عادي
وجوه من الإمارات

محمد يوسف.. نحات البساطة عاشق المسرح

03:08 صباحا
قراءة 3 دقائق
الشارقة: عثمان حسن

يؤمن الفنان التشكيلي والمسرحي الدكتور محمد يوسف بوحدة الطبيعة، ويرى أن الكائنات موجودة على نحو يكمل بعضها البعض، وهو هنا، كأنه يتفاعل مع مكونات الطبيعة، يتكلم معها، ويرقص معها، ويحس بوجعها وآلامها، ومن هذه المكونات، ثمة ماء، وثمة شجر، وثمة تلقائية وبساطة، تتقاطع مع بساطته وتلقائيته، فهو فنان لا يؤمن بالتشخيص، الذي يؤدي إلى إبراز ملامح الجسم الآدمي. هو بريء، وفطري وتلقائي.. يفضل القول دائما: «أنا أقوم بعمل «تركيبات» وليس نحتاً مباشراً، لأشياء وعناصر الطبيعة والبيئة، فتخرج على إيقاع الحركة والتوازن والتردد..
وهي بعيدة بالمطلق عن فكرة التجسيد».
ليس ذلك سوى جانب واحد من شخصية هذا المبدع والمؤسس محمد يوسف، الحائز جائزة الدولة التقديرية 2009، هو جانب يتعلق بالتشكيل، وفهمه لفن النحت على وجه الخصوص، أما الجانب الآخر، وربما الجوانب الأخرى، فتشمل المسرح والإدارة، فهو المؤسس الأول لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية، وأحد مؤسسي مسرح الشارقة الوطني، وهو فوق ذلك كتلة من النشاط، والحركة الدائبة بين مكونات فنية عدة، تعكس صورته المتفائلة، بدليل حضوره الدائم في المناشط والفعاليات الفنية والثقافية المختلفة.
في النحت أقام محمد يوسف العديد من المعارض، والنحت عنده، يقوم على فلسفة البساطة، ومفهوم كسر الحواجز، فهو كما أشار في أحد حواراته الصحفية، يعتقد بأن أي عمل فني، لا بد له من إيقاع حركي، وبالتالي فإنّ فهمه للنحت، ينسجم مع فهمه للتشكيل بوجه عام، كما ينسجم ويتناغم مع فهمه لفكرة المسرح، وهذه الفنون تعتمد على عنصرين أساسيين: الأول ثابت، والثاني متغير، حيث التشكيل بهذا المعنى، يجسد «صورة حقيقية» ثابتة ومتحركة داخلياً.
أما المسرح، فتعود جذوره عند محمد يوسف إلى سنوات عيشه في الكويت ومن على مقاعد الدراسة، حيث كان يشارك في الأوبريتات، وعروض المسرح المدرسي، وهي ذات المرحلة، التي جعلته ينتبه إلى ماهية التشكيل، وتفحص اللون والخط، وهو الذي وجهه لدراسة الفنون التشكيلية في معهد الفنون المسرحية في القاهرة، كما حاز ماستر الفنون من جامعة ويبستر في الولايات المتحدة، وعلى الدكتوراه من جامعة راشني في الهند.
في رصيد محمد يوسف العديد من المشاركات الفنية الفردية والجماعية، وفي أكثر من دولة عربية وعالمية، وفي النحت على وجه الخصوص، يسترعي الانتباه، تلك المواد التي يحرص على استخدامها أكثر من غيرها، وهي تتألف من: جذوع الأشجار والأوراق والأغصان والحبال ومخلفات البيئة الإماراتية، وما بين النحت والمسرح يحبذ محمد يوسف القول «بدأت كمسرحي بالرغم من أن التشكيل جزء لا يتجزأ من حياتي».
أشياء ومواد محمد يوسف، يمكن مشاهدتها في حديقة بيته في الشارقة، حيث تنتصب تركيبات ثلاثية الأبعاد، عنوانها الأساسي «من الطبيعة وإليها» ويكفي أن يتوقف المشاهد عند شكل يمثل «الخيمة» ويتوقف عند جذوع النخيل، وعند الشجرة كذلك، ليدرك قرب المسافة ودوران الحركة ما بين الجذور والسيقان والأغصان.
تواصلت تراكيب محمد يوسف، لتشمل: منحوتة «المرأة والنخلة» وهنا، نحن أمام مستوى آخر يستخدم فيه محمد يوسف مادة الرخام، أنجزت المنحوتة في البحرين في إطار البرنامج الثقافي والفني لوزارة الثقافة البحرينية للاحتفال بالمنامة عاصمة للثقافة العربية، وفيها خطوط ترمز إلى المرأة والنخلة، وبكل تأكيد تتسق مع فهمه للفن، وتبتعد عن مفهوم التشخيص، كما تتناغم مع منحوتة «البحر والصحراء» الذي يحبذ يوسف أن يطلق عليه (عمل تركيبي فراغي مادته من الرمل والعصي والأخشاب، أما اللون فهو لون البحر في تحولاته في الليل والنهار، وفي مده وجزره وصخبه وضجيجه وهدوئه).
تتواصل منحوتات محمد يوسف لتسرد حكاية الإمارات، وناسها، ولتتحدث عن جذور راسخة، ومشاهد بصرية مفعمة بالحس الإنساني، من هواجس وأحاسيس الناس وفطرتهم، والتي تعكس وعيا متقدماً وإنسانياً خصباً.
هذه هي حال النحت، أما في المسرح فثمة عروض كثيرة، وثمة مهرجانات ومشاركات دولية، وثمة أسماء راسخة، رافقت مسيرة هذا المبدع والإنسان، لتكتمل الصورة وتحكي عن قصة ملهمة، في العروض المسرحية ومعارض التشكيل، وفي الحوارات النقدية الباذخة التي تلهم الأجيال الجديدة، وتفتح أمام أعينهم سنوات من الإبداع الفني، هنا، يبرز محمد يوسف شاهداً على سنوات الألق والإبداع، في رحلة قدمت النموذج الفني حيث الشارقة، تشع مسرحاً، ومناشط فنية وثقافية، ومشاريع تستشرف الضوء في البحر الذي يتسع ويفيض بالحكايات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"