مأزق إسرائيل يتسع

00:38 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

لم تعد الشكوك في تحقيق الجيش الإسرائيلي أهداف حربه المجنونة على قطاع غزة سراً يدور خلف الكواليس؛ بل أصبح حقيقة يتداولها الخبراء والمسؤولون ووسائل الإعلام في داخل إسرائيل وخارجها، مع تنامي حالة الإحباط داخل أركان جيشها، والاعترافات المتوالية بالعجز عن استعادة الرهائن والقضاء على الفصائل الفلسطينية، والخوف من الأثمان المترتبة عن الجرائم المروعة بحق المدنيين، فضلاً عن التغير الثوري في المزاج العالمي، والأمريكي خصوصاً، تجاه السردية العبرية.

الفشل في هذه الحرب له أكثر من عنوان إسرائيلي، منها الاستشراس في القتل والتدمير والانتهاك المتعمد للقوانين والمواثيق الدولية وتمزيق ميثاق الأمم المتحدة، والاستعداد للقتال ب«الأظافر» والحديث المتنامي عن «الخطر الوجودي»، واستحضار الخرافات ودعايات القرون الوسطى. كل هذه الظواهر لم تكن مرصودة من قبل، حتى في الأسابيع الأولى للحرب، حين كانت رغبة الانتقام مسعورة، والدعم الأمريكي والغربي في أوجه. أما اليوم، وبعد أكثر من سبعة أشهر من العدوان تحولت الحرب إلى دوران في حلقة مفرغة واستنزاف تاريخي لإسرائيل وجيشها ومشروعها وسمعتها الدولية، وهو ما لم تحسب تل أبيب حسابه، وتوهمت أن القوة الغاشمة والإبادة الجماعية ستكفلان لها النصر والأمن وشطب حقوق الشعب الفلسطيني الكاملة، على الرغم من أن هذا الشعب نزف عشرات الآلاف من الضحايا، وهي حصيلة ثقيلة ومؤلمة، لكنها في ميزان الوطنية تضحية وفداء من أجل حرية ممكنة ووطن مستقل.

قد يجادل البعض بأن إسرائيل دمرت قطاع غزة وشردت كل سكانه تقريباً، وهذا صحيح وواقع، ومع ذلك لم يخنع الشعب الفلسطيني ولم يستسلم؛ بل إن المعارك في شهرها الثامن وكأنها في اليوم الأول، فالمواجهات والكمائن تسود القطاع من شماله إلى جنوبه، والمناطق التي زعمت إسرائيل أنها «دمرتها وطهرتها» عادت لتقاتل فيها مجدداً، وتتكبد خسائر فادحة في الجنود والعتاد تفضحها حالة الارتباك والتشتت الظاهرة في تصريحات القادة الإسرائيليين، والانتقادات الموجهة إلى جنرالات الجيش والنهج المتطرف للحكومة. وبعد أشهر من تحذير وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، تل أبيب من هزيمة استراتيجية تستمر تداعياتها عقوداً، عاد نائب وزير الخارجية الأمريكي كيرت كامبل، ليؤكد أن واشنطن تشك في قدرة إسرائيل على تحقيق «نصر كاسح في ساحة المعركة»، وهذا اعتراف آخر بأن هذه الحرب مغامرة محكوم عليها بالفشل، وربما ستكون نتائجها أسوأ من صدمة السابع من أكتوبر.

خارج أرض المعركة في غزة، خسرت إسرائيل الحرب، وصنع إسرافها في إبادة الفلسطينيين وعياً دولياً ثائراً على المسلمات القديمة وقوّض الاستراتيجية الدعائية الإسرائيلية التي استخدمتها في كل الحروب السابقة وصورتها على أنها ضحية وتحتاج التعاطف والدعم. فقد انقلب الرأي العام الدولي والغربي أساساً على تلك السرديات. وتشهد الولايات المتحدة انقساماً غير مسبوق بين مزاج عام يتبرم من إسرائيل وسياساتها العنصرية، ونهج رسمي بات في حرج ويشعر بعبء ثقيل وعزلة دولية جراء الدعم المفرط لهذا العدوان السافر.

ومن سخرية القدر أن المأزق لم يعد يشتد على إسرائيل وحدها؛ بل على الولايات المتحدة أيضاً، وهو ما يجعل لهذه الحرب دلالات أكبر وأبعاداً أوسع من حدود قطاع غزة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ya4s8s79

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"