عادي

حركات قومية انفصالية تنشط في أوروبا

05:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
إعداد: عمر عدس وصباح كنعان

أثار انفصال القرم عن أوكرانيا وانضمامها إلى روسيا أزمة دولية لاتزال تتفاعل، ولكن هذه ليست سوى حالة انفصالية واحدة من بين حالات متعددة في أوروبا . وقد عرض الباحث والمعلق الأمريكي كون هالينان أبرز هذه الحالات في مقال نشر في موقع "كاونتر بانش" وجاء فيه:
يقول ليو تولستوي على لسان آنا كارنينا في روايته الشهيرة التي تحمل اسمها: "العائلات السعيدة جميعها متشابهة . وكل عائلة تعيسة تكون تعيسة بطريقتها الخاصة" .
وهذا القول يمكن أن يكون استعارة لأوروبا اليوم، حيث "العائلات التعيسة" الكاتالونية والاسكتلندية والبلجيكية والإيطالية والأوكرانية تفكر في طلاق البلدان التي تشكل حالياً جزءاً منها .
وبينما تندد الولايات المتحدة وحلفاؤها باستفتاء القرم الذي أدى إلى انفصال شبه الجزيرة عن أوكرانيا، فإن الاسكتلنديين سينظمون استفتاء مماثلاً في 18 سبتمبر/أيلول، في حين أن الكاتالونيين يريدون هم أيضاً تنظيم استفتاء، وكذلك سكان مقاطعة التيرول في شمال إيطاليا (الذين يتحدث 70% منهم اللغة الألمانية)، والناطقون بالفلمنكية في شمال بلجيكا .
ومعظم هذه المناطق تبدو غنية، وتسعى إلى تحرير نفسها من الارتباط بمناطق فقيرة .
والحدود في أوروبا تبدو غير قابلة للتبديل، ولكنها طبعاً ليست كذلك . وهي تتغير أحياناً نتيجة الحرب، أو الضرورة الاقتصادية، أو بسبب ترسيم اعتباطي للحدود يتجاهل التاريخ والانتماء العرفي . والقرم، التي فتحتها الإمبراطورة الروسية كاثرين العظمى عام ،1783 منحت اعتباطاً لأوكرانيا عام 1954 . وبلجيكا كانت وليدة مؤتمر للقوى الأوروبية عام ،1830 في حين أن اسكتلندا ارتبطت بإنجلترا عام 1701 . وكاتالونيا سقطت أمام الجيشين الإسباني والفرنسي عام ،1714 بينما مقاطعة جنوب التيرول كانت إحدى غنائم الحرب العالمية الأولى .
وفي جميع هذه المناطق، كانت التظلمات التاريخية، والتنمية غير المتكافئة، والتوترات العرقية تتفاقم بفعل الأزمة الاقتصادية الراهنة المستمرة منذ سنوات . وليس هناك ما يغذي نيران الانفصال أكثر من البطالة والتقشف .
والحالتان الأكثر إلحاحاً، واللتان يرجح أن يكون لهما تأثير عميق في بقية أوروبا، هما اسكتلندا وكاتالونيا، وكلاهما تعيس بطريقته الخاصة .
اسكتلندا كان لها دائماً حزب قومي، ولو أنه ثانوي، بينما كان حزب العمال البريطاني يسيطر عليها تقليدياً . ولكن "حزب العمال الجديد" بقيادة توني بلير، أثار بسياساته التي ارتكزت على الخصخصة وتخفيض الإنفاق الحكومي عداء الكثيرين من الاسكتلنديين، الذين ينفقون على تعليمهم وخدماتهم الصحية أكثر من بقية بريطانيا . وعلى سبيل المثال التعليم الجامعي في اسكتلندا لايزال مجانياً، وكذلك الرعاية الصحية .
وعندما فاز المحافظون في الانتخابات البريطانية عام ،2010 خفضت ميزانيتهم التقشفية الإنفاق على التعليم، والرعاية الصحية، ودعم الإسكان، والنقل . وأثار ذلك غضب الاسكتلنديين، الذين صوّتوا للحزب القومي في انتخابات البرلمان الاسكتلندي عام 2011 . وعلى الفور، عرض الحزب القومي تنظيم استفتاء حول الانفصال وإعلان الاستقلال .
وبالنسبة إلى كاتالونيا، المحشورة بين فرنسا وشمال شرق إسبانيا، فقد كانت لزمن طويل محرك الاقتصاد الإسباني، ومنطقة تتأصل فيها تظلمات تاريخية . وبعد أن غزاها الجيشان المتحالفان الفرنسي والإسباني خلال حرب الوراثة الإسبانية (1701-1714)، كانت أيضاً على الجانب الخاسر في الحرب الأهلية الإسبانية خلال 1936-1939 . وفي عام ،1940 أسكت الفاشيون المنتصرون لغة وثقافة كاتالونيا، وأعدموا رئيسها لويس كومبانيس، في حين أن أي حكومة إسبانية لاحقة لم تكفر عن ذلك .
وفي عام ،2006 حصلت كاتالونيا على حكم ذاتي موسع، ولكن المحكمة العليا ألغته عام 2010 استجابة لدعوى رفعها الحزب الشعبي (اليميني) الحاكم حالياً . وأدى ذلك إلى تنامي الحركة الاستقلالية . وفي العام ،2012 فازت الأحزاب الانفصالية في الانتخابات المحلية وتولت الحكومة الإقليمية .
وهناك تصدعات أخرى في أوروبا، مثلما هي الحال في الشمال البلجيكي الناطق بالفلمنكية، الذي يرغب في الانفصال عن الجنوب الناطق بالفرنسية، وفي جنوب التيرول، حيث يضغط "حزب الحرية"، الذي ينشط من أجل الانضمام إلى النمسا، لتنظيم استفتاء حول الاستقلال .
ومن يراجع تاريخ أوروبا في الخمسمئة سنة الأخيرة يكشف مدى تغير حدود دولها . وما قد يبدو أبدياً، إنما هو زائل . والقارة الأوروبية تنجرف اليوم مرة أخرى، ما يعمق خطوط تصدعاتها القديمة والحديثة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"