عادي

ندوة الثقافة والعلوم تنظم ورشة «الكتابة الوصفية في النص الأدبي»

01:25 صباحا
قراءة 4 دقائق

محمد ولد محمد سالم

انطلقت مساء أمس الأول في ندوة الثقافة والعلوم ورشة «الكتابة الوصفية في النص الأدبي» التي تنظمها اللجنة الشبابية في الندوة (نون)، وتشرف عليها الروائية الكويتية بثينة العيسى على مدى يومين، ويشارك فيها عشرون متدربا من الكتاب الشباب، وكانت العيسى قد اشرفت على العديد من الورش الأدبية المتخصّصة في موضوعات: (الكتابة الوصفية، كتابة الرواية، القفز على حواجز الكتابة)، وصدرت لها روايات عدة منها «ارتطامٌ.. لم يسمع له دوي» 2004، و«سعار» 2005، و«عروس المطر» 2006، و«عائشة تنزل إلى العالم السفلي» 2012.

حددت العيسى في التمهيد للورشة مكانة اللغة بالنسبة للأديب بأنها هي المادة الخام التي يصنع منها نصوصه، وعليه أن يتعرف جيداً إلى طبيعة هذه المادة ويَخبِر كل مكوناتها، ويطّلع على أسرارها، فيعرف متى وأين يستخدم هذه المفردة بدل تلك، وما هي دلالة هذه الصيغة وقيمتها في صناعة المعنى الذي يريد أن يصنعه، وشددت على أنه ما لم يصل الكاتب لتلك الخبرة، فيتحكم في لغته ويضع مفرداته في مواضعها المناسبة، فإنه لن يكون أديباً، ولن يصل إلى درجات الإبداع المطلوبة، وأشارت إلى أن هذه الخبرة يمكن اكتسابها من القراءة المستفيضة لكبار الأدباء العرب والعالميين قديما وحديثا، مع الممارسة الدائمة للكتابة، حتى يستقيم للكتاب أسلوبه، ويستقل به.

كما أشارت العيسى إلى شرط آخر من شروط الكتابة الأدبية، وهو أن يحمل الكاتب رؤية واضحة نابعة من إحساس إنساني أو فكرة وأن يسعى إلى إيصالها إلى القارئ، لأنه إذا لم تكن أفكاره ومقاصده الكتابية واضحة له، فلن يستطيع أن ينقلها باللغة بشكل واضح، وستكون حينها كتابة عبثية، لا يصل القارئ من ورائها إلى شيء، ولا تترك لديه أي إحساس إنساني، وأضافت العيسى أنه لا تكفي الرغبة وحدها لكتابة الأدب، لأن الرغبة لا تعني الموهبة، فكل إنسان يمتلك رغبة للتعبير، لكنّ على من يريد ممارسة الكتابة الأدبية أن يتأكد من امتلاكه الموهبة الأدبية، وأن يسعى إلى تنمية تلك الموهبة بالقراءة والدربة.

واستعرضت العيسى مقتطفات من كتابات أدبية لكتاب من عالميين وعرب وتتبعت مع المتدربين طرق أولئك الكتاب في الوصف واختيار المفردات المناسبة، وكيف يستطيع الكاتب بواسطة اللغة أن ينقل للقارئ الصورة الخارجية للأشياء والكائنات، ويصنع له مشهدية عالية الدقة، أو أن ينقل له الصورة الداخلية للإحساس فيجعله يعيش مع الشخصيات لحظات شعورها، ويندمج في الحدث بكل تفاصيله، ومن النصوص التي توقفت عندها نص قصير لماريو فارغاس يوسا يصف فيه صبيا باقتصاد شديد لكن مع التركيز على الأشياء اللافتة في شكله، يقول يوسا: «كان مايتا صبياً بديناً أجعد الشعر، له قدمان مسطحتان وأسنان متفرقة، وطريقة في المشي كأنها تشير إلى الثانية الا عشر دقائق»، فصورة الصبي كما تقول العيسى مقدمة باحتراف يجعلها تنطبع مباشرة في ذهن القارئ، فلا ينسى تلك البدانة والشعر الأجعد والأسنان المتباعدة والمشية المترنحة.

كما توقفت العيسى عند نص آخر للكاتب المغربي الطاهر بن جلون في نص من روايته «تلك العتمة الباهرة» حيث يصف معاناة السجناء، يقول أحد المقاطع المختارة «لا تعودوا إلى النوم، لا تعودوا إلى النوم يا إخوتي، انتبهوا، نحن في فصل الصيف، في يوم الثالث من يوليو 1978، إنها الخامسة وست وثلاثون دقيقة.. إنه ميقات العقارب.. انتبهوا جيداً.. لقد وصلت العقارب، إني أشعر بوجودها، إني أسمعها، بعد البرد القارس والرطوبة جاء الصيف.. صيف العقارب.. يجب أن نرص صفوفنا، لقد كادت آلتي تتعطل لأنني شعرت بوجود شيء غريب في زنزانتي.. لا ليسوا الجن.. لا.. إنهم قتلة.. إنها حشرة صغيرة تلدغ وتنفث سمومها القاتلة»، وتعلق العيسى على النص بأن ابن جلون يستجمع طاقاته الأسلوبية لينقل إلى القارئ الإحساس بالخوف الذي تملك ذلك السجين، وجعله يستصرخ أصحابه لرص الصفوف في وجه تلك الحشرة الصغيرة، وينجح الكاتب في ذلك، كما أنه يقدم للقارئ تلك الوضعية المؤلمة للسجين الذي تنزع منه إنسانيته فيصبح فريسة للضعف والوهن وتتضاءل اهتماماته حتى تصبح منصبة على أشياء تافهة لا يلقي لها البشر العاديون بالاً، مثل العقارب التي يسهل التخلص منها أو مثل انفاقه ساعات في البحث عن طريقة لنقل يده من مكان إلى آخر.

كما توقفت العيسى أيضاً عند نص للكاتبة الهندية أورهانتي روي من روايتها «إله الأشياء الصغيرة»، استخدمت فيه جميع الحواس (النظر والشم والسمع واللمس) لتقديم الفكرة التي تريد أن تقدمها، ما جعلها قادرة على التأثير في قارئها، وبينت العيسى أن على الكاتب أن يهتم بحواس القارئ ويحاول إشراكها جميعا في عملية القراءة، وإدخالها في المشهد، بحيث يتوهم القارئ أنه شم تلك الرائحة التي وصفها له الكاتب أو سمع ذلك الهمس الذي تهامست به الشخصيات.

ونبهت العيسى المتدربين على ضرورة الابتعاد التامّ عن كل العبارات والجمل والأوصاف الجاهزة التي ابتذلت من كثرة الاستخدام، وأن يفكر كل كاتب في صناعة عبارته هو ولغته هو من هذه الخامة المتاحة له بالمجّان، كما أن عليهم أن يبتعدوا عن التقرير والأحكام الجاهزة، ويتركوا المشهد يتحدث عن نفسه، والحدث يوصل دلالته تأثيراته إلى القارئ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"