عادي
صور مختلفة لاصطياد الضحايا

الاحتيـال الإلكترونـي.. وجه مظلم لـ «كورونا»

04:38 صباحا
قراءة 8 دقائق
تحقيق: جيهان شعيب


في الأزمات تتجلى معادن البشر، هذه قاعدة أكيدة؛ لكن النوائب كما تُظهر ما قد يكون ذهباً، كذلك تكشف عمّا هو صدئ، لا قيمة له، وفيها تتجلى الحقائق، وتنكشف أكاذيب المخادعين، تحديداً، الذين يلجأون إلى تبديل وتغيير مخططاتهم وأساليبهم؛ لمجاراة ما يرافق معطيات الأزمة هذه أو تلك، وهنا يكمن بيت القصيد.
فمع نائبة «كورونا»، وما رافقها من تدابير احترازية ووقائية، وتوجيهات للجميع بالتزام بيوتهم؛ خشية الإصابة بالفيروس، مع تقليص رواتب البعض في ضوء توقف عجلة الإنتاج نسبياً خلال الفترة الماضية؛ لجأ محتالون إلى ابتداع أساليب مختلفة للاحتيال؛ للحصول على المال، والاستيلاء عليه بطرق ملتوية، ممن تسقطهم الغفلة، من دون تفكير أو تدبر في فخ تصديق البشارات الزائفة التي يسوقها هؤلاء، آملين نيل ما يلوحون به كذباً.
وفي التحقيق الآتي، نستعرض بعض صور الاحتيال، مع بيان الدور الواجب على الجهات كافة القيام به؛ للتصدي للاحتيال، ومواجهته بحسم وحزم:
الحقيقة وبشكل عام وفقاً لتوضيح يضمه مرجع موثق من عبد النور سامي مستشار أمن معلومات، وخبير تحليل وتطوير أداء الأفراد، قد يقوم البعض بانتحال هويات شخصيات مشهورة، ويتحدث الواحد منهم على أنه فلان الفلاني؛ عبر حسابه الذي قد يكون موثقاً على وسائل التواصل الاجتماعي، في حين هو من خارج منطقة الخليج، وليس لديه أي تواصل داخلها، وقد يقوم هذا الشخص أو غيره بطلب مبالغ؛ لمساعدة آخرين في حاجة كما قد يدعي، وقد يقوم بعض هؤلاء بعرض منتجات للبيع قد تكون مزيفة ومغشوشة، مستغلين حاجة البعض الماسة لشيء ما، ويحتالون بالفعل عليهم، مستغلين شدة حاجتهم، فيما قد يساعدهم البعض ممن يعملون معهم في الخفاء، بإقناع المغرر بهم، بأنهم سوف يخسرون إن رفضوا شراء هذا المنتج أو ذاك، وأنها فرصة لا تعوض.
ومن صور الاحتيال وخدع اصطياد الضحايا أيضاً، يوضح: إنه قد يتلقى الفرد اتصالاً هاتفياً من شخص مجهول يبلغه فيه أنه ربح مثلاً مبلغ 100 ألف درهم، في جائزة عشوائية، وقد ينتحل صورة أو اسم محل تجاري ضخم، أو جهة حكومية، ويخبره أنه لكي يحصل على الجائزة، فعليه دفع مبلغ كذا كرسوم معينة، لتحويلها من خلال الصرافة.
وربما تصل الفرد رسالة عبر خاصية ال«واتس أب» للاتصال بالرقم الفلاني؛ للحصول على الجائزة التي فاز بها، فضلاً عن إمكانية ورود اتصال أو رسالة من مجهول فحواها «حولت لك بالغلط مبلغ كذا، وعليك إرجاعه»، أو ربما - بصورة أخرى- يتلقى الفرد مبلغاً مالياً على حسابه البنكي، يليه اتصال يطلب فيه المتصل استرجاع المال، الذي يدعي أنه أُودع للمتلقي بالخطأ، وقد يعطيه حساباً مختلفاً عن الذي وصله منه المبلغ ( في حال كان التحويل من حساب إلى حساب) وليس إيداع «atm»، ويقول له: أعد إلينا المال، ونعتذر عن التحويل بالخطأ، وربما يقول له لا بأس اخصم جزءاً من المبلغ؛ جزاء لأمانتك، وهو في الواقع يريد أن يحتال عليه بإيهامه بأنه عميل لديهم، أو ليقول إنه تاجر، وأخذ عمولته، أو ليحفزه على هذا العمل مجدداً، وهذا الفعل الاحتيالي تحديداً يُسمى «غسل الأموال».
الاحتيال والنصب الإلكتروني أضحى يشكل شبه ظاهرة تنامت مع بروز أزمة كورونا، مع استغلال المحتالين لحاجة البعض المادية، وتعدد صوره، وطرقه من إقناع، وخداع، وتفاوض، ومهارات تسويق.
الحيطة والحذر
ويستكمل عبد النور سامي حديثه بقوله: خدع الاحتيال تدر دخلاً على المحتالين والنصابين سواء الذين يعملون بشكل مستقل، أو ضمن عصابات منظمة، ومسار الأموال يتجه عادة لأمور غير مشروعة؛ أبسطها هو غسل الأموال، وقد تصل إلى دعم وتسليح بعض العصابات الإجرامية أو الإرهابية، والمتضرر هو الفرد أولاً وأخيراً، وقد يعيش فترة يعاني نفسياً ومادياً تبعات الخدعة، التي تفقده ثقته بنفسه، فيما الإنترنت وسيلة تسهل الوصول إلى الكثيرين، سواء بالنفع أو الضرر، وتكون طرق النصب في الإنترنت عبر البريد الإلكتروني، أو المواقع التي تظهر فجأة أثناء التصفح، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل: «إنستجرام» و«فيسبوك»، مضيفاً في مرجعه التوثيقي: لم تعد هنالك رقابة ضمير ولا أمانة بين العديد من النفوس التي لا يهمها سوى جمع المال بلا أي مبالاة، ولا اعتبار لظروف الآخرين، مبررين النصب والاحتيال بأنهما سرقة بطريقة احترافية وخبيثة، وذكية.
وأحد طرق الاحتيال هي الاستعطاف، وادعاء الوقوع في مشكلة، وطلب سلفة ( قد يقوم بها الذكور أو الإناث ) على حد سواء، وقد تحدثت فيها الناشطة الاجتماعية كوزمو وشارك العديدون قصصهم ذكوراً وإناثاً، ووجدت تشابهاً كبيراً في السيناريوهات، مثل: (أمي مريضة، أو أمر بأزمة مالية وأنا غني، أو سوف أرجع لك المبلغ في أقرب وقت)؛ حيث يقوم هؤلاء باستعطاف الناس، ولا يعودون للتواصل مع الشخص الذي احتالوا عليه مجدداً، وقد يكون التواصل ابتداء من أسبوع ليمتد إلى شهور؛ حيث البعض قد يقوم بإقامة علاقات عاطفية متعددة، ويوهم الشخص الآخر بالحب، وربما الزواج؛ من أجل الوصول إلى أمواله؛ لذلك أدعو الجميع لأخذ الحيطة والحذر من العلاقات العاطفية، والابتعاد التام عن إنشاء علاقات عبر الإنترنت، وتجنب العلاقات المشبوهة على أرض الواقع بكل الأشكال، كذلك لا يجب أن يتيح الفرد بيانات حسابه البنكي لعموم الناس، إلا لمن يريد تحويل مبلغ مالي له، وليكن ذلك موثقاً؛ ليتجنب أي شبهات وبالأخص غسل الأموال، وفي حال استلامه أي مبلغ بالخطأ عليه ألا يرجعه لمن ادعى إرساله إليه، وإنما عليه الاتصال بالبنك فوراً وهم سوف يتصرفون سواء كان الشخص مخطئاً بالفعل، أو كان الأمر له علاقة بغسل الأموال؛ حتى لا يكون له أي دور في هذه الجريمة، لاسيما وأنه بإبلاغه السلطات؛ يعفي نفسه، ويبرئ ذمته من أي تبعات قانونية؛ لذا فتوثيقه المراسلات من الضرورة بمكان؛ لاستخدامها عند المثول أمام القضاء وخلافه.
ومن المفترض أن تقوم الجهات الحكومية بتوعية مكثفة ضد النصب والاحتيال، بما فيها الوزارات، والجهات التعليمية، وأولياء الأمور، والشركات الخاصة أيضاً.
شبيه بالأمراض
وتحدث المستشار القانوني مصبح سعيد علي بالعجيد الكتبي العضو السابق في المجلس الوطني الاتحادي والبرلمان العربي عن تعدد أشكال النصب الإلكتروني، قائلاً: أصبح هذا النصب شبيهاً بالأمراض المستعصية التي يصعب علاجها بشكل جذري لعدة أسباب؛ منها: أن الجرائم العابرة للحدود والقارات، لم تلق الردع الموحد عالمياً؛ لعدم توحيد الأنظمة والتشريعات حول العالم لمحاربتها، علاوة على وجود بعض الدول، أو المنظمات، أو الشخصيات النافذة المستترة المتربحة التي تحمي هذه الجرائم، فضلاً عن النصب الإلكتروني الذي يقوم على التواصل هاتفياً، والنصب على البعض واصطيادهم، ومنها ما يكون عبر الوسائل الأخرى كالبريد الإلكتروني.
أيضاً في جانب آخر، فانخفاض المستوى المعيشي في بعض المجتمعات، من غلاء، وتدني رواتب، وطمع وجهل بعض البشر، يجعلهم فريسة سهلة لمن يقومون بمثل هذه الجرائم، التي تشارك فيها عدة جهات، من بينهم الأشخاص أنفسهم ومن يدعمهم، ويساعدهم، ومن يتستر عليهم، كذلك شركات الاتصالات، والوسائط المتعددة للاتصالات المسجلة والوهمية، فيما تتضمن المواجهة مجموعة أمور، منها: التركيز إعلامياً على تثقيف المجتمع من هذه الجرائم، ونشر عقوبات هذه الجرائم؛ لتحذير الجميع، ولتحقيق الردع العام، وتوحيد التشريعات والقوانين على مستوى العالم تجاه هذه الجرائم، والحث على التزام جميع الدول بها، ومراقبة أنظمة الاتصالات، ومتابعتها؛ للوصول للجناة في أي مكان في العالم حيث ليس من الصعوبة متابعة أي مبلغ يتم تحصيله من هذه الجرائم، فيما الإمارات كانت من أولى الدول التي تنبهت قيادتها لمثل هذه الجرائم، فبادرت بوضع قانون للجرائم الإلكترونية، ويتم تحديثه بشكل دائم لما تتطلبه التغيرات، والتطورات العالمية في مجال التعاملات الإلكترونية والمالية.
جمعية للحماية
ويوضح عبد الله محمد السبب: «من له حيلة فليحتل»، و«الغاية تبرر الوسيلة»، هذان مبدآن خاليان من القيم الإنسانية والحس المجتمعي الأمين، يمارسان من قبل فئات تصطاد في الماء العكر، وتتصيد الفئات البشرية قليلة الحيلة، أو ذات القدرة المالية الضعيفة؛ عبر العمل على غسل الجيوب بطرق إلكترونية مثيرة للظفر بالثروة السهلة، أو عبر رسائل نصية مغرية للغاية، إما من خلال مكالمات هاتفية خادعة باسم البنوك، والمصارف المختلفة؛ من تلك مثلاً «نيابة عن مؤسسة (س)، تم اختيار عنوان بريدك الإلكتروني للتبرع بمبلغ (...) دولار أمريكي، لتقديم مطالباتك: الاسم الكامل، البلد، رقم الهاتف» أو «برنامج يمنحك دخلاً يومياً أكثر من 500 درهم»، أو «احصل على راتب قدره 22.700 درهم من بيتك»، وهكذا تعددت الأساليب والهدف واحد؛ هو غسل جيوب الناس، إما لجني الثروات تلو الثروات بكل يسر وسهولة؛ من خلال سحب الأرصدة، أو بأخذ قروض شخصية؛ من خلال ما يرد من معلومات شخصية خاصة بالحسابات البنكية، وإما بتمويل جماعات إرهابية عن طريق هذه الأموال العائدة للبسطاء، والمستضعفين ذهنياً، وقليلي الثقافة المالية، بما يؤدي إلى تورطهم من دون علم، ووعي مع بلدانهم، بما يضر بأمن أوطانهم.
لذا فهل يمكن مثلاً إنشاء أو تأسيس جمعية؛ لحماية مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وأجهزة الهواتف الذكية، والشبكة الإلكترونية، بما تتيح من مختلف أنواع البريد الإلكتروني التواصلية مع المجتمع العالمي على غرار جمعية حماية المستهلك التجاري؟
لا نملك سوى الأسئلة، وتبقى الأجوبة على عاتق ذوي الاختصاص الإلكتروني، والذكي سواء شركات الاتصالات المعنية، أو الجهات الأمنية والشرطية المختصة، وإلى أن نظفر بالحل الناجع، لا يسعنا سوى القول إن الحذر واجب، وسؤال أهل الاختصاص ضرورة حتمية؛ من لأجل حماية المجتمع بجميع أفراده.
حملات توعوية
ومن جانبها، شددت نعيمة الزعابي من مشاهير التواصل الاجتماعي على أهمية تسلح أفراد المجتمع بالوعي الكامل، وتجنب الانسياق وراء ما يطلبه المحتالون، أو يدعونه، وعدم تصديق أي قول من أقوالهم، أو عروضهم المزيفة، قائلة: على الأجهزة الإعلامية تنظيم حملات توعية مجتمعية بشكل متواصل؛ لتنبيه أفراد المجتمع على الأساليب الاحتيالية المختلفة التي يلجأ إليها هؤلاء ممن يعملون على الاستيلاء على أموال البعض من دون وجه حق، ويجب على شخص يشكك في أي منهم، تبليغ الجهات المعنية؛ للتحقق من مصداقيته، إلى جانب الوعي بتقديم التبرعات لمن يحتاجون إليها بالفعل، من دون السقوط في فخ أي من هؤلاء المحتالين الذين يدعون كذباً الحاجة والعوز عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها.


صور احتيالية

جاء في تحذّير من دميتري غالوف الخبير في أمن المعلومات، والمبرمج في شركة «كاسبيرسكي»، بعض الأساليب التقنية التي تستخدم للاحتيال على الناس في السنوات الأخيرة، منها: عندما يقوم أحد المحتالين بالاتصال بضحيته، وينتحل شخصية موظف في المصرف الذي يتعامل معه المستهدف، ويطلب منه معلومات تتعلق بالبطاقة المصرفية؛ بحجة إيقاف معاملات مالية مشبوهة، وبعد حصول المحتال على بيانات البطاقة، يقوم باستغلالها؛ لسرقة وتحويل الأموال إلى حسابات تخصه، موضحاً: إن هذه الطريقة من الاحتيال انتشرت على نحو واسع في روسيا خلال عامي 2013 و2014، ومن ثم عاودت الظهور مؤخراً، علاوة على الاحتيال عبر الإنترنت، بتلقي الضحية رسالة تحتوي على رابط إلكتروني خبيث، ويطلب نص الرسالة من الضحية الضغط على الرابط؛ للوصول إلى موقع معين، أو للتصويت على استفتاء ما، وحال الضغط على الرابط؛ يتمكن المحتال من اختراق جهاز الضحية والوصول إلى بياناته واستغلالها لأغراض خبيثة، إلى جانب أسلوب آخر في الاحتيال يتمثل في قيام المحتالين بإرسال رسائل لضحاياهم يطلبون فيها تحويل مبالغ مالية صغيرة؛ كرسوم اشتراك في سحب على جوائز ذات قيمة مادية كبيرة، وغير ذلك.
من جانب آخر، وفي تصريح سابق، كانت هيئة تنظيم الاتصالات أهابت بأفراد المجتمع، بعدم التفاعل مع الروابط الغريبة التي قد تكون سبباً في عمليات احتيال إلكتروني، مع ضرورة الإبلاغ عنها إلى الجهات الشرطية، والتحقّق دائماً من محتوى الرسائل، بالتواصل مع المصدر الرسمي مباشرة، وموضحة أنها تقوم بصورة مستمرة؛ ممثلة بفريق طوارئ الحاسب الآلي، بنشر نصائح توعوية وتوجيهية للمجتمع حول هذه الروابط، فيما كان اتحاد مصارف الإمارات حدد 8 طرق للاحتيال الإلكتروني، من خلال موقعه الإلكتروني على الإنترنت؛ تتمثل في الاحتيال عبر البريد الإلكتروني، واليانصيب، وعبر جهاز الصراف الآلي، وبطاقة الشريحة البديلة، والحبر السري، وتحويل الأموال، وخصوصية البيانات، والاحتيال عبر الهاتف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"