عادي
«بي بي سي» ترصد تجنيد مؤسسات الدولة كافة لخدمة التنظيمات وتمويلها

أسرار جديدة عن فدية «الحمدين» الإرهابية

04:41 صباحا
قراءة 9 دقائق
تتكشف كل يوم خبايا وتفاصيل جديدة عن فضيحة فدية المليار دولار التي دفعها نظام الحمدين الإرهابي الحاكم في قطر لجماعات وميليشيات إرهابية لتحرير 28 صياداً بينهم شيوخ من أسرة آل ثاني الحاكمة، وكعادته حاول النظام القطري التذاكي على المجتمع الدولي والتباهي بنجاحه في إطلاق سراحهم دون أن يدفع دولاراً واحداً، معتقداً أنه أحكم عقد الصفقة المشبوهة وإخفائها عن أعين العالم، لكن توالت التقارير التي فضحت الأكاذيب القطرية وفاحت رائحة الصفقة النتنة، وتحدثت عنها الصحافة العالمية؛ حيث كشفتها «نيويورك تايمز» و«الواشنطن بوست»، وبدلاً من أن يعترف النظام بخيبته بدأ قادته في اللف والدوران والحديث بلغة ميتة لا تستبين منها الحقيقة.
ولا يزال الإعلام العالمي، ينقب عن هذه الفضيحة التي استحقت أن يطلق عليها «فضيحة القرن»؛ إذ كيف تقبل دولة تدعي أنها تحارب الإرهاب دفع فدية مليارية لإرهابيين، وتعلم سلفاً أنهم إرهابيون.
شبكة «بي بي سي» البريطانية، فتحت مجدداً ملف الفدية التي دفعتها قطر لجماعات إرهابية مقابل الإفراج عن «رهائن» قطريين في العراق؛ وذلك في تقرير موسع حمل العديد من الأسرار، وأضاء كواليس تلك الاتفاقيات المشبوهة.
وقالت «بي بي سي»: في صباح السادس عشر من شهر ديسمبر/‏‏‏كانون الأول عام 2015، تلقت الأسرة الحاكمة في قطر خبراً سيئاً: اختُطِف في العراق ثمانية وعشرون عضواً من مجموعة صيدٍ بين أفرادها شيوخ. وزُوِّدَ الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني - والذي كان على وشك أن يصبح وزير الخارجية لقطر - بقائمة تتضمن أسماء الرهائن. وأدرك حينئذ أن القائمة تضم اثنين من أقربائه.
وأرسل رسالة إلى السفير القطري لدى العراق زايد الخيارين، جاء في فحواها: «إن جاسم ابن عمي وخالد زوج خالتي، حفظك الله: عند تلقيك أي خبرٍ عن ذلك؛ أخبرني على الفور». وقضى الرجلان الستة عشر شهراً التالية منشغليْن بأزمة الرهائن.

تضارب الروايات حول الفدية

وطبقاً لإحدى روايات تسلسل الأحداث، فقد دفعا أكثر من مليار دولار لتحرير أولئك الرجال؛ حيث ذهبت الأموال لجماعات وأفراد صنّفتهم الولايات المتحدة على أنهم «إرهابيون»: كتائب حزب الله في العراق، والتي قتلت جنوداً أمريكيين بقنابل وُضِعت على جانب الطريق؛ والجنرال قاسم سليماني، وهو قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني والخاضع شخصياً لعقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، و«هيئة تحرير الشام»، والتي كانت في فترة من الفترات تعرف ب«جبهة النصرة»، عندما كانت تابعة لتنظيم «القاعدة» في سوريا.
وطبقاً لرواية أخرى للأحداث - وهي رواية قطر - فإنه لم يتم دفع أي مبلغٍ مالي ل «الإرهابيين»، بل دُفِعت الأموال فقط للعراق. ووفقاً لهذه الرواية، لا تزال الأموال موجودة في قبو بنك العراق المركزي في بغداد، بالرغم من أن جميع الرهائن متواجدون الآن في قطر.

والآن؛ هل دفعت قطر أغلى فدية في التاريخ؟

إن الشيخ محمد بن عبدالرحمن خبير اقتصاديّ سابق وأحد أقارب الأمير البعيدين، ولم يكن معروفاً قبل ترقيته ليصبح وزيراً للخارجية في سن صغير نسبياً 35 عاماً. وفي فترة وقوع حالة الاختطاف، كان السفير زايد الخيارين في الخمسينات من عمره، وقيل إنه يحمل رتبة عقيد في المخابرات القطرية، وكان أول مبعوثٍ قطري إلى العراق منذ 27 عاماً، غير أن هذا المنصب لم يكن منصباً مهماً.

رحلة البحث عن صقور

لقد ذهب الرهائن إلى العراق بحثاً عن الصقور، وتلقوا تحذيراتٍ - ومناشدات - بعدم الذهاب إلى تلك البلاد، وكان هناك سرب من الطيور التي تعدّ فريسة للصقور وهي «الحبارى» في الأراضي الشاسعة الفارغة في جنوبي العراق.
وتم اجتياح معسكر الصيادين بواسطة شاحنات صغيرة عليها مسلحون ببنادق رشاشة ثقيلة في ساعات الصباح الباكر.
وأخبر أحد الرهائن صحيفةَ نيويورك تايمز أنه كان يعتقد أن الخاطفين كانوا ينتمون إلى «تنظيم داعش» قبل أن يوجه أحد الخاطفين إساءة «طائفية إلى مذهبهم».

أسابيع مؤلمة في الأسر

وعلى مدى أسابيع عديدة مؤلمة، لم يصل الحكومة القطرية أي أخبار. ولكن في شهر مارس/‏‏‏آذار لعام 2016، بدأت الأمور تتضح. فقد علم المسؤولون أن الخاطفين كانوا ينتمون إلى كتائب «حزب الله» وهي «ميليشيات عراقية مدعومة إيرانياً». وأرادت الكتائب الحصول على المال. وحينئذٍ أرسل السفير الخيارين رسالة إلى الشيخ محمد مفادها: «لقد أخبرتهم بأن يعيدوا لنا أربعة عشر شخصاً... وسنعطيكم نصف القيمة».
وبعد ذلك، ظهر الخاطفون، لكن لم يكن الرهائن بصحبتهم، بل كان معهم ذاكرة USB تحتوي على مقطع فيديو لأسيرٍ مُحتجزٍ داخل حبسٍ انفرادي. ووجه الشيخ محمد سؤالًا للسفير، قائلاً: ما الذي يضمنُ لنا أن بقية الرهائن معهم؟ وأضاف: «قُم بحذف الفيديو من هاتفك... وتأكد من عدم تسريبه لأي شخص». وصادق الخيارين على كلام الشيخ، قائلاً: «لا نُريد أن تُشاهد عائلاتهم الفيديو ويتأثرون عاطفياً».
وقد تم فصل الرهائن عن بعضهم البعض؛ حيثُ وضع الشيوخ في قبوٍ لا نوافذ له، وتم أخذ أصدقائهم، وغيرهم من المواطنين العاديين، وغير القطريين من بين مجموعة الصيد، إلى أماكن أخرى ومُعاملتهم بشكلٍ أفضل وتقديم طعام جيد لهم.
وقال معد التقرير: أخبرني مسؤول قطري، أن الشيوخ قد يُنقلون من مكانٍ إلى آخر - أحياناً كل يومين إلى ثلاثة أيام - ولكن دائماً ما يتم احتجازهم في مكانٍ ما تحت سطح الأرض. وكان بحوزتهم مُصحف واحد فقط يتبادلونه لقراءة القُرآن.
وعلى مر الأشهر الستة عشر التي قضاها الرهائن في الأسر، لم يكن لديهم أي فكرةٍ عما يحدث في العالم الخارجي.
إذا كان المال هو الحل لهذه المشكلة، فإن القطريين يملكونه. ولكن الرسائل النصية والصوتية تظهر أن الخاطفين أضافوا إلى مطالبهم، وغيروها، ما بين شدٍ وجذب: يجب على قطر أن تغادر التحالف الذي تقوده السعودية ضد الانقلابيين الحوثيين في اليمن، كما يجب على قطر تأمين إطلاق سراح الجنود الإيرانيين المحتجزين من قبل الثوار في سوريا.

إغراء خاطف بشقة في لبنان

ومن ثم أصبح الهدف هو المال من جديد، وفضلاً عن الفدية الرئيسية، أراد قادة الميليشيات مبالغ جانبية لهم.
وفي حين انقضت واحدة من جلسات النقاش، تبين أن أحد مفاوضي كتائب «حزب الله»، أبو محمد، أخذ السفير جانباً وطلب مبلغ 10 ملايين دولار «أي ما يُعادل 7.6 مليون جنية إسترليني» لنفسه. وقال السفير في رسالة بالبريد الصوتي: «طرح أبو محمد سؤالًا: ما فائدتي من ذلك؟ بصراحة أريد 10 ملايين دولار، قلت له 10 ملايين؟ لن أُعطيك 10، إلا إذا سلمتني جميع الرهائن». «لتحفيزه، أخبرته أيضاً أنني على استعدادٍ لأن أشتري له شقة في لبنان».
واستعان السفير باثنين من الوسطاء العراقيين، وزارا وزير الخارجية القطري، وطلبا منه مقدماً أن يعطيهما «هدايا»: 150,000 دولار نقداً وخمس ساعات من ماركة رولكس.
وفي شهر أبريل 2016، أُضيف للسجلات الهاتفية اسم جديد: قاسم سليماني، وهو الراعي الإيراني لكتائب «حزب الله».
وبحلول هذا الوقت، بدا أن طلب الفدية وصل إلى مبلغ مذهل يبلغ مليار دولار. ومع ذلك، فإن الخاطفين صمدوا وطالبوا بالمزيد. وأرسل السفير رسالة إلى وزير الخارجية قال فيها: «لقد التقى سليماني بالخاطفين، مساء أمس، وضغط عليهم من أجل قبول المليار دولار، لم يستجيبوا بسبب وضعهم المالي... سليماني سيعود».
وأشار السفير مرة أخرى إلى أن الجنرال الإيراني كان «منزعجاً للغاية» من الاختطاف. حيث قال للشيخ محمد: «إنهم يريدون استنفادنا وإجبارنا على قبول مطالبهم على الفور، نحن بحاجة إلى التزام الهدوء وعدم التسرع، لكن يجب أن تكونوا مستعدين لدفع الثمَن». فأجاب الوزير: «الله يعين!»
مرت أشهر، ثم في شهر نوفمبر 2016، دخل عنصر جديد في المفاوضات. أراد الجنرال سليماني من قطر المساعدة في تنفيذ ما يسمى «اتفاق المدن الأربع» في سوريا. في ذلك الوقت، كانت الحكومة السورية المدعومة من إيران تُحاصر مدينتين يسيطر عليهما الثوار. وفي تلك الأثناء، كانت هناك قريتان مواليتان للحكومة تحت الحصار من قبل الثوار، الذين كانت قطر تدعمهم على ما يبدو. «قيل إن من ضمن الثوار أعضاء من»جبهة النصرة سابقاً«». وبموجب الاتفاق، سيتم رفع حصار المدن الأربع وإجلاء سكانها.
ووفقاً للسفير، قال الجنرال سليماني ل «كتائب حزب الله» إنه إذا تم إنقاذ القريتين بسبب اتفاق المدن الأربع، فسيكون من «المخزي» المطالبة برشاوى شخصية.
وقال السفير في رسالة لوزير الخارجية «حزب الله» في لبنان و»كتائب حزب الله» في العراق كلهم يريدون المال وهذه هي فرصتهم إنهم يستغلون هذا الوضع للاستفادة منه... خاصة أنهم يعلمون أنها تقريباً النهاية... كلهم لصوص».
آخر ذكر لتبادل فدية بقيمة مليار دولار كان في شهر يناير 2017، جنباً إلى جنب مع رقمٍ آخر - 150 مليون دولار.
يعتقد أن المحادثات بين الشيخ محمد والخيارين كانت حول فدية بمليار دولار، إضافة إلى 150 مليون دولار كمدفوعات جانبية، أو «عمولات». لكن النصوص غامضة. قد تكون صفقة المدن الأربع هي ما كان مطلوباً لتحرير الرهائن، إضافة إلى 150 مليون دولار من المدفوعات الشخصية للخاطفين.

اعتراف قطري

يُقر المسؤولون القطريون بأن النصوص ورسائل البريد الصوتي حقيقية، بالرغم من أنهم يعتقدون أنها قد حُرِرَت «بشكل انتقائي للغاية»، لإعطاء انطباعٍ مُضلل.
كما تم تسريب النصوص، إلى صحيفة الواشنطن بوست، في أبريل 2018. وانتظرت مصادرنا (بي بي سي) حتى أصدر المسؤولون في الدوحة بيان النفي، لكن المصادر أحرجت قطر من خلال نشر التسجيلات الصوتية الأصلية.
انتهت أزمة الرهائن في أبريل 2017. وقد حلقت طائرة تابعة للخطوط الجوية القطرية إلى بغداد لنقل الأموال واستعادة الرهائن. هذا ما أكده مسؤولون قطريون، رغم أن الخطوط القطرية نفسها امتنعت عن التعليق. ولا شك أن اعتراف «القطرية» باستخدامها كناقل وطني في سداد المدفوعات ل«الإرهابيين» سيكون له تأثير على القضايا التي ترفعها الدوحة إلى منظمات الطيران الدولية.
من الذي أدخل الأموال النقدية إلى بغداد - وكم كان المبلغ؟ تؤكد مصادرنا- كما يقول معد التقرير البريطاني باول وود- أنه كان أكثر من مليار دولار، إضافة إلى 150 مليون دولار من الرشاوى، والكثير منها موجه إلى «كتائب حزب الله». ويؤكد المسؤولون القطريون، أنه تم إرسال مبلغ كبير نقداً - لكنهم يقولون إنه كان للحكومة العراقية وليس للإرهابيين. وكانت المدفوعات تتعلق بالتنمية الاقتصادية والتعاون الأمني. ويقول المسؤولون: «أردنا أن نجعل الحكومة العراقية مسؤولة مسؤولية كاملة عن سلامة الرهائن».
اعتقد القطريون، أنهم عقدوا اتفاقاً مع وزير الداخلية العراقي، والذي كان ينتظر في المطار عندما هبطت الطائرة بحمولة نقدية موضوعة في حقائب من القماش الأسود. ثم ظهر رجال مسلحون يرتدون زياً عسكرياً بدون شارة. وقال لي مسؤول قطري: «ما زلنا لا نعرف من هم، لقد تم طرد وزير الداخلية». لقد كان ذلك الأمر لا يعدو عن كونه تحركاً من قبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، حسبما علّلوا. لقد اتصل رئيس الوزراء القطري بالعبادي وهو بحالة هستيرية، لكنه لم يرد.
بعد ذلك، عقد العبادي مؤتمراً صحفياً، قائلاً إنه سيطر على الأموال. وبالرغم من أنه تم ضبط الأموال، إلا أن عملية إطلاق سراح الرهائن مضت قدماً على أية حال، مشروطةً بتنفيذ «اتفاق المدن الأربع».
وفي الرسائل النصية، كان ضابط المخابرات القطري، جاسم بن فهد آل ثاني - الذي يُفترض أنه عضو في الأسرة المالكة - حاضراً على أرض الواقع.
أولًا، لقد نقلت «46 حافلة» الناس من المدينتين في سوريا. وكتب جاسم بن فهد في رسالة نصية: «لقد أخرجنا 5000 شخص على مدى يومين، والآن نحن بصدد إخراج 3000 شخص... لا نريد حدوث أي تفجيرات». وبعد بضعة أيام، تم إخلاء المدن الأخرى. وقد أرسل الشيخ محمد رسالة نصية مضمونها أن «3000 شخص تم احتجازهم في موقع التسليم، عندما نرى الرهائن، سنجعل الحافلات تتحرك».
وقد رد السفير أن الجانب الآخر كان قلقًا، «إنهم يشعرون بالهلع، لقد قالوا إنه إذا أشرقت الشمس» دون مغادرة سكان القريتين «فإنهم سيحجزون الرهائن».
وفي 21 أبريل 2017، تم إطلاق سراح الرهائن القطريين. لقد كان جميعهم «على ما يرام»، حسبما ذكر السفير، لكنهم «فقدوا نصف وزنهم تقريباً». لقد قام السفير بالترتيب لكي تقلهم طائرة إلى منزلهم ليتسنى لهم أكل «البرياني والكبسة... إن هؤلاء الرجال يفتقدون هذا الطعام».
وبعد ستة عشر شهراً من احتجازهم، أظهرت الصور التلفزيونية الرهائن وهم في حالة هزيلة، لكنهم مبتسمون، على مدرج مطار الدوحة. وتقول مصادر الرسائل النصية ورسائل البريد الصوتي إن المواد تظهر أن «قطر أرسلت أموالًا إلى الإرهابيين». وبعد وقت قصير من نقل الأموال إلى بغداد؛ وذلك يؤكد اتهامات سابقة ولاحقة لقطر بامتلاك «تاريخ طويل» في تمويل «الإرهاب».
وتشير المصادر إلى بريد صوتي من السفير الخيارين؛ حيث يصف في هذا البريد الصوتي إخباره ل«كتائب حزب الله»: «يجب أن تثقوا بقطر، وأنتم تعلمون ما فعلته قطر وما فعله، والد الأمير، لقد فعل أشياء كثيرة، ودفع 50 مليون، ووفر البنية التحتية للجنوب، وكان أول من زارها».
وتؤكد مصادرنا أن هذا يبين أنه مبلغ مالي تاريخي، في ظل الأمير القديم، بقيمة تبلغ 50 مليون دولار إلى «كتائب حزب الله». ويقول المسؤولون القطريون إن هذا يظهر الدعم للعراقيين الموالين لإيران بشكل عام.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"