عادي
دراساته وأبحاثه حولت الأحلام إلى مقاييس علمية

البروفيسور إد دينر: الفراغ العدو الأول للسعادة

03:06 صباحا
قراءة 4 دقائق
إعداد: عبير حسين
3 عقود وأكثر قضاها البروفيسور إد دينر في وضع أسس علمية لدراسة الرفاه الشخصي والمجتمعي كانت كافية ليطلق عليه «بروفيسور السعادة»، ويقترن اسمه ضمن أوائل الباحثين المنشغلين برصد وتحديد مقاييس ومؤشرات علمية لسعادة الأفراد والمجتمعات، والتي كانت قبل أعوام طويلة مجرد أفكار وأحلام في مخيلة الأدباء والروائيين.تحفل مسيرة دينر الطويلة بكثير من التحديات العلمية لصعوبة المجال الذي اختار لدراسته، وسجلت رحلته الأكاديمية والبحثية عشرات النجاحات المهنية المتميزة التي جعلته رائداً في جعل الحديث عن «السعادة» علماً موثقاً يعتمد على المقاييس الدقيقة والمؤشرات العلمية القائمة على الأرقام والإحصاءات.
وبعد عشرات التكريمات ما بين جوائز وأوسمة رفيعة المستوى من جامعات عالمية مرموقة، وعدد من الدكتوراه الفخرية، توج دينر نجاحه باختياره رئيساً لمجلس السعادة الشخصية، وهو أحد المجالس العاملة ضمن مجلس السعادة العالمي الذي أعلن عن تأسيسه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، خلال احتفالات الدولة والعالم باحتفالات اليوم الدولي للسعادة الذي يصادف 20 مارس/ آذار من كل عام.
عمل البروفيسور دينر أستاذاً لعلم النفس في إلينوي لأكثر من 34 عاماً تقاعد بعدها من التدريس عام 2008 ليتفرغ لعمله البحثي الواسع من خلال عضويته في منظمة «غالوب» العالمية المختصة بقياسات الرأي العام ودراسة الإحصاءات الدقيقة التي أجرى من خلالها أهم وأشهر أبحاثه عن مفهوم الرفاه الشخصي وكيفية تأثيره على تطور المجتمعات.
يشار إلى أن دينر من أكبر المؤيدين لمبدأ «الرفاه حق أصيل من حقوق الإنسان» وليس ترفاً، كما يعتبر من أكبر الداعين لاعتماد نتائج ومؤشرات قياسات السعادة لتوجيه القرارات السياسية بحيث يصبح الرفاه محط اهتمام الأنشطة المؤسسية في كل الحكومات. وننقل عنه قوله «أكدت دراسات السعادة أن الأفراد الذين ينعمون برفاه أكبر يتمتعون بصحة أفضل، ويعيشون لفترة أطول، ويصبحون أعلى إنتاجية، كما أن أغلبهم يصبحون أكثر إبداعاً، ويتمتعون بعلاقات اجتماعية أقوى وأكثر استقراراً».

خلاصة

«نعم المال يشتري السعادة، لكن المشاعر تجعلنا أفضل» كانت هذه خلاصة إحدى أهم وأحدث دراسات البروفيسور دينر التي أجراها معهد«غالوب» على نحو 137 ألف شخص من 132 دولة، وهي الدراسة التي اهتمت بالبحث عن إجابات على أسئلة هامة مثل: (ما هو سر السعادة؟، المال، العاطفة، أم العائلة؟)، وجمع الباحثون معلومات من لائحة طويلة تضمنت أسئلة عدة بما في ذلك الدخل، والحاجات الأساسية كالطعام والمأوى، وعن طبيعة الشعور بالرضا، كما طلبت من الأشخاص المشاركين تقييم حياتهم على سلم من صفر(حياة سيئة جداً) إلى 10 (حياة جيدة جداً)، وعما إذا كانوا اختبروا لحظات سعادة وابتسام وضحك أو حزن واكتئاب وغضب في اليوم السابق لمشاركتهم في الاستقصاء. وأسئلة أخرى عن دور العائلة في حياتهم، ومدى حريتهم في اختيار أنشطتهم اليومية، وتعلم أشياء جديدة.
وخلصت الدراسة التي تعد الأضخم من نوعها في العالم إلى أن هناك علاقة وثيقة بين مستوى الدخل والرفاهية، وأن المال يمكنه توفير شكل من أشكال السعادة، لكنها توصلت كذلك إلى أن السعادة والمشاعر الإيجابية، مرتبطة على نحو وثيق بعوامل أخرى غير المال، وأهمها الشعور بالاحترام والتقدير الذاتي، وسيطرة الفرد على حياته، والقيام بعمل هام، بخلاف العلاقات الاجتماعية المستقرة التي يمكن الاعتماد عليها في أوقات الأزمات.
وعن نتائج الدراسة قال البروفيسور دينر: «يمكننا أن نرى التأثير القوي لمستوى الدخل في كل مكان بالعالم، حيث جعلت الأموال الناس يعبرون عن سعادتهم في حياتهم العامة، سواء كانوا أطفالاً أو كباراً، رجالاً أو نساءً، يعيشون في المدن الكبرى، أو القرى النائية. لكننا يجب أن نميز بشكل واضح بين الإحساس بالرضا عن الحياة بشكل عام الذي يمنحنا إياه المال، وبين المشاعر الإيجابية التي تبدو أقل تأثراً بالمال، والأكثر تأثراً بما يفعله الناس يوماً بعد يوم».
انتهت الدراسة أيضاً إلى أن المال يمنحنا شعوراً أفضل لكن بطريقة محدودة، بينما المشاعر الإيجابية والضحك والعلاقات الاجتماعية لها تأثيرها الأقوى من المال إذ تساعد الناس على النضج والتعلم والمرونة في التفكير والتدبير وكلها قيم شخصية تجعل منهم أشخاصاً أفضل.

تجربة

«هل تعتبر نفسك شخصاً سعيداً؟» هذا هو أكثر الأسئلة طرحاً على البروفيسور دينر خلال أغلب مقابلاته الصحفية، والتلفزيونية، وعبر منصات التواصل الاجتماعي، وعادة تكون إجابته «نعم، أعتبر نفسي شخصاً راضياً عن حياتي»، ودوماً يلفت الانتباه إلى أن السعادة القصوى التي يحلم البعض بالوصول إليها أحيانًا تكون وهماً أو بدون جدوى. ويضرب مثلاً على ذلك بتجربته الشخصية مطلع الثمانينات التي حصل خلالها على إجازة من مهمة التدريس الجامعي لمدة عام وسافر بصحبة زوجته إلى «جزر العذراء» التي تعد من أفضل بقاع العالم وأكثرها سحراً من حيث الطبيعة والمناخ. وهنا يقول دينر: «اعتقدت في بداية الرحلة أن السعادة الغامرة تنتظرني في الراحة والاسترخاء على الشواطئ والتجول على الرمال الناعمة الدافئة، لكن سرعان ما تبدد هذا الحلم، واكتشفت أن الفراغ هو العدو الأول للسعادة، وثمنت كثيراً إيمان والدي الدائم بأن العمل الجاد هو السعادة الحقيقية التي يجب أن ننشدها جميعاً».
ويضيف: «انشغلت زوجتي بدراستها وكان عليها إنجاز مساق في علم نفس المراهقين خلال 9 أشهر من الرحلة، وفي البداية توقعت أني أحتاج إلى الاسترخاء التام بعد سنوات طويلة من البحث الشاق خلال إعداد رسالتي الماجستير والدكتوراه، لكن سرعان ما اكتشفت أن الراحة في العمل وليس الفراغ». استغل البروفيسور دينر هذا العام في القراءة والكتابة وأنجز أول كتبه وكان تاريخياً، وبدأ قراءة مستفيضة عميقة عن الرفاه الشخصي، وبدأ بالبحث علمياً عن معنى «السعادة»، وأثارت تجربته الشخصية لديه تساؤلات حول مدى قدرة العلم على وضع مؤشرات دقيقة يمكن بها تحديد الأشخاص السعداء من غيرهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"