عادي

«دافوس» وعدم المساواة والمناخ

03:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
دانيال ميتلر *

النموذج الاقتصادي الذي وضعه الأثرياء والأقوياء في دافوس، والذي يقوم على مبدأ «الربح أولاً»، هو الذي أوصل العالم إلى وضعه الحالي، الخاضع لتغيّر المناخ، وعدم المساواة.

يرتبط أربعة من أشدّ خمسة أخطار تأثيراً، في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول المخاطر العالمية، لهذا العام، بتغير المناخ. ويحذر التقرير من أننا «نسير نياماً نحو الكارثة». ولكن ذلك ليس صحيحاً.

فالكارثة قد حلّت بالفعل، وهي ليست شيئاً نمضي في السيْر في اتجاهه. والتغير المناخي ليس خطراً مستقبلياً، بل هو خطر موجودٌ حالياً. وقد دخلنا مرحلة جديدة.. مرحلة تأتي فيها التأثيرات سريعاً، وبكثافة أكبر.

فقد حصَل هذا العام، أنْ شهدت تايلاند أسوأ عاصفة تخترق مناطقها الساحلية في 30 عاماً. وفي منطقة الألْب، قريباً من دافوس إلى الشرق، يتسبب الطقس المتطرف في حدوث فوضى ثلجية.

وأزمة المناخ لا يسبّبها النوم أو الجهل. فالأثرياء والأقوياء في دافوس، هم الذين أوصلونا إلى حافة وجودنا ونحن في كامل صَحْوِنا. وقد هيمن النموذج الاقتصادي النيوليبرالي القائم على «الربح أولاً»، على صُنع السياسة في جميع أنحاء العالم لفترة طويلة.

وأدّى إلى قوانين وطنية، وقواعد في التجارة والتمويل، تقودنا إلى الاستهلاك المفرط للموارد السائد حالياً، وتؤدي إلى اضطراب المناخ- وتجلب المزيد والمزيد من عدم المساواة.

وقد حصد أغنى الأثرياء في العالم، نسبة تعادل 82% من كل الثروة الجديدة في العام الماضي، ووفقاً للبنك الدولي، فإن ما يقرب من نصف الناس في جميع أنحاء العالم، لا يفصلهم عن الإملاق والعَوَز سوى فاتورة طبية واحدة، أو فشل يصيب محاصيلهم. ويستمر عدم المساواة في التصاعد، مع ارتفاع درجة حرارة العالم، وأسباب كلا الأمريْن مترابطة معاً.

وكما بيَّنتْ منظمة أوكسفام الخيرية، فإن الفقراء والمهمَّشين هم الأكثر عُرضةً لخطر تأثيرات تغيّر المناخ المدمرة.

إن تقصير الحكومات عن إعطاء الأولوية لاتخاذ إجراءات مناخية ومكافحة عدم المساواة، ناجم عن كون مؤسسات الدول وصُنّاع القرار- في الجنوب كما في الشمال- حبيسين لمصالح شركات معينة.

ويَعرض تقرير «العدالة للناس وللكوكب»، على سبيل المثال، 20 مثالاً للكيفية التي تؤدي بها القواعد التي تحكم اقتصادنا العالمي (وأحياناً عدم وجودها)، إلى التدمير البيئي وانتهاكات الشركات لحقوق الإنسان.

والحقيقة المحزنة، أن تلك الحالات ليست سوى الجزء الطافي من جبل الجليد. وهي مجرد توضيح للمشكلة النظامية التي نواجهها.

ولأن الأزمات التي نواجهها هي النتيجة للقواعد الاقتصادية والسياسية الحالية التي نسير عليها، فلا طوارئ المناخ، ولا عدم المساواة، يمكن إصلاحهما عن طريق الشراكات بين القطاعيْن العام والخاص، كما يحاول «كلاوس شواب»، مؤسس ومدير المنتدى الاقتصادي العالمي، إقناعنا به.

على العكس، ليس لدينا فرصة للتوقف عن السير نحو الكارثة، إلاّ إذا حمَلنا حكوماتنا على تبنّي قواعد جديدة تضع إنهاء التلوّث المناخي وعدم المساواة، نصب أعينها - على الصعيدين الوطني والعالمي.

وهذا ممكن بالتأكيد. فعلى المستوى العالمي، توجد لدينا بالفعل بعض اللوائح القادرة على التأثير. تستطيع منظمة التجارة العالمية، على سبيل المثال، فرض عقوبات على الدول التي تخالف قواعدها.

وقد مَنعَت تلك القواعد ذاتُها العديد من القوانين والتغييرات- لأن تهديد منظمة التجارة العالمية بإلغاء تدبير اجتماعي أو بيئيٍّ ما، ماثلٌ دائماً.

ونحن في حاجة على نحو مماثِل، إلى قواعد قوية تجابه طوارئ المناخ وتحارب عدم المساواة. يجب أن تكون الهيئات البيئية والاجتماعية قادرة على فرض عقوبات وغرامات. ويجب أن تمتدّ مساءلة الشركات لتشمل كل تأثيرات الشركات على الناس والبيئة في جميع أنحاء العالم. وبالمثل، يجب تجديد قواعد التجارة لكي تضع الناس والكوكب الذي يعيشون عليه أولاً.

ومع التئام شمل المنتدى الاقتصادي في دافوس.. يقوم الناس بالتعبئة في العديد من البلدان، لوضع حدٍّ لعدم المساواة..

وكما يقول البيان الرسمي للتحالف العالمي لمكافحة عدم المساواة: «إننا نقف معاً لبناء عالم تسوده مساواة أكبر- وتُحترَم فيه حقوق جميع الناس وتتحقّق... عالمٍ من الرخاء والفرص والكرامة المشتركة، لكل من يعيش ضمن حدود الكوكب».

* المدير السياسي لمنظمة «جرين بيس» الدولية. موقع: «انتر برس سيرفس»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"