عادي

بنجامين فرانكلين الدبلوماسي والنابغة والفيلسوف المتنور

02:25 صباحا
قراءة 7 دقائق
إعداد: عثمان حسن

تأسس العالم الجديد على أنقاض شعب أصيل، وبأشتات مهاجرين، ومهجرين، لكنه أيضاً بني على أكتاف الكثير من الزنود الكادحة، والعقول المستبصرة.
عرف التاريخ الأمريكي الكثير من الساسة الدهاة، والعلماء النوابغ، والفلاسفة المتنورين، ورجال الأعمال المتفوقين. لكن، ماذا لو كان شيء من ذلك كله في رجل واحد؟ وماذا لو كان لهذا الرجل موقف ورأي وبصيرة؟
ابتكر مانعة الصواعق، فحمى الآلاف من الاحتراق، وأسهم في تحرر الولايات المتحدة الأمريكية، واعتراف بريطانيا العظمى باستقلالها، ثم ناضل آخر عمره من أجل منع صاعقة الرق وضمان تحرر الإنسان واستقلاله عن استعمار أخيه الإنسان.
إنه بنجامين فرانكلين، وهذه ملامح من سيرته.

حياته

بعد سنوات ترك بنجامين أخاه ليبدأ طريقه في فيلادلفيا، وهناك لم يمض زمن طويل حتى كانت له شركة طباعة خاصة به، مارس من خلالها العمل الإعلامي، ومن ثم خاض غمار السلك الدبلوماسي بما تيسر له من ثقافة وعلاقات ومقومات اجتماعية، ومستفيداً من تمكنه من التقاعد مبكراً بفعل الثروة المريحة التي استطاع جمعها من عمل شركته.
كل ذلك لم يمنع فرانكلين من الإطلالة من نافذة العلم والابتكار، مستفيداً كذلك من عمله في الصحافة والطباعة الذي مهد له طريق علاقات مثمرة مع علماء ومفكرين، حجز له مكاناً بينهم من بعد بجدارته وإنجازاته.
توفي بنجامين فرانكلين في فيلادلفيا، أكبر مدن ولاية بنسلفانيا الأمريكية، يوم السابع عشر من أبريل/ نيسان عام 1790، بعد أن بلغ من العمر أربعة وثمانين عاماً، وقد كرمته أمريكا بعد وفاته بطبع صورته على فئة المئة دولار.

في العمل السياسي

قضى فرانكلين سنوات من العمل الدبلوماسي في دول أوروبية، انصب اهتمامه خلالها على بذل الجهد من أجل معالجة الفجوة بين بريطانيا و«المستعمرات الأمريكية»، إلا أن مساعيه لجسر هذه الهوة لم تعرف طريقها إلى النجاح.
عاد فرانكلين إلى بلاده وأصبح عضواً منتخباً في مجلس الشعب، وفي هذه الفترة كانت له مساهمته إلى جانب عدد من كبار السياسيين الأمريكيين في كتابة وثيقة استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا.
ومن أجل تمتين الاستقلال، عاد فرانكلين إلى أوروبا، حيث تمكن بعمل دبلوماسي دؤوب من عقد صلح مع بريطانيا قضى باعترافها باستقلال الولايات المتحدة.
رغم ذلك، فقد عرف تاريخ علاقة بنجامين فرانكلين بالتاج البريطاني حالة من التوتر والجدل أيضاً، فهو أقام سنوات في لندن، وكان قد عرف عنه دعمه الكامل لملك بريطانيا جورج الثاني، وهو ما أثار التشكيك في ولائه من قبل بعض الأمريكيين، لكنه على أي حال كان من أبرز الداعمين والفاعلين لتحقيق الاستقلال والانفصال عن بريطانيا، عن طريق الحل السلمي الدبلوماسي الذي آمن به وعمل من أجله.
ومن المفارقات على هذا الصعيد أن أحد أبناء فرانكلين، واسمه وليم، كان معارضاً لتوجه والده بدعم استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا، حتى أنه ألقى بأوصاف التطرف والتعصب على حركة الوطنيين الأمريكيين التي كان أبوه واحداً منها بطبيعة الحال، بل إن المواجهة وصلت إلى حد أبعد من ذلك حين تولى وليم هذا قيادة مجموعة من الأمريكيين الموالين للتاج البريطاني، ثم قبض عليه الانفصاليون ووضعوه في السجن قبل أن يغادر إلى انجلترا نهائيا.
وفيما بعد قطع فرانكلين كل علاقة مع ابنه «العاق»، رافضاً أن يترك فسحة للصلة به.
مثل هذه السيرة المتقلبة بعض الشيء في العلاقة مع بريطانيا، عرفها فرانكلين في موقفه من الرق والعبودية، فقد كان كغيره يملك عبيداً يعملون في خدمته، لكنه أفصح في سنواته الأخيرة عن رفضه للرق، إيماناً بمبادئ الاستقلال والتحرر التي رفع لواءها.
وقد عمل فرانكلين من أجل إلغاء العبودية في الولايات المتحدة من خلال الوسط السياسي والدبلوماسي والقانوني، فقدم التماساً للكونجرس يطلب فيه منح العبيد حريتهم، لكن المجلس رفض مساندته في ما نادى به.
كذلك، ترأس فرانكلين مجمعاً لإلغاء العبودية في بنسلفانيا، وعمل حتى وفاته من أجل تحقيق هذا الحلم، كما أوصى أبناءه بمواصلة المساعي الجادة لإصدار تشريع يحرر العبيد في البلاد.

إنجازات

لبنجامين فرانكلين سجل متشعب من الإنجازات في مجالات مختلفة، وتالياً البعض منها:
- كان أول من اقترح فكرة تكوين مجمعات خاصة بالعلماء، وافتتح «مجمع الفلاسفة الأمريكيين».
- افتتح فرانكلين أول مكتبة للاستعارة.
- أوراق اليانصيب هي أيضاً واحدة من أفكاره.
- أثبت فرانكلين أن البرق عبارة عن كهرباء من خلال تجربة خطرة كادت تودي بحياته. ومن ثم اخترع ما يعرف بمانعة الصواعق.
- بنجامين فرانكلين هو أول من ابتكر كلمة Electricity التي تعني الكهرباء.
- من اختراعاته أيضاً: النظارة الثنائية البؤرة، عداد المسافة، موقد التدفئة المتطور.
- يعرف عن بنجامين فرانكلين أنه ساهم في ابتكار فكرة «التوقيت الصيفي» بتقديم الساعة ستين دقيقة صيفاً، وهو ما يعمل به الكثير من الدول حتى اليوم.
- حصل بنجامين فرانكلين على درجات فخرية من: جامعة هارفارد، جامعة بيل، كلية وليام وماري، جامعة سانت أندروز، جامعة أكسفورد.
- «هارمونيكا الزجاج» آلة موسيقية ابتكرها فرانكلين، وكان يعتز بها كثيراً. وهي الآلة التي عزف عليها موسيقيون كبار مثل موتسارت وبيتهوفن وشتراوس.
- ابتكر ما يوصف ب «الأبجدية الصوتية»، وهي نظام صوتي خاص لستة حروف انجليزية هي: Y,C,J,Q,W,X لكل منها تمثيل صوتي خاص.
كما حاول إصلاح الأبجدية في جانبها الإملائي، لكنه لم يتمكن من إنجاز هذا المشروع.
- كانت لفرانكلين شهرة كبيرة في فرنسا بسبب تجاربه في الإضاءة، حتى أن الفرنسيين سموا مختبراتهم الكهربائية باسم «الفرانكلية».
- الفرنسيون تأثروا أيضاً بأسلوب فرانكلين في الأزياء، حتى أن النساء الفرنسيات قلدن قبعته التي اشتهر بها مع وضع شعر مستعار ذي حجم كبير تشبهًا بشعر فرانكلين.

كتابه «فن الفضيلة»

كتب بنجامين فرانكلين ذات مرة أنه «أتخيل المشروع الجريء والشاق للوصول إلى الكمال الأخلاقي.. وأتمنى أن أعيش بدون ارتكاب أي خطأ في أي وقت، لكي أتغلب على كل ما قد يدفعني، أو يعيقني عن إتمام هذا المشروع بشكل تام» وكان فرانكلين بالفعل قادرا على رسم خطة هذا العمل في كتاباته الأخيرة. وفي هذا الكتاب ثمة الكثير من المقالات التي كتبها فرانكلين، بدءا من مقاله «فن الفضيلة»، والكتاب يتضمن الكثير من أفكاره حول العدالة والاعتدال والعفة، وأكثر من ذلك، فهو يشكل دليلا سهلا للقراءة يرشد الناس للعيش بأكبر قدر ممكن من الفضيلة، وبذات الطريقة التي تصورها بنجامين أنها يمكن أن تكون.

«بنجامين فرانكلين» لـ ستيفن كرينسكي

هذا الكتاب من تأليف «ستيفن كرينسكي» وهو مملوء بالصور الفوتوغرافية من أرشيف بنجامين فرانكلين، وغيرها من الحقائق المذهلة التي تمس حياته، ويعتبر من الكتب الموجهة للقراء الشباب، حيث يطلعون على سيرة فرانكلين بقلمه هو، منذ طفولته، مرورا بوصفه صار علما، ومن أبرز الشخصيات المثيرة للاهتمام، حيث منجزاته كرجل دولة شهير، بالإضافة إلى تجاربه العلمية، وسنوات نشاطه السياسي في الولايات المتحدة وفي فرنسا حتى وفاته.
هي بحق، سيرة مكثفة، وشاملة أيضا، أنجزها كرينسكي في نحو 128 صفحة، والكتاب مملوء بالحقائق والعلاقات التي ربطت بنجامين فرانكلين برموز وشخصيات، كان لهم أثر في تكوينه، ممن سبقوه أو عاصروه مثل: إسحق نيوتن، والملك جورج، وبول ريفير، و«الماسونيون الأحرار».
الكتاب مصوغ بلغة سهلة، يستطيع التعامل معها حتى طلاب الصف الرابع الابتدائي، وهو مذيل بمعجم يفسر بعض المصطلحات غير المألوفة، للشريحة المستهدفة، كما يتضمن جدولا زمنيا، يتدرج بوصف حياة فرانكلين، ويبرز أهم المراحل الأساسية في حياته.

عن السيرة

في بواكير القرن الثامن عشر، وتحديداً في 17 يناير 1706، ولد الطفل بنجامين فرانكلين لعائلة أمريكية تقيم في ولاية ماساتشوستس.
لم يلتحق بنجامين بدراسة منتظمة في طفولته، بل كان يساعد أباه في متجره المخصص لصناعة الشموع، كما عمل لاحقاً مع أخيه الأكبر الذي كان يمتلك مطبعة صدرت منها إحدى الصحف ذات الشأن بمنطقتها في ذلك الوقت.
في المطبعة، أخذ بنجامين يعلم نفسه، وهو بعد في بدايات العقد الثاني من العمر، حتى إنه تمكن - وهو في السادسة عشرة - من أن يتولى رئاسة تحرير الجريدة وكتابة عدد من المقالات بنفسه، وذلك عندما أدخل أخوه السجن بسبب مقالة لم تعجب السلطة الحاكمة.

كتاب «الأمريكي الأول»

هو كتاب للمؤرخ الأمريكي براندز يعرض فيه السيرة الشاملة لبنجامين فرانكلين، وهي الأولى من نوعها منذ أكثر من 60 عامًا، صنف الكتاب ضمن قائمة أفضل الكتب مبيعاً في نيويورك تايمز، وكان في قائمة أفضل كتب نادي الكتاب الأمريكي، كما حصل على ترشيح جائزة بوليتزر.. وصفتها «مجلة نيويوركر: سيرة متماسكة وساحرة».
مما حمله الكتاب ثمة إشارة لافتة إلى فرانكلين بوصفه الرجل الأمريكي الأكثر سحرا وإدهاشا، والذي جمع بين كونه عالما ورجل أعمال ودبلوماسيا ومؤلفا ومخترعا وفيلسوفا، وهو رجل عصر النهضة الأمريكي، الذي تشمل إنجازاته الرائعة والمتنوعة اكتشاف الكهرباء وتحديث النظام البريدي، كما كان رجل الدولة البارع والأيقونة الثقافية، البارز والشهير في زمنه.
الكتاب بمثابة إهداء ألفه براندز إلى «رجل لا ينسى على مر العصور» وهو يشتمل على أحداث مذهلة، كما يلقي الضوء على شخصية ذات سمات رائعة جعلت من صاحبها - أي فرانكلين أسطورة بكل ما للكلمة من معنى.

من أقواله

- حيث تكون الحرية يكون الوطن.
- يراقب الجوع بيت العامل لكن لا يجسر على الدخول.
- يهرم الإنسان حين يتوقف عن التطور.
- هل تحب الحياة؟... إذن لا تضيع الوقت، فذلك الوقت هو ما صنعت منه الحياة.
- إما أن تكتب شيئاً يستحق القراءة، أو أن تفعل شيئاً يستحق الكتابة عنه.
- إن السعادة تكمن في متعة الإنجاز ونشوة المجهود المبدع.
الرجال الحكماء لا يحتاجون إلى النصيحة، والحمقى لن يأخذوا بها.
-  كثيرون يعتقدون أنهم يبتاعون اللذة، في حين أنهم في الحقيقة يبيعون أنفسهم لها
كالعبيد الأرقاء.
- أي أحمق يمكنه الانتقاد والشجب والشكوى، ومعظم الحمقى يفعلون هذا.
-  يموت الناس في سن 25 سنة، ولكنهم لا يُدفنون إلا في سن 75.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"