عادي
ثمانية تلسكوبات تشكل «أفق الحدث» لرصده

العالم في انتظار صورة الثقب الأسود

04:34 صباحا
قراءة 4 دقائق

إعداد: محمد هاني عطوي

اليوم سيكون التاريخ المهم، الذي سيصحو فيه العالم برمته على أول صورة حقيقية للثقب الأسود الهائل، القابع في قلب مجرة «مسييه M87»؛ وهي مجرة إهليجية ضخمة، وتعد من أشد المجرات لمعاناً في الجزء الشمالي من السماء، وتوجد في التكتل المجري المُسمى ب«عنقود العذراء»، ويحتل ثقبها الأسود المركز الثاني، بعد الثقب فائق الكتلة المخفي في قلب مجرتنا «درب التبانة» والمعروف ب«SgrA»؛ أي (الرامي أ)؛ لوقوعه في كوكبة الرامي أو القوس، وتبلغ كتلته المذهلة 4 ملايين كتلة شمسية.

المجرة «M87» الواقعة على بعد 53 مليون سنة ضوئية، تحتوي على غول كوني أكثر شراسة من ذلك الواقع في مجرتنا في منطقة «SgrA»؛ حيث تقدر كتلته ب 6.5 مليار كتلة شمسية؛ أي أكبر بألف مرة من «الرامي أ». وبمعنى آخر فإنه ينشر طاقة ثقالية أكبر 1000 مرة، إلا أن بعده السحيق ربما يجعل من الصعوبة بمكان رؤية أفق حدثه؛ ولذا يعد مركز مجرتنا هو المكان الأمثل للبحث.

حملة الرصد هذه بدأت في إبريل/‏نيسان 2017؛ بفضل مرور أسبوع كامل من دون أن تمطر السماء قطرة ماء واحدة، فبخار الماء هو في الحقيقة عدو التلسكوبات؛ لأنه يمتص الموجات المليمترية، أي الطول الموجي، الذي تستخدمه التلسكوبات الراديوية الثمانية، التي تشكل تلسكوب أفق الحدث (EHT)؛ لرصد هذا الثقب.

الجديد في الأمر، وربما المثير للاهتمام؛ هو أنه إذا كان لديك التلسكوب الذي يبلغ حجمه حجم الأرض، فليس هناك أي شيء يحجب الضوء بينك وبين الثقب الأسود، فستكون قادراً على رؤيته، من دون أي مشكلة.

وبعض الأطوال الموجية لمادة المجموعات المجرية المتداخلة شفافة نسبياً؛ لذلك إذا نظرت إلى الطّيف الكهرومغناطيسيّ من الترددات المنخفضة؛ أي (ذات الطول الموجي الطويل)؛ مثل: موجات الراديو، فمن المحتمل أن تستطيع رؤية أفق الحدث نفسه في المنطقة المحيطة بالثقب الأسود.

ولذا فإن هذه التلسكوبات الموزعة بين: جرينلاند وأنتاركتيكا وتشيلي والمكسيك والولايات المتحدة وهاواي وفرنسا وإسبانيا، تكوّن شبكة افتراضية مكافئة لتلسكوب كبير بحجم الأرض.

هذا الجهد الكوكبي؛ يهدف إلى الحصول على أول صورة للثقب الأسود الهائل. وهذا هو المعنى من وراء اسم هذا التلسكوب؛ أي «أفق»، والذي يعني سطح الثقب الأسود، إضافة إلى أن التقنيات اللازمة للجمع بين البيانات الواردة من تلك التلسكوبات؛ لإنتاج صورة واحدة، هي من أفضل التقنيات المتاحة لنا في الوقت الراهن؛ لتمكننا من رؤية أول ثقب أسود.

وأفق الحدث هو مصطلح يستخدم عند الحديث عن نظرية النسبية العامة،باعتباره حداً موجوداً في حيز (الزمكان spacetime)؛ وهي منطقة تحيط بالثقب الأسود، ولا يستطيع مَن في خارجه ملاحظة ما يجري بداخله.

ورغم أن تشكل الثقوب السوداء بات أمراً معروفاً ويقينياً لدى العلماء؛ بعد أن اكتشفوا أدلة كثيرة على وجود الآلاف منها، إلا أنهم لم يلتقطوا صورة واحدة لأي منها بشكل مباشر؛ بل حتى لم يروا قط مجال أفق الحدث لأي ثقب أسود، أو حتى لم يؤكدوا إن كان ما يسمونه بأفق الحدث موجود بالفعل.

مع الصورة الجديدة كل هذا سيتغير، وستظهر النتائج الأولى من التلسكوب الكبير، الذي يرصد أفق الحدث، وستأتينا الإجابة عن واحد من أعظم الأسئلة في الفيزياء الفلكية.

هناك ثلاث طرق لتشكل الثقوب السوداء، الأولى هي أنه عندما يحترق نجم ضخم جداً، وينفد وقوده؛ فإنه يتحول إلى مستسعر أعظم (سوبر نوفا)؛ ولكن يمكن أن تنفجر النواة المركزية فيه، ويتحول جزء كبير من النجم إلى ثقب أسود.

أما عندما يندمج نجمان من النجوم النيترونية، فإن كتلتيهما معاً تصبح بعد الاندماج أكثر من حوالي 2.5 إلى 2.75 كتلة شمسية، وهو ما سينتُج عنه ثقب أسود، وهذه هي الطريقة الثانية.

الطريقة الثالثة هي أنه إذا تعرّض نجم ضخم جداً أو سحابة ضخمة من الغاز إلى الانهيار الفوري المباشر تتحول كل كتلته الأولية إلى ثقب أسود.

ومع مرور الوقت، يُمكن أن تستمر الثقوب السوداء في التهام المادة، وتنمو كتلتها وحجمها بشكلٍ هائل. وإذا ما تضاعفت كتلة الثقب الأسود، سيتضاعف نصف قطره أيضاً، وربما تزداد الكتلة بمقدار عشرة أضعاف، وحينها سيزداد نصف القطر بمقدار عشرة أضعاف أيضاً. وهذا يعني أنه كلما تزداد الكتلة ينمو الثقب الأسود، ويصبح أفق الحدث المحيط به أكبر فأكبر.

ونظراً لأنه لا يمكن لأي شيء الإفلات من الثقب الأسود، فإن أفق الحدث ينبغي أن يظهر باعتباره المنطقة المضيئة الوحيدة له في الفضاء، فلولا منطقة أفق الحدث، لما استطعنا أبداً معرفة ما يحدث بعده؛ لأن الثقب الأسود يحجب الضوء من كل المصادر الكامنة وراءه، ويتفاقم بفعل ذلك انحناء الضوء تحت تأثير الجاذبية بالنظر إلى توقعات نظرية النسبية العامة. وإجمالاً، نتوقع أن يظهر أفق الحدث من نقطة رؤيتنا له بشكل أكبر بمقدار 250% كما تتنبأ التوقعات.

يفصل بين كل واحد وآخر من التلسكوبات السابقة مسافة تزيد على 12000 كيلومتر، وبناء على ذلك نمتلك تلسكوباً بقطر الأرض تقريباً، أي يمكنه تحديد الأشياء الصغيرة التي تقع على زاوية اختلاف منظر تصل إلى 15 ميكرو ثانية قوسية (microarcseconds)؛ أي كحجم ذبابة على سطح القمر؛ ونظراً إلى كتلة وبعد ثقب «الرامي أ»، نتوقع أن يظهر حجمه بحوالي 37 ميكرو ثانية قوسية.

خطوة ثورية للبشرية

لا شك أن مشاهدة ثقب أسود فعلاً بالشكل الذي توقعته نظرية النسبية العامة سيكون أمراً ثورياً، لأننا سنتأكد ما إذا كان حجمه صحيحاً كما توقعته أم لا، وما إذا كان أفق الحدث دائرياً (كما هو متوقع)، أو له أشكال أخرى غير ذلك، وما إذا كانت الانبعاثات الراديوية تمتد أبعد مما كنا نعتقد، أو ما إذا كانت هناك أي انحرافات أخرى عن السلوك المتوقع.

ولا شك أن البشرية ستحقق تطوراً هائلاً من خلال تشكيل أول صورة لثقب أسود. وهذا معناه أننا لم نعد بحاجة إلى الاعتماد على المحاكاة أو تصورات الفنانين بعد ذلك. وإذا نجح الأمر، فإنه سيُمهد الطريق للمزيد من الدراسات الأساسية العميقة، باستخدام مجموعة من التلسكوبات الراديوية في الفضاء، وسيمكننا توسيع نطاق وصولنا إلى عدة مئات من الثقوب السوداء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"