عادي
وجوه من الإمارات

جمال مطر.. الفنان الشامل

03:13 صباحا
قراءة 4 دقائق
الشارقة: علاء الدين محمود

البحث عن أسلوب خاص هو أكثر ما يميز المسرحي والإعلامي والشاعر والروائي الإماراتي جمال مطر، صاحب المسيرة الفنية العامرة التي بدأها باكراً، وتميز في مجال التمثيل، وكذلك في الإخراج، ثم انتقل إلى أجناس أدبية أخرى في الشعر والرواية، إلى جانب تميزه في النقد والعمل الإعلامي، فهو فنان شامل بمعنى الكلمة، وينطلق مما يطلق عليه «وحدة الفنون»، ويشرح ذلك بالقول: «إن المبدع صاحب التجربة والموهبة يستطيع أن يبرز في أكثر من حقل واحد، وبكثير من القناعات يمكن أن يكون مثمراً في مجاله، أو مجالاته من كتابة وإخراج وتشكيل، وأي تجربة يخوضها المبدع يكتسب فيها خبرات أكثر».
ويشير مطر إلى مثقفين جمعوا بين أكثر من حقل أدبي، إلى جانب العلوم، فكان منهم العالم، والأديب، والشاعر، غير أن مطر يحذر من الجمع بين تلك الأجناس من دون موهبة، ويستدعي مقولة الفيلسوف الألمانية نيتشه: «أنا لست إنساناً.. أنا ديناميت»، فالمجالات الإبداعية عنده تحتاج بالفعل إلى شخص تتفجر مواهبه فيبدع فيها، ولئن كان هذا ينطبق على جميع الفنون؛ فهو ينطبق على مجال المسرح بصفة خاصة، لأنه فن مباشر يقدم أمام جمهور ينتظر الفرجة والمتعة والإبداع.
وفي عام 1963، أبصر جمال مطر النور، لتمتد مسيرة حياته وهي متوهجة بالضياء الإبداعي، فكانت البدايات مع مجال المسرح الذي أسره بشكل خاص، ممثلاً، ومخرجاً، وكاتباً مسرحياً، فكانت انطلاقته في عوالمه الباهرة من خلال المسرح المدرسي في المرحلة الثانوية.
أحب مطر المسرح كثيراً فدرسه، وبرز فيه عقب تخرجه في الجامعة، وقدم العديد من الأعمال أشهرها مسرحية «جميلة»، ولأن نفسه ظلت تحدثه بالتميز والاختلاف فقد عرض هذا العمل بعيداً عن «العلبة الإيطالية»، على شاطئ البحر، ومرة أخرى خارج تلك العلبة قدم مطر مسرحية «قبر الولي»، التي تدور في عوالم العادات والموروث والأوهام التي تحلّق في رؤوس البسطاء، وقد شكل عبر مسيرته المسرحية المستمرة رؤية خاصة به من خلال الأعمال العديدة التي قدمها، وسعى عبرها إلى البحث عن سمة خاصة بالمسرح الإماراتي من خلال التركيز على التراث، وعلاقته بالحداثة، وكذلك التعبير عن الهم الإماراتي عبر رصد التفاصيل الاجتماعية اليومية، الأمر الذي جعله يولع كثيراً بالمسرح فهو يقول: «المسرح هو كل عوالمي وحياتي».
ويرى مطر أن الحركة المسرحية كانت أكثر ازدهاراً في السابق، فعلى الرغم من كونه فناً حديثاً؛ إلا أن المسرحيين العرب والإماراتيين ظلوا يبحثون له عن خصوصية، وقد شهد ذلك فترات مشرقة انكب خلالها المسرحيون الإماراتيون على تقديم أعمال مميزة بحثاً عن تأصيل لهذا الفن العظيم، غير أن هذا المجال الإبداعي بدأ بالتراجع، ويعلل مطر ذلك بغياب «الهم المسرحي»، حيث انشغل الفنانون بالمهرجانات والتنافس فيها من أجل الجوائز، من دون أن يشتغلوا على مسرح يعبر عن عشقهم للخشبة. ويعتقد مطر أن المسرحي مغامر، وعليه أن يبدع بشكل مستمر، وهذا ما كان يفعله ممثلاً ومخرجاً، فقد برع في جانب الإخراج وكوّن رؤية ومنهجاً، يقول: «المخرج مفسر للنص»، فهذه العملية ليست مجرد نقل أو افتتان بنص معين، بل اشتغال كامل يشكل في محصلته نصاً آخر عبر الانزياحات التي يجريها المخرج بشكل إبداعي، كما يجب أن يكون المخرج صاحب فكر، وفلسفة.
ويبدو أن «الإبداع والتميز»، هما كلمتا السر في مسيرة مطر الفنية، فقبل أن يأخذه المسرح ويتوه في عوالمه المحببة، كانت للرجل موهبة الشعر، وظل على علاقة بقراءة أشعار العرب القدامى، خاصة «أبي الطيب المتنبي»، الذي حفظ ديوانه في وقت مبكر، في الصف الثالث الإعدادي، ولئن كان الشعر هو الذي وسم بداياته في عوالم الجمال والإبداع؛ فإن الحنين دائماً ما يأخذه جهة الشعر مجدداً، ففي عام 2002، أصدر مجموعته الشعرية التي حملت عنوان «أحب الملح أكثر»، لتتبعها عدد من الكتابات في المجال الأدبي خاصة في النقد.
ولأن الرجل يبحث عن المتعة والجمال في أكثر من ضرب وجنس إبداعي؛ فإن نفسه لا تفتر عن التجريب في كل الفنون، فقد اتجه أخيراً نحو السرد، فأصدر روايته «كلب» عام 2017، ولم يكن اتجاه مطر نحو الرواية من باب الموضة، أو الصرعة، فعمله جاء ليكمل رؤيته للتجريب في الكتابة، فمن خلال خلفية الشعر والمسرح، تشكلت لديه مقدرة على رسم الصور والمشاهد الروائية بمخيلة إبداعية رائعة، إضافة إلى عمق الفكرة والمعنى، فنجد في هذا العمل سرداً مفتوحاً وشخوصاً من عمق الواقع، ورصداً للمشاهد الحياتية اليومية، وتتجول في النص السردي فكرة الحرية، ويقول مطر: «اسم الرواية هو كلب من دون ألف ولام للتعريف، فالشخصية الأساسية في النص الروائي لا تستحق الألف واللام، فالكلب حيوان أليف ومخلص، لكن في الرواية نكتشف لاحقاً أن البطل تصرفاته تنم عن جهل وعصبية وغيرة زائفة».
ومن دون أن يتنكر للأجناس الإبداعية التي خاض تجربتها بكل تفوق واقتدار؛ فإن مطر يرى أنه قد وجد نفسه أكثر في الرواية، فهو يقول: «وجدت نفسي أكثر في الرواية فأصبحت عالمي الجمالي، لأن لا أحد يتدخل فيها غيري، ففي الرواية تصبح سيد نفسك، لا يتحكم أحد في رؤيتك الإبداعية، فأنت مع السرد تحلق حراً طليقاً»، ويرى في الرواية مستقبلاً كبيراً له باعتبارها الفن الذي يجمع في داخله كل الفنون الأخرى.
وفي كل المجالات الإبداعية التي طرقها، يبدو مطر مهموماً أكثر بالتراث، فلابد من العودة إليه من دون الوقوف عنده، بل الأخذ منه بما يضيء الحاضر والمستقبل.

إضاءة

يعتبر جمال مطر من المبدعين الإماراتيين في عدد من المجالات، فهو مؤلف ومخرج مسرحي، ومقدم ومعد برامج تلفزيونية، وقدم العديد من البرامج الحوارية الناجحة طوال عشر سنوات في تلفزيون دبي، كما أنه محرر صحفي، ومن أهم الأعمال المسرحية التي شارك فيها: مسرحية «قبر الولي»، ومسرحية «غاب القطو»، ومسرحية راعي البوم عبرني، ومسرحية «حلم السعادة» التي قدمت للأطفال، وغيرها، كما نال عدداً من الجوائز مثل: جائزة أفضل إخراج عن مسرحية «جميلة» في مهرجان المسرح المحلي في دورته الثانية 1993، وجائزة أفضل عرض مسرحي متكامل عن مسرحية «جميلة»، في مهرجان المسرح المحلي الدورة الثانية 1993، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة عن مسرحية «قبر الولي» في مهرجان «أيام الشارقة المسرحية» في الدورة السادسة 1994.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"