقون في عملية النقل إلى لغات أخرى مثلما حدث مع كتاب «المواقف والمخاطبات»، للنفري، والذي تعرض للتشويه بفعل الترجمة غير الجيدة للمترجم البريطاني همفري ديفز، والتي نتج عنها وجود كم هائل من الفجوات الدلالية، لأن المترجم لا يدرك المعاني الصوفية، فلا بد من إعادة ترجمة مثل هذه المؤلفات التي طالها تشويه المستشرقين، بجهود مؤسسية، غير أن المؤسسات لا تهتم بمثل هذه الكتب التراثية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bddsnpfw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"