عادي
بلا ضفاف

لسان الدين بن الخطيب

02:38 صباحا
قراءة 3 دقائق
غيث خوري

يمثل المفكِّر والعالِم الأندلسي لسان الدين بن الخطيب، أحد رموز الفكر والعلوم والأدب والثقافة العربية والإسلامية، حيث إنه نبغ في الأدب والتاريخ والتراجم والشعر والسير والطب، وكان خير مثال على موقف المفكر الحرّ الذي انتصر لآرائه وأفكاره واستشهد مدافعًا عنها، إضافة إلى كونه سفيرًا بين ثقافته العربية الإسلامية وسواها من الثقافات في عصره، في نطاق التبادل الحضاري الذي كان أبرز مميزات تلك الحقبة.
لسان الدين بن الخطيب هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن السعيد السّلماني اللوشي الأصل الغرناطي الأندلسي، اشتهر بوزارته في دولة بني نصر وبني الأحمر ملوك غرناطة وآخر دول الإسلام في الأندلس، لقب بذي الوزارتين، لجمعه بين الوزارة والكتابة، ولقب أيضا ب «ذو العمرين»، لاشتغاله بتدبير الحكم في نهاره، والتصنيف والكتابة في ليله، ولد بمدينة لَوْشَةُ سنة 713ه، وتوفي قتيلاً بمدينة فاس في ربيع الأول من عام 776ه.
نشأ لسان الدين بغرناطة، وتأدب لدى شيوخها، فأخذ عنهم القرآن، والفقه، والتفسير، واللغة، والرواية، والطب، وكان يبلغ من العمر ثمانية وعشرين سنة، حين ولاه السلطان أبو الحجاج يوسف النصري، رئاسة الكتَّاب ببابه، ثم ولاه الوزارة، ثم أرسله سفيراً عنه إلى سلطان المغرب أبي عنان المريني، ليستمد منه العون على عدوه الإسباني.
ولما مات أبو الحجاج، أبقاه ابنه الغني بالله محمد في مركزه وزاد في تكريمه، وضاعف حظوته، وبقي ابن الخطيب يشغل منصب الوزير إلى أن وقعت فتنة رمضان لسنة 760 ه، وأزيح السلطان الغني بالله الذي عبر إلى المغرب، ثم التحق به ابن الخطيب، وبعد سنتين يستعيد الغني بالله الحكم في غرناطة، ويعيد ابن الخطيب إلى منصبه. لكن تألق ونجاح ابن الخطيب ألب عليه الخصوم، وفي طليعتهم الأديب الشهير ابن زمْرَك، مما أدى إلى نفيه إلى المغرب حيث مات مقتولاً بمدينة فاس.
إن من يقرأ سيرة ابن الخطيب يقف على حقيقة أنه عالم موسوعي ومثقف مشارك في قضايا عصره، وذلك لسعة علمه ومنهج تفكيره وعمق مؤلفاته العديدة في الطب والفلسفة والشعر، وبهذا المحصول العلمي الوافر، ترك عديد المؤلفات والكتب، ومن مؤلفاته التاريخية: «الإحاطة في أخبار غرناطة»، و«رقم الحلل في نظم الدول»، و«طرفة العصر في دولة بني نصر».
ومن مؤلفاته في الجغرافيا والرحلات: «خطرة الطيف ورحلة الشتاء والصيف»، و«معيار الاختبار في أحوال المعاهد والديار»، ومن مؤلفاته في التراجم: «الإكليل الزاهر فيما فضل عند نظم التاج من الجواهر»، و«التاج المحلّى في مساجلة القدح المعلّى»، ومن مؤلفاته الأدبية: «أبيات الأبيات»، و«تخليص الذهب في اختيار عيون الكتب».
وقد ترك ابن الخطيب ديواناً شعرياً له قيمة أدبية ولغوية عظمى، فشعره يعدُّ مرآةً تعكس بجلاء الحياة السياسية والاجتماعية لعصره، كما أن تجربته الشعرية جاءت صادقة، وهي صادرة عن حسٍّ مرهف، وبخاصة في قصائد المديح والرثاء والغزل، واتسمتْ لغته بالسهولة والوضوح، والبُعد عن الغموض، والتعقيد، وجاءت ألفاظه ومعانيه معبرة تعبيرًا صادقًا عنْ أفكاره، وملبية لنداء بيئته الحضارية، وقد أجمع النقاد على أنه من كبار وشَّاحي الأندلس، ومن أهم موشحاته:

جادك الغيث إذا الغيث همى

                     يا زمان الوصل بالأندلس

وقصيدة جاءت معذبتي، ويقول فيها:

جَاءَتْ مُعَذِّبَتِي فِي غَيْهَبِ الغَسَقِ

                     كَأنَّهَا الكَوْكَبُ الدُرِيُّ فِي الأُفُقِ
فَقُلْتُ نَوَّرْتِنِي يَا خَيرَ زَائِرَةٍ
               أمَا خَشِيتِ مِنَ الحُرَّاسِ فِي الطُّرُقِ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"