عادي
أتقنها الآباء وورثوها للأبناء

الحرف اليدوية التقليدية في الإمارات تراث ممتد

03:36 صباحا
قراءة 4 دقائق
تمثل الحرف والصناعات الجانب المنتج في المجتمع حيث تتداخل الحرف في مدلولها العام مع مفهوم الصناعات التقليدية، فإذا كان الرعي والصيد والزراعة والتجارة من الحرف، فإن الحدادة والصناعة والحياكة والنجارة تمثل الصناعات . والإمارات غنية بتراثها الحضاري الذي ورثته عبر مختلف مراحلها التاريخية والحضارية، ويظهر ذلك بوضوح في تعدد الفنون الشعبية والحرف والمصنوعات التقليدية التي تعكس ذوقاً فنياً وتراثاً غنياً .
وتنوعت الصناعات والحرف في الإمارات فشملت كل متطلبات الحياة اليومية، وتعددت أشكالها وأحجامها وألوانها وموادها الخام حسب استخداماتها وأغراضها، ولعل تعدد وتنوع هذه الصناعات أدى إلى تنوع خصائصها الفنية التي عكست ذوق الحرفيين ومهارتهم وتنوع ثقافاتهم وأذواقهم .
اضطرت الظروف أهل الإمارات في الماضي لإتقان واحتراف العديد من الصناعات التي لها علاقة مباشرة بالبحر الذي كان مصدر الرزق والغذاء، وكذلك استغل الآباء والأجداد مصادر الصحراء، على الرغم من شح الموارد وظروف الطبيعة القاسية في سبيل تأمين سبل الرزق والمعيشة الكريمة .
ونظراً لانسجام الإنسان في الإمارات مع بيئتها المتنوعة والثرية، فقد برز الكثير من الحرف اليدوية التي امتهنها أهل المجتمع وبعض تلك المهن لزمت أصحابها في مسمى عوائلهم حتى اليوم .
وتعد الإمارات في طليعة الدول من حيث الاهتمام بالحرف والصناعات التقليدية الشعبية، إذ أمكن إحصاء أكثر من 30 حرفة شعبية يدوية خلال الدورة الأخيرة لمهرجان أيام الشارقة التراثية مازالت تمارس داخل مجتمع الإمارات، وتمثل مورد رزق للعديد من الناس الذين يمارسونها حتى لو اقتصرت تلك الممارسة على المناسبات والمهرجانات .
ومن أهم الصناعات والحرف التقليدية التي كانت حاضرة في المهرجان والتي مازالت تمارس في الدولة، تجريد أو سحل الخوص وصناعة السيوف والأكل الشعبي والخناجر وعمل الوسم والتلي وعمل الحبال ويسمى قلد الحبال وغزل الصوف وقرض البراقع والنجارة وعمل اليازرة والحدادة والجص ودق وطحن الحبوب والحناء والأشرعة وصناعة القراقير والسفافة وصناعة السفن والطواشة والزراعة والعطور وصناعة المنابر والدخون والخياطة والسدو وصناعة الحلوى وخض اللبن وعمل الدبس والتجارة، وغيرها من الصناعات التقليدية العريقة في المجتمع .
ومن المعروف أن المتغيرات التي طرأت على مجتمع الإمارات نتيجة للطفرة النفطية، تركت الكثيرين من جيل ما قبل النفط عاطلين عن العمل أوغير منتجين لعدم إجادتهم لمهن أخرى غير التي زاولوها قديما، ولعله من المفيد التذكير بأن حرفهم التي كادت تندثر لعبت دوراً أساسياً وعاملاً مهماً للاستقرار قديما .
وبعد ثورة النفط واجهت الصناعات والحرف التقليدية عقبات وتحديات وبات بعض منها على شفا الانقراض، وبالفعل بدأت حرف بعينها في التلاشي والاندثار مع بداية السبعينات من القرن الماضي، إلا أن هذا الحال لم يرض المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مؤسس وباني دولة الإمارات وعرف مبكراً بنظرته الثاقبة أن منتجات الحرف اليدوية التي كانت سائدة ردحاً من الزمن، لا تظهر إلا على استحياء أمام طغيان المنتجات الحديثة المستخدمة في حياة الناس اليومية محيلة كل المنتجات القديمة إلى زوايا الذاكرة الإنسانية ومتاحف التاريخ، مكتفية بحظها في الظهور الموسمي في معارض التراث والأصالة أو عند بعض ممن لا يزالون يؤثرونها على المنتجات الحديثة .
ولهذا غرس المغفور له الشيخ زايد حب الاهتمام بقطاع الصناعات والحرف التقليدية في جيل اليوم من خلال اهتمامه بالتراث بصفة عامة وحرصه على إشراك المرأة في خططه الثرية لإحياء التراث والمحافظة عليه، إذ افتتح مركزاً للصناعات التقليدية واليدوية القديمة في عام 1978 بإشراف الاتحاد النسائي العام، وتفرعت منه العديد من مراكز التدريب على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة والذي خصص لكل جانب من جوانب التراث مشغلا خاصا به، كمشغل التلي ومشغل الفخار والتطريز اليدوي ومشغل الغزل وسعف النخيل والسدو . ثم سارت القيادة الرشيدة على النهج نفسه، فبدعم من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، زاد الاهتمام بالصناعات التقليدية ما دفع جمعيات ومراكز التراث ومراكز الأسر المنتجة والمؤسسات والأهالي للمشاركة في إحياء هذا اللون من الأنشطة .
وجاء هذا الاهتمام ليرسخ وجود واستمرارية هذه الصناعات والحرف التي كانت تدر مداخيل مجزية قديما، ويحميها من الإهمال والاندثار ويؤمن للمشتغلين بها مصدراً ثابتاً للرزق .
ويقول المواطن محمد خميس بو هارون: "اشتهر أهل الساحل بالصناعات البحرية المتعلقة بالأسماك التي كانت تصدر إلى الأسواق الخليجية والإفريقية، ومنها صناعة المالح في الساحل الشرقي وصناعة "العومة" التي شكلت مصدراً غذائياً واقتصادياً أساسياً لشعب الإمارات أثناء كساد تجارة وصناعة اللؤلؤ، حيث استخدمت في الأطعمة وكسماد للمزارع" .
ويقول المزارع علي محمد المنصوري إن أهالي المناطق الزراعية "مناطق النخيل" أجادوا المهن والحرف المتعلقة بالنخيل، واستخدم سكان المناطق الزراعية معطيات هذه الشجرة السخية لتلبية مختلف احتياجات معيشتهم . ويؤكد أن أهل المنطقة استخدموها في مختلف مرافق حياتهم .
ويقول المواطن علي يوسف الشعرون: "من أهم الصناعات والحرف اليدوية الأخرى التي اشتهر بها سكان مناطق الزراعة وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالبيئة والأرض "اليازرة" وهي طريقة قديمة ومبتكرة لري الأرض الزراعية واحترفها سكان المنطقة منذ القدم، وتقوم على استخراج الماء من البئر بالاستعانة بعدد من الأدوات من ابتكار وصناعة أبناء المنطقة أنفسهم .
ويقول المواطن علي سعيد الشحي: "أهم منتجات التمور التي استخدمها سكان المناطق الزراعية "الدبس" الذي كان يقوم مقام السكر هذه الأيام، كما كانت هذه المادة تستخدم في صناعة أنواع كثيرة من الحلويات والمأكولات الشعبية، ومن الصناعات التي صنعها الأهالي في المناطق الزراعية قديما هي "البثيث"، وذلك بخلط التمر مع السمن والطحين لتعطي نوعا من الحلوى اللذيذة الطعم، وإذا كان أهل المناطق الزراعية قد اشتهروا بمهنهم الزراعية وإنتاجهم الزراعي الوفير فإنهم ساهموا أيضا بشكل فاعل وملحوظ في مختلف المهن البحرية التي كانت تشكل مصدر الرزق الأول لسكان الإمارات .
ويقول المواطن أحمد راشد الحيمر: "شهدت المناطق الجبلية صناعة مزدهرة للفخار وصل إنتاجها إلى أقاصي الشرق والغرب، وتعد منطقة شمل برأس الخيمة من أكثر المناطق في الدولة قاطبة اشتهارا بصناعة الفخار وإنتاج أشكاله وأنواعه المختلفة، ولاتزال هذه المهنة تأخذ قسطا من الاهتمام والرعاية لدى أبناء المنطقة الذين يؤكدون ارتباطهم الوثيق بتاريخهم وتراثهم وبصلاتهم التي لا تنقطع مع الماضي التليد الذي سطره الآباء والأجداد . (وام)
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"