آن أوان الهدنة في غزة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

مرة أخرى تتجه الأنظار إلى القاهرة، حيث تجري جولة مفاوضات، تبدو حاسمة، بشأن وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن في قطاع عزة، رغم ما يفتعله الموقف الإسرائيلي من تشدد، في محاولة للتنصل من أي اتفاق يقود إلى إنهاء هذه الحرب الكارثية، ومنع أي اجتياح محتمل لمدينة رفح المكتظة بالنازحين وأصبحت تختزل كل سكان القطاع تقريباً.

لم تهدأ المشاورات طوال الساعات الماضية، وفي مؤشر على ترجيح اختراق كبير في المفاوضات، وصل مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية وليام بيرنز إلى القاهرة، قبل وصول وفد من حركة «حماس» حاملاً رده على مقترحات الهدنة الجديدة، بينما أكدت مصادر مصرية رفيعة المستوى حصول «تقدم ملحوظ» في المفاوضات بالتوصل إلى صيغة توافقية حول الكثير من نقاط الخلاف، وهو تطور ربما يجعل من الجولة التفاوضية الفرصة الوحيدة الجديدة لإحداث اختراق كبير قد يمكن من فتح طريق إلى التهدئة وصولاً إلى إنهاء الحرب.

مفاوضات القاهرة الحالية تختلف عن الجولات السابقة، وآخرها تلك التي جرت أواخر شهر رمضان الماضي، فهذه الجولة جاءت نتيجة لجملة من العوامل الدافعة إلى ضرورة التهدئة ووقف التصعيد، وخصوصاً في ظل تفاقم المأساة الإنسانية في قطاع غزة، مع ارتفاع حصيلة الضحايا وزيادة نذر المجاعة الواسعة والانهيار الكبير للقطاع الصحي والمرافق الحيوية، فضلاً عن أن المنطقة برمتها كادت أن تنزلق إلى المجهول، قبل أسبوعين، خشية مواجهة إيرانية إسرائيلية. أما في خارج الإقليم، فإن الموقف الدولي بدأ يرفع صوته عالياً مطالباً بوضع حد لهذه الكارثة.

وفي الولايات المتحدة، لم يعد موقف إدارة الرئيس جو بايدن قوياً كما كان في بداية العدوان على غزة. ويبدو أن أصوات الانتفاضة المستمرة للجامعات الأمريكية العريقة وغيرها من الجامعات الغربية المطالبة بمحاسبة إسرائيل ووقف الحرب، باتت تسمع بوضوح لدى صانع القرار الأمريكي، والغربي عموماً، ولم يعد أمامه متسع من الوقت لتجاهل هذه الاحتجاجات أو الاستهانة بتأثيراتها. ولذلك فإن السبيل الوحيد لإخماد هذا الغضب الطلابي المناصر للشعب الفلسطيني، يتمثل في الضغط لإنهاء هذا العدوان على غزة والبحث لاحقاً في صيغ وقف الحرب كلياً.

هدنة غزة في هذا التوقيت، أصبحت ملحة وضرورة، ولم تعد مطلباً فلسطينياً وعربياً فقط، بل هي مطلب دولي وأمريكي وإسرائيلي أيضاً، رغم التعنت والمكابرة اللذين تبديهما حكومة تل أبيب بزعم أنها لم تحقق أهدافها المعلنة منذ السابع من أكتوبر. فبعد سبعة أشهر بالتمام، لم ينجز الجيش الإسرائيلي أي هدف عسكري، سواء استعادة الرهائن أو القضاء على الفصائل الفلسطينية المسلحة. أما قتل عشرات آلاف المدنيين وتدمير نحو نصف قطاع غزة، فذلك لا يحسب نصراً عسكرياً أو سياسياً، بل هزيمة استراتيجية مدوية، وجرائم حرب سيأتي يوم حسابها الذي لا يبدو بعيداً.

غزة شهدت أبشع ما ترتكبه آلة الحرب الحديثة من تدمير وإعدام لأسباب الحياة، وقد آن آوان وقف هذا العبث المجنون، ولذلك فإن مفاوضات القاهرة، تمثل فرصة نادرة، وربما أخيرة لإنقاذ ما تبقى من غزة، وحماية المنطقة من زلزلة آتية لا محالة، إذا استمر التطرف الإسرائيلي راكباً رأسه ولم تتوقف هذه الحرب فوراً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n8anr2b

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"