عادي
أفق

أزمة النص المسرحي

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين
هل يعيش النص المسرحي العربي أزمة؟.. هذا سؤال يجادل فيه الكثيرون بالنفي، ويستدلون على ذلك بما يقدم سنوياً من عروض بنيت على مسرحيات لكتاب عرب سابقين أو معاصرين، وأن الأزمة مفتعلة من طرف المخرجين والدراماتورجيين الذين يريدون أن يهربوا من هيمنة النص، وظِل الكاتب المسرحي المبدع، فيبحثون عن أفكار مسرحية في ميادين أخرى، كالرواية، أو الشعر، أو الحكايات، أو أحداث الحياة اليومية، ويضيف هؤلاء المجادلون أن ذلك النفور من النص المسرحي الأدبي هو الذي سبب الأزمة الراهنة للمسرح، وجعل الكثير من التجارب الدرامية المعاصرة مملوءة بأخطاء الطرح والصياغة، ليس على مستوى الفكرة الدرامية فحسب، بل كذلك على مستوى التأويل الإخراجي، بما فيه من معالجات بصرية، باعتبار النص المسرحي المبني على أصول الكتابة الأدبية هو وحده القادر على حماية المعالجات الإخراجية من السقوط في مثل تلك الأخطاء.
لكن بالمقابل يرى المخرجون ومعدّو المسرح أن الكتابات المسرحية العربية الراهنة، قليلة وغير منتشرة، وأغلبها لا يقدم رؤية إبداعية جديدة، ولا يجد فيه المخرج ما يحفز مواهبه الفنية، ويستدعيه لمعالجته، وكثير منها يستعيد نفس الأفكار والرؤى التي عولجت في السابق، في حين أن طبيعة الحياة هي التجدد، وتحتاج إلى مقاربات إبداعية جديدة، وغياب هذه المقاربة في الأدب المسرحي، هو ما يستدعي -حسب هؤلاء المعدين- فحص ميادين أدبية راهنة للاستفادة من طريقة معالجتها للواقع، وكذلك مراقبة أحداث الحياة لاستخلاص صيغ جديدة للمعالجة الدرامية، ويرون أنه لو لم يهتدِ المسرحيّون إلى هذه الطريقة لسقط المسرح في هوة سحقية لن يخرج منها، فقد فتحت له أبواباً للإبداع لا تنضب.
لكل رأي نسبة من الحق فيما يذهب إليه، ومن المؤكد أن هناك أزمة في النص المسرحي، يعرفها كل من يمارسه أو يطلع على واقعه من قريب، وهو ما حدا ببعض المؤسسات إلى إنشاء بنك للنصوص المسرحية، كما فعلت دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، وكذلك إقامة مسابقات للنصوص، كما تفعل الدائرة نفسها والهيئة العربية للمسرح على مستوى الإمارات، ومؤسسات عربية أخرى، لكنّ هذه الأزمة ليست نابعة من عدم قدرة الكتّاب على الإبداع، ولا من غياب رؤى قادرة على تناول الراهن بأصالة فكرية وفنية، وإنما نبعت من أسباب مادية محضة، فكاتب المسرح لا أمل له في نشر ما يكتبه، وإن نشر فلن يجد قراء يقرؤونه؛ لأن الزمن الذي كانت فيه المسرحية تقرأ وتنشر انتهى منذ فترة ليست بالقصيرة، والناس اليوم قد تعودوا على مشاهدة المسرحية وليس قراءتها، ولذلك فأمل الكاتب الوحيد هو أن يجد مُخرجاً يأخذ نصه إلى الخشبة، وقد يطول انتظاره عمراً كاملاً قبل أن يجده، على عكس كاتب الرواية أو الشعر الذي سيجد قراء لا محالة، وهذا ما يجعل كتاب المسرح المحترفين قليلين، ويجعل النص المسرحي المعاصر المبدع نادراً جداً.

محمد ولد محمد سالم
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"