عادي
ندوة مركز دراسات "الخليج"

واقع الترجمة في الوطن العربي ... الحلقة الثانية (الأخيرة)

04:26 صباحا
قراءة 27 دقيقة

أدار الندوة

حبيب الصايغ مستشار دار الخليج لشؤون التحرير

ورئيس مجلس إدارة اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات

أعدها للنشر:

هاني عوكل

ظهرت في السنوات الماضية الأصوات الناقدة لواقع الترجمة في الوطن العربي، وذلك على أثر معلومات نشرت في تقرير التنمية الإنسانية العربية تقارن حال الترجمة للعربية مع مختلف لغات العالم، ورغم تشكيك البعض بصحة الأرقام التي نشرت، يبقى التأكد من صحة ما نشر من عدمه معلقاً في ظل عدم وجود قواعد معلومات دقيقة حول قطاع الترجمة للعربية، مع تأكيد الكثيرين على أن حال الترجمة من العربية وإليها يعاني الكثير من المشاكل والمعوّقات التي لا يمكن إنكارها . ولعل الحديث عن الترجمة في الوطن العربي يرتبط بشكل وبآخر بمستوى التطور العلمي والتقني الذي تعيشه البلدان العربية، ومدى إدراك المفكرين العرب لأهمية ما ينشر باللغات الأخرى لدفع عجلة التقدم إلى الأمام، من خلال نقل المعرفة العلمية وتوطينها، وما للكتاب المترجم من وسيلة للاطلاع على ثقافات وفنون الشعوب الأخرى، الأمر الذي دفع العديد من الباحثين العرب للقيام بترجمة العديد من الكتب إلى العربية بمجهود فردي القصد منه تعريف القارئ العربي بالجديد من العلوم . وعلى الرغم من أهمية هذه الجهود الفردية في الترجمة، إلا أن البعض يرى أن سيطرتها على المشهد العام قلل من الأهمية المعوّل عليها من الترجمة، ذلك أن الكتاب المترجم يكون في الغالب خاضعاً لأهواء المترجم واهتماماته الفردية، في وقتٍ تحتاج الأقطار العربية لعملية ترجمة مؤسسية وممنهجة تكشف عن مجالات الفقر في المعرفة بالعربية، ولعل ظهور العديد من المشاريع والمؤسسات التي تعنى بالترجمة في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال السنوات الماضية، يمكنها أن تلعب دوراً في سد العجز المؤسسي الذي يعاني منه قطاع الترجمة في الوطن العربي .

في الحلقة الماضية من ندوة واقع الترجمة في الوطن العربي التي نظمها مؤخراً مركز الخليج للدراسات رأى بعض المشاركين ان حقل الترجمة في الوطن العربي ليس متقدماً إلى النحو الذي يضاهي أو يقترب من آليات وبرامج الترجمة في الكثير من بلدان العالم، وساق آخرون أمثلة على ذلك مثل نموذج فيتنام التي تترجم ما يفوق ما ينجزه العرب جميعاً في هذا الحقل .

حزمة من الأفكار الحرة والمفتوحة تداخلت وتقاطعت في هذه الندوة المتخصصة التي وجد بعض المتحدثين فيها ضرورة الكلام ايضاً عن واقع اللغة العربية بوصفها عنصراً أساسياً في عملية الترجمة خصوصاً عندما ننقل من لغات عالمية أخرى حية إلى العربية التي يرى البعض ضرورة الاستعانة بمراجعها ومعاجمها عندما تترجم من الانجليزية إلى العربية .

ويبقى أن الترجمة فعل حيوي حضاري يقوم به أفراد أحياناً انطلاقاً من إقبال الفرد بشكل خاص على ترجمة مادة اختارها وأحبها، إلا أن الجهود الفردية تبقى محدودة - على أهميتها - أمام البرامج الكبرى التي تقوم بها مؤسسات متخصصة في حقل الترجمة؟

يبدأ هذه الحلقة الزميل حبيب الصايغ الذي أدار الندوة بالمشروعات المشتركة والثقافية بين اتحاد كتاب وأدباء الامارات، وبين وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع .

حبيب الصايغ:

هناك مشروع بين اتحاد الكتاب ووزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع يستهدف طباعة مجموعات كاملة لأدباء من الإمارات، وهم من الشعراء والقاصين، ومن كل مجموعة أعمال كاملة، ستترجم مختارات إلى أربع لغات: الإنجليزية، والفرنسية، والأسبانية، والصينية، ونرجو أن يتم هذا المشروع وفق منهج .

الآن ندخل في المحورين الثاني والثالث: ما هي التحديات التي تواجه تنشيط الترجمة، والسبل لتنشيط حركة الترجمة؟

د . منى البحر:

غياب المشروع التنموي يعتبر من أهم التحديات التي تواجه مشاريع الترجمة في الوطن العربي، وهناك مشاريع تنموية لكنها تتركز على الجانب الاقتصادي أكثر من التركيز على الجانب الاجتماعي والثقافي، ولا نستطيع التعميم على الوطن العربي، لوجود اختلافات بين البلدان، فهناك دول لديها تنمية اقتصادية كبيرة، بينما تغيب عن دول أخرى التنمية الاقتصادية وتحضرها التنمية الاجتماعية على سبيل المثال، لكن الحقيقة لا يوجد مشروع تنموي واضح وكامل يشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإذا كنا نأمل في المستقبل بأن تنشط الترجمة وتفّعل، فيجب أن يكون هناك مشروع تنموي واضح ومخطط له وهادف ولديه سياساته واستراتيجياته التي يمكن أن تشق الترجمة طريقها من خلاله .

دائماً نربط المعرفة بالسوق، ونترجم ما تحتاجه السوق ونعلم الطلبة بما تحتاجه السوق، ولا يصح ربط المعرفة بالسوق، فالمعرفة بحد ذاتها شيء إنساني ومن حق الإنسان التعلم والاكتساب من المعرفة ما يشاء، ولنفترض أن السوق تحتاج اليوم إلى مجال معين من المعرفة، فتجدنا نركز فقط على ذلك، ثم نخرج أناساً أحاديي الرؤى، وهذا لا يجوز، وبالتالي لابد أن تكون المعرفة متعددة وشاملة، وقد كانت لنا مكانتنا نحن العرب في يوم من الأيام بسبب تعدد مشارب المعرفة، وحينما نذكر عالمين مثل (الفارابي) و(ابن سينا)، فقد كان لهما اهتمامات في الطب والموسيقا والرياضيات والفلك، لكن اليوم للأسف نجد أن بعض المؤسسات ركزت على الجوانب التي لها علاقة بالإدارة والاقتصاد، وأهملت الجوانب المعرفية الأخرى، ويفترض أن تكون الترجمة متعددة وأن لا تقتصر على مجال واحد فقط . التحدي الآخر الذي أريد قوله هو عدم تشجيع المثقف، ذلك أن المثقف ليس له مكانة في مجتمعاتنا، ومثلما قال الدكتور عبد الواحد لؤلؤة، هناك مترجمون ومثقفون لا يستثمرهم أحد في مشاريع ثقافية فكرية متعددة، وبصراحة المثقف ليس له وزن في مياديننا، مثل حال التاجر وصاحب رأس المال، وهذه إشكالية، إذ إنني إذا لم أحترم الثقافة، فكيف إذاً سأشجع على إنتاج فكر وإنتاج معرفة، والملاحظ اليوم أن مثقفينا العرب فقراء وهم يعانون من الفقر أكثر من أي شخص آخر، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على عدم احترام العمل الثقافي .

وهناك تحد آخر هو اللغة العربية، فكيف يمكن أن نتوقع اليوم من خريجينا أن يكونوا قادرين على الترجمة، إذا لم يملكوا لا ناصية اللغة الإنجليزية ولا ناصية اللغة العربية؟ وأعود وأقول إنه لا يمكن للطالب أن يملك نواصي اللغة إلا إذا كانت لغته الأم صحيحة، واليوم في تدريسي في الجامعة لا أرى أن طلابي يملكون ناصية لغتهم الأم، وأنا مجبرة على تدريسهم اللغة الإنجليزية، وفي النهاية أنتهي إلى مترجمة وليس مقدمة معرفة .

فراس الشاعر:

نحن في مؤسسة محمد بن راشد، نعمل ضمن منظومة إدارية محددة، والآن لو تصورنا المنظومة الحضارية التي تحدثتُ عنها سابقاً وفي أي درجة من سلم درجات الترجمة نحن نعيش، نرى أن كتاباً مثل هاري بوتر في لحظة من اللحظات يصبح حاجةً ماسة، والسوق المقصود به هنا الأكثر رواجاً، وكثير من الكتب التي تطلب منا لو جئنا إلى تحليل موضوعها، فهي ليست بشيء، لكنها الكتب الأكثر رواجاً عالمياً، التي يتلقفها الناس ويقرأونها، وليس عيباً أن نقرأ الكتاب باللغة العربية أو نعزف عنه، وإنما العيب أن نترجم الكتاب باللغة العربية ولا يكون مفهوماً، وكثير من كتب الأعمال والإدارة التي انتشرت الآن، تحول بين القارئ العربي وبين الكتاب، فيجب أن نُسارع وأن نستبدل هذه الكتب الموجودة في الأسواق، بترجمة أفضل مما هي عليه .

د . منى البحر:

هناك تحد مهم يتعلق بدور النشر، فهي تؤدي دوراً كبيراً في قتل نشاط الترجمة، ولدي تجربة شخصية مع هذه الدور، إذ بعدما قمت بترجمة كتابي النظرية الاجتماعية والجسد ، ذهبت إلى الكثير من دور النشر، ولم أجد داراً واحدةً تتبنى الكتاب، مع أن الكتاب نوعي، وقد جاءني رد من قبل إحدى الدور، قالت إن الكتاب نخبوي وإنه لن يستمر في السوق، لدرجة أنني قلت لهم ماذا تريدون مني؟ هل تريدون أن أترجم كتباً للطبخ؟ فرد علي أحدهم من تلك الدور وقال إن ذلك أفضل، حتى أنه سيلقى رواجاً، والحقيقة أنني وصلت إلى درجة كبيرة من الإحباط، ذلك أن عملاً مثل الذي قمت به أخذ جزءاً كبيراً من وقتي، ثم لا يظهر إلى النور . . فهذه مشكلة، والحمد لله أن مشروع كلمة تبنى إصدار الكتاب، لكن مع الأسف لا أحد يشجع المترجم المبتدئ، ولذلك أشجع مشروع كلمة على تبنيه إصدارات الكتاب والمترجمين، ولولاهم لما مضيت في مشروع الترجمة .

إبراهيم خادم:

نحن نقوم بتشخيص الحالة، وحسن التشخيص يضع اليد على الجرح، والحقيقة أن هناك نوعين من التحديات، الأول مؤسسي والثاني على مستوى الأفراد، فبالنسبة إلى تحدي الأفراد، نلمس ذلك في حديث الدكتورة منى حول كتابها، وحينما تقول دور نشر إنها لا تترجم إلا كتباً معينة مثلاً لأن شريحة فقط تهتم به، فهذه مشكلة، فهي في كل الأحول تبحث عن تسويق وقد تعتمد على معرض أو معرضين لأجل التسويق، لكن الحقيقة دور النشر بحاجة إلى دعم، ويمكن دعمها عن طريق تشجيع القراءة، فهذه عملية معقدة ويمكن إغناؤها ثقافياً عن طريق زيادة الطلب على الكتاب، وحينما يكون هناك طلب على الكتاب فإن الحركة تبدأ والعجلة تدور .

هناك مؤسسات تشتري بعض الكتب من دور النشر لكتّاب معينين، وهذه تضحية تقوم بها بعض المؤسسات المدعومة، فمثلاً مؤسسة محمد بن راشد، لديها برنامجان، الأول اسمه ترجم لتشجيع حركة الترجمة ونقل أفضل ما كتبه العالم الغربي لإثراء المكتبة العربية، وهناك برنامج آخر اسمه اكتب وهو يشجع الكاتب الواعد والناشئ، أو الكاتب الذي يحتاج إلى دعم، وطبعاً يأتي الناشر ويشتري حقوق الكاتب بعد تدقيقه ومراجعته، والناشر يترجم ويتعهد بترجمة جيدة، ثم يأتي دور برنامج اكتب لمراجعة الترجمة، وبعد ذلك نتفق مع الناشر بعقد، نعلن فيه عن رغبتنا في شراء 1500 نسخة فور انتهاء الكتاب مباشرةً، ثم لاستمرار حركة الترجمة، نطلب من الناشر طباعة 1500 نسخة أخرى وبيعها، وشراؤنا لتلك النسخ يغطي التكاليف .

د . عفاف البطاينة:

نسبة الكتب التي تشتريها المؤسسة أين تذهب؟ هل توزع أم تحتفظ بها المؤسسة .

إبراهيم خادم:

إلى الآن قمنا بترجمة ما يقارب أكثر من 512 كتاباً، ولدينا أكثر من 600000 نسخة كتاب، كما لدينا شقان متوازيان لتوزيع الكتاب، الأول لأصحاب الاختصاص، والثاني عام، إذ هناك مؤسسات تعليمية وجامعات نزودها بالكتب مجاناً، فضلاً عن المكتبات العامة، كما نوزع أيضاً للبلدان الفقيرة، وهناك كتب وصلت إلى المكتبات في غزة والجامعات في الصومال وموريتانيا ولبنان ومصر والخليج العربي عموماً .

محمد عيد ابراهيم:

إذا كانت مؤسسة محمد بن راشد تمول هذا الكتاب، إذن لماذا يصدر بسعر مُبالغ فيه؟

إبراهيم خادم:

حينما نوقع العقد مع الناشر، لا نلزمه وإنما نطلب منه بيع الكتاب بسعر مخفض يصل إلى 25%، ولدينا 59 ناشراً معتمداً، وهناك ما يقارب 800 ناشر نتعامل معهم أيضاً، ويصعب ملاحقة الناشر والتأكد إن كان السعر مُبالغ فيه، لكننا نلزمه أدبياً ببيع الكتب بخصم يصل إلى 25% .

محمد عيد إبراهيم:

لو نظرنا إلى العلوم بمختلف أنواعها، ثقافة، وتكنولوجيا، أدب . . إلخ، فإننا سنكون في الحقيقة أمام انفجار معرفي هائل جداً بحاجة إلى جيوش للترجمة إلى اللغة العربية، وهناك نسبة أمية كبيرة جداً في الوطن العربي، تصل إلى 50 إلى 60% وهذه تسبب مشكلة كبيرة جداً . إذن لابد أن تتوفر جيوش من المترجمين لترجمة هذه العلوم الحديثة، لكي نلحق بالعصر بأي شكل كان، فلم يعد هنالك مفر، إضافةً إلى العلوم الحديثة والمعاصرة، هناك أصول قديمة وفي غاية الأهمية، لم تترجم، أو ترجمت منذ عشرات السنين، وتحتاج اليوم إلى ترجمة أخرى، وبنظري أن النصوص الكبيرة في التاريخ البشري، لابد أن تُعاد ترجمتها كل عقد أو عقدين من الزمان، لأن اللغة سيارة ومختلفة وتتطور، وكل شخص يضيف إليها بطريقته، فحينما فكرت في ترجمة رواية جوستين ل(ماركيز دي ساد)، كان لا يمكن لها أن تترجم قبل أحداث أبو غريب، لكن ما حصل في أبو غريب هو موجود بشكل أو بآخر في الرواية .

بالنسبة للترجمة العكسية، فقد أشار إليها بعض الإخوة، لكن لابد من الاعتناء بها بأقصى قدر ممكن، وكما يصدر لنا الآخر معرفته، فلابد أن يرانا على الوجه الصحيح، حتى لا نُتهم بالاتهامات التي تلقى علينا دائماً، وحتى يروا أن للعرب معرفة وثقافة وتقاليد وقيماً .

طبعاً هناك مشكلة، وهو أن كُتاب الرواية الجدد يعرفون لعبة الترجمة أو ما يريد المستشرقون أن يرونه، ويكتبون عن المحرمات الثلاث المعروفة في روايتهم، كي يضمنوا ترجمتها . أرى أن من المهم منح المزيد من الحرية، رغم أن المؤسسات والأفراد يقومون بالترجمة، لكن يجب منح المزيد من الحرية والحد من الرقابة العربية على النصوص في الترجمة . طبعاً هناك حدود لهذه الحرية وهي ليست فوضى، وأرى ضرورة تفكيك العلاقة بين مؤسسات الترجمة والنظم الحكومية، وإذا كان هناك من ينادي بضرورة تطوير الجامعات العربية، فمن الضروري دعم مؤسسات الترجمة .

أيضاً من المهم تنويع مصادر الترجمة في اللغات الشرقية وأمريكا اللاتينية تحديداً، وهناك في الإمارات من يشتكي من تنامي التعامل مع اللغة الإنجليزية، وفي مصر نشتكي من قلة التعامل في اللغة الإنجليزية، مع تدني التعليم، وبالتالي لابد أن نرتبط أكثر بهذه اللغة وأن نعرفها للطفل منذ صغره، إلى جانب اللغة العربية، لكي يرتبط بمشروع التقدم في العالم . إذن لابد من الاهتمام منذ الصغر بالتعامل مع اللغة الإنجليزية، على أن لا تحل بديلاً .

د . عفاف البطاينة:

أود الحديث عن نوعين من التحديات، نوع خاص بالترجمة كمهارة وفن ونوعية ونشاط . . .إلخ، وهناك تحديات أخرى أو جانب آخر من التحديات وهو مرتبط بما يحيط بالترجمة، إن كانت هذه الإحاطة مؤسساتية أو مجتمعية أو مادية أو مستوى الحريات . . .إلخ . حتى نتمكن من تنشيط الترجمة، علينا أن ندرك بأننا بحاجة إلى ثلاثة أنواع من الترجمة، أولاً: لدينا الترجمة التأسيسية، ونحن ندرك تماماً وربما يبدو أنني أقل تفاؤلاً مما سيأتي من حديث، لكن مع الأسف الوطن العربي لا توجد فيه أرضية معرفية، هذا إذا أردنا أن نتحدث عن الواقع، وهذه الأرضية مرتبطة بكل شيء، إن كانت تاريخية، فلسفية، لغوية، منهجية . . إلخ . إذن لدينا أرضية معرفية لابد من إنجازها، وما فعلته الترجمة الإغريقية أو اليونانية القديمة إلى العربية، هو أنها أسست لقاعدة معرفية تم بناء معرفة جديدة عليها، ونحن بحاجة إلى هذا النوع من الترجمة، وهو قليل جداً، كما أنه مرتبط بشكل أساسي بفلسفة العلوم، الفيزيائية والطبيعية والإنسانية . .إلخ، وهذه الفلسفة غير موجودة، ولن ينتج العرب معرفة تراكمية حقيقية تنتج معرفة عربية إلا بتأسيس هذه القاعدة وهذا مهم . والشيء الثاني هو أنه هناك معرفة للإطلاع، وهذه موجودة بكثرة في الوطن العربي، إن كان ما يخص تطوير الذات أو القيادة، ولدينا ترجمة تقوم على تجديد المعارف بشكل دائم، خصوصاً أن المعرفة تُنتج اليوم بشكل كبير جداً، لكن الترجمة الدائمة ضعيفة .

أريد التأكيد على قضية الحرية، خصوصاً عندما نأتي إلى ترجمات علم الأديان أو العلوم الطبيعية أو ما وراء الطبيعية، والرياضيات والفلك . . .إلخ التي هي أساس للمعرفة، وعندما يدرس أي شيء باللغة العربية فإن سقف الحرية يكون منخفضاً جداً، وعندما تدرس المادة نفسها بالمفهوم نفسه، لكن باللغة الإنجليزية، فإن سقف الحرية يكون مرتفعاً، وأعتقد أننا خلال السنوات الماضية رفعنا من شأن العربية لدرجة أننا خنقناها، وأحياناً نلوم اللغة وأنه لا يجوز التحدث عن هذا الموضوع باللغة العربية، مع أن أجدادنا تحدثوا عن كل شيء باللغة ولم تقف عائقاً، والحقيقة أنني أجد الكثير من الأكاديميين يراقبون أنفسهم فيخنقون اللغة، أي أننا نراقب ما نُعلم فنخنق اللغة، وحتى الطالب الذي يدرس في برامج الترجمة، لا يعرف اشتقاقات ولا صرف ولا مهارات التعامل مع اللغة، فقد تجده يعرف النحو ويعرف بعض المصطلحات، ويعرف كيف يكتب، لكن لا يعرف كيف يجعل اللغة مطواعة بيده، وهذه إحدى المشكلات الرئيسية .

قضية مهمة تم الحديث عنها بخصوص السوق، وأتفق هنا مع الدكتورة منى بأن لدينا تنمية إنسانية عربية لابد من التفكير بها، ولدينا عقل عربي لابد من تطويره، ولدينا علم قاصر يجب أن نؤسس له، ولدينا تقنيات شبه غائبة يجب أن نبنيها، والسوق التي نتحدث عنها ليست سوقاً مادية وإنما معرفية، والمردود المادي ليس غائباً، لكنه ليس آنياً . بمعنى أنه ربما بعد 30 أو 50 عاماً، وبعد التراكم المعرفي، قد يحدث المردود لما نترجمه الآن، لكن يجب أن لا نتوقع مردوداً مادياً آنياً .

د . عبدالفتاح أبو السيدة:

أنا من المؤمنين قطعاً بضمان الجودة في أي من مراحل التعليم، سواء أكان مدرسياً أو التعليم الجامعي، وهذه قضية استراتيجية مهمة، ومن أساسيات ضمان الجودة في التعليم الجامعي أن يكون كافة المهتمين وأصحاب المصلحة أصحاب رأي، ومن المهم إقامة علاقة تفاعلية مع المجتمع، وفي فترة من الفترات كنت أعمل رئيساً للغة الإنجليزية، وأرسلنا ما يزيد عن 150 رسالة لجهات مختلفة، من أجل توظيف طلبتنا الخريجين، ولم أحصل على سوى أربعة ردود بعد أربعة أشهر، وفي هذه الحالة إن لم نستطع تلبية حاجات المجتمع فإنه بالمقابل مسؤول إلى درجة كبرى، لأنه لا يدرك دوره، مع أن له مصلحة مهمة، بأن يكون الطلبة الخريجون على مستوى توقعات المجتمع وعلى مستوى تلبية احتياجاته الفعلية، والبرامج الحقيقة تحاول فعل ذلك، لكن هناك عوامل موضوعية تحد من الجودة .

بالنسبة لقضية المعاجم، أذكر أنه قبل خمسة أعوام، دعا صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة إلى لقاء يجمع اتحاد مجامع اللغة العربية في جامعة الشارقة، ومن حسن حظي أنني شاركت في ذلك اللقاء والتقيت بدكتور فاضل اسمه علي القاسمي، إذ وضع تصوراً كاملاً لمشروع عن معجم للغة العربية على أسس تاريخية، وكان ملحوظاً في اللقاء الظاهرة العمرية، حيث إن أصغر من شارك في اللقاء كان عمره من 65 إلى 70 عاماً، بينما رئيس الاتحاد كان في نحو التسعينات من العمر، وقد اقترحت في اللقاء انتساب فئات عمرية تصل أعمارها إلى ما بين العشرين والثلاثين في اتحاد مجامع اللغة العربية، لكن لم يستمع أحد إلى الاقتراح، بالرغم من أن صاحب السمو حاكم الشارقة طرح المكان والتمويل، وهذه تشكل نقلة حضارية للغة العربية، إن استطعنا إنتاج معجم تاريخي للغة العربية، ومنذ خمس سنوات إلى اللحظة، لا أدري ما الذي حصل في هذا المشروع، وتقديري أنه لم يحدث أي إنجاز .

معاجم اللغة العربية التي أنتجت، السنوات الحاسمة فيها كانت عام 1964 و،1997 وفي المغرب العربي عام ،2002 لكن ما تزال المعاجم العربية التي أنتجت سواء في العام 64 أو 97 أو ،2002 تعاني من قصور منهجي مريع، ودائماً ما أقارن المعاجم العربية الموجودة بمثيلاتها الصادرة عن (أكسفورد) وعن (ويبستر) و(كولنز)، والمؤسسات المعنية بالصناعة المعجمية في الدول الغربية . بالنسبة للمعاجم الثنائية سواء كانت إنجليزي أو عربي، فإن وضعها أفضل، لأن الكثير منها يعتمد على معاجم تم تطويرها بمنهجية دقيقة جداً، مثل مشروع (أطلس)، ومشروع و(يبستر) الذي يعتمد عليه مشروع المورد إنجليزي- عربي .

هناك ثلاثة معاجم محورية، الأول معجم (لين) الذي تم إصداره منتصف القرن التاسع عشر، وهو معجم رهيب من ناحية كمية العمل والجهد والدقة والالتزام الأكاديمي بالعمل، أما المعجم الثاني فهو (هانزفير)، وهذا صدر في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، ونقل إلى اللغة الإنجليزية أوائل الستينيات، والمعجم الأخير أصدره روحي بعلبك عام ،1988 وهذه المعاجم جيدة، لكنني أستطيع الحديث لفترة طويلة عن نقاط الضعف في معجم المورد (عربي- إنجليزي)، والحقيقة أن هناك قصوراً واضحاً جداً، ونجد الكثير من المعاجم لم تستطع تبني المنهجيات التي يمكن أن تفيد الباحث اللغوي أو المترجم .

لو انتقلنا أيضاً إلى وضع المعاجم، فهناك معاجم لظواهر معينة مثل ظاهرة التلازم اللفظي، وظاهرة العبارات الاصطلاحية، وهذه لم يتم التوافق عليها، والمكتبة العربية تفتقد إلى هذه المعاجم، وإذا تحدثنا عن المعاجم المتخصصة بالذات، فالحقيقة أنها تعاني من القصور وهي تلهث باستمرار خلف المصطلح الإنجليزي، وهناك بعض المجالات في الكمبيوتر تتغير كل تسعة أشهر، والعلوم تتغير أيضاً، واللغة الإنجليزية تولد بين 56 إلى 60 لفظة علمية، وبالتالي نحن نلهث خلف المصطلح، ولا أدري إن كنا في يوم من الأيام قادرين على اللحاق به ولو بفارق عام، بينما المعاجم يتم تحديثها في الغرب أولاً بأول .

بالنسبة للمكانز، في عمل المعجم أعتمد على مكنز لغوي وهو من أشمل المكانز التي طورت، اسمه بروفيسور دايفيس ، والمكنز يحتوي على 420 مليون كلمة، وتستطيع أن تدرس فيه السياق والمعنى الدقيق لكل لفظة، ويتم تطويره سنوياً بمعدل 20 مليون كلمة، ويشمل مراحل تاريخية معينة، من 1990 وحتى اللحظة، كما يشمل اللغة المحكية والمكتوبة، وإذا أردت أن تعرف معنى كلمة أو سياقات كلمة عام 1994 في النصوص وفي كتاب محدد أو مجلة محددة فإنه يستطيع أن يقوم بهذا الدور، وهناك برامج تطبق على هذا المكنز، والحقيقة هذا مغيب في العالم العربي .

بالنسبة لوضع المصطلحات، فإن مؤسسة الجزيرة خلال 24 ساعة استطاعت تعميم كلمة مدون ومدونة، وأتابع نشاط الترجمة في أماكن مختلفة، لكن الواقع أن المترجمين الإعلاميين يقودون حركة إدخال المصطلحات إلى اللغة العربية من دون تحفظ، وقد يصيبون أو يخطئون، لكنهم قوة لا يُستهان بها ولا يجب أن يستهان بها . إن شاء الله سيطرح خلال عام معجم عربي- إنجليزي، من أكثر المعاجم حداثة من ناحية المنهجية .

حبيب الصايغ:

ما هو دور الإعلام الثقافي خصوصاً في تبيان ما نقوله حالياً، وقد ذكر الدكتور أبو السيدة أن هناك 150 مؤسسة ولم تستجب سوى أربع مؤسسات، لكن هل تتعاملون مع الإعلام في الإمارات لطرح مثل هذه القضية .

د . عبد الواحد لؤلؤة:

تحدثت هذه الندوة عن قضايا كثيرة، لكن ما هي النتيجة العملية، فهذا قد يكون سؤالاً محرجاً؟ هل بوسع الندوة أن ترفع توصيات إلى ذوي الشأن لتبيان بعض الشكاوى وتبيان بعض الملاحظات المتفائلة التي يقع التحفظ عليها؟ ما هي النتيجة، فالكلام جميل ومفيد جداً، لكن ماذا نفعل تجاه جامعة تخرج سنوياً 20 إلى 30 ماجستير بالترجمة، وهم لا يعرفون لا عربية ولا إنجليزية، وأتحدث هنا عن خبرة فعلية . شيء مفرح أن نرى المؤسسات تعمل وأن هناك خبراء يعملون مترجمين في الامارات، لكن إلي أي حد هؤلاء الخبراء نزيهون في اختيار الكتاب والمترجم، وأذكر أنني كنت أعمل في إحدى الجامعات، وأصر أحد الإخوة على أن يعيد ترجمة مسرحية (هامليت)، فقلت له بأن هذا العمل ترجمه جبرا في العام ،1959 وبالتالي هناك 36 مسرحية أخرى يمكنه ترجمتها، لكنه أصر على (هامليت)، وتجد مثلاً أن المدقق يتلاعب بالألفاظ أثناء عملية المراجعة، إذن بمن نثق؟ المطلوب أن نثق بمن لديه خبرة طويلة ومهمة، ومستعد لأن يقول بأنه يريد التعلم، ولا يوجد هناك شيء اسمه النظرية، وإنما يوجد شيء اسمه أن المترجم يجب أن يتقن اللغتين المنقول لهما والمنقول إليهما اتقاناً تاماً، وأن يتقن ثقافة اللغتين .

مريم جمعة فرج:

لا أعتقد أن المشكلة في اللغة العربية، بل المشكلة في العقلية المتعاملة مع اللغة العربية، ولا يجب أن نلوم اللغة العربية فهي ليست أقل من أية لغة أخرى، وهي واسعة وفضاءاتها فسيحة جداً، لكن المشكلة في العقلية والذهنية التي نتعامل فيها مع اللغة .

كنت أود سماع تقييم الإخوة الدكاترة العاملين في الجامعات حول برامج الترجمة التي تطرحها الجامعات، ومدى إيجابيتها؟ لأن هذا مهم جداً .

د . عبد الفتاح أبو السيدة:

في الجامعة الأمريكية في الشارقة يركزون على ترجمة الحدث الثقافي، وفي برنامج جامعة الشارقة نقوم بتزويد الجزء النظري ومعظم المساقات هي تدريب عملي، مثل الترجمة القانونية، الترجمة الإعلامية، صناعة المعاجم . . . إلخ، والحقيقة هناك جانب تطبيقي يكاد يمثل 75 إلى 80% من برنامج الماجستير، لكن لا يوجد هناك تنسيق بين الجامعات ولا إجماع على كون هذا التوجه سليماً، ومدة البرنامج حوالي من عام ونصف العام إلى عامين، ونقبل أي تخصص طالما اجتاز متطلبات محددة، فإنه يقبل في القسم .

د . محمد طبيشات:

أعتقد أن التحدي الأساسي في وجه الترجمة هو التحدي نفسه بوجه أي فعل اجتماعياً كان أم سياسياً، أم اقتصادياً . . .إلخ . كتبت مقالة صغيرة مؤخراً، عن مفهوم التربية الليبرالية في الوطن العربي، وعنوان الورقة كان التربية الليبرالية مفهوم لم يجد طريقه إلى الوطن العربي، وكان مبعث ذلك أنه ليس لدينا في الوطن العربي تربية ليبرالية، أي أن على من يفكر بأن يفكر في قضايا على أنها قضايا نقدية وصعبة، وأن مهمته في التفكير ليست وصاية، ولا يجب أن تنتهي بلابد ولابد . . .إلخ، فمن المهم حضور النقد الاجتماعي . كملاحظين نقع بين ثلاثة دوائر، الأولى هي دائرة الإرادة السياسية، أي دائرة من يصنع القرار، والدائرة الثانية هي دائرة المترجم، وعملية الترجمة كعملية نقدية، والدائرة الثالثة هي المتلقي، أي المجتمع الذي نترجم له، لكن هناك مسألة مهمة جداً وهي الدائرة الرابعة أي الذاكرة الثقافية التي نتعامل معها، وباعتقادي أنه لابد من ترتيب هذه الخريطة، وأن ننظر إلى حال الترجمة في الوطن العربي، ودور الإرادة السياسية، وأتفق مع الدكتورة عفاف بأن الإرادة السياسية غير قادرة على التعامل مع الذاكرة الثقافية بطريقة إيجابية، ومع الأسف الجامعات العربية ليست معاصرة، بل إنها مدارس ثانوية لا أكثر ولا أقل، ويندر أن نجد جامعة عربية تهتم بالأبحاث وتدعمها، والحقيقة أننا مدرسون ولسنا باحثين وهذه حقيقة مطلقة . من المهم تحديد موقعنا الآن، وما نحن منخرطون به هو عملية نقدية بحاجة إلى جهد وانتماء مجتمعي .

د . منى البحر:

جامعة الإمارات هي الجامعة الوحيدة في دولة الإمارات المعنية بالبحث العلمي، ولديها قطاع البحث العلمي، وهذا القطاع مؤسس ولديه بحوث ومكاتب خارج مدينة العين، وهذه النظرة تغيرت، واليوم من خلال عملي كمستشار في مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي، في عام 2009 أدخلنا إلى جامعة الإمارات 10 ملايين درهم، كلها لتغطية البحوث في كافة المجالات، والباحث يحصل من الجامعة بين 30 إلى 40 ألف درهم، لكنه المبلغ المُتاح، ومع الأسف هذا المبلغ موجه إلى القطاعات العلمية، أكثر منها إلى العلوم الإنسانية، والقضية ليست قضية أموال، وإنما هناك الكثير من الباحثين والدكاترة لا يعرفون كتابة المخطط العلمي (البروبوزل)، وهذه مشكلة يجب أخذها بعين الاعتبار .

كامل يوسف:

من المهم الحرص على ربط التحديات وسبل التنشيط بما أسميته البعد الهيكلي، بمعنى أننا إذا كنا ربطنا بالواقع الموجود على صعيد الترجمة وعلى صعيد التنمية الشاملة، فإنه لابد لنا أن نربط التحديات وسبل التنشيط بما هو موجود على صعيد التنمية الشاملة، باعتبار أن الترجمة هي ذراع من أذرع عديدة لحركة التنمية الشاملة . بهذا المنظور، أعتقد أن أهم تحد تواجهه الترجمة في وطننا العربي، هو مواجهتها لمحاولات القضاء عليها، كامتداد للقضاء على تجربة التحديث والتنمية في المجتمع العربي، وعلى سبيل المثال في العام 1967 حينما ضربت تجربة التحديث الناصرية، ضربت معها الثقافة والترجمة . . . إلخ، وكثيرون يتذكرون أنه في هذا الوقت كان يصدر كتاب كل ست ساعات في مصر، لكن بعد العام ،1967 توقف التأليف وتوقفت الترجمة وتوقف الإصدار، وكثير من الإخوة الذين كانوا يقومون على مثل هذه النوعية من الأنشطة، رحلوا إلى بيروت ومصر . إذن التحدي الكبير يتمثل في ضرب التجربة من الأصل، ومن المهم الحديث عن الطابع الكفاحي لحركة الترجمة، فهي نشاط يقوم عليه أناس بحكم تكوينهم، وغالباً معظمهم تربوا على السياسة ومنهم خريجو معتقلات . . .إلخ، وهؤلاء الناس لا تنقصهم الجدية ولا الكفاحية ولا الأصالة، وإذا ما سألتموني عن واحد من أهم الكتب التي صدرت قبل حوالي 30 عاماً أو أكثر، فسأقول لكم إنه كتاب ترجم من الروسية على يد عرب من مصر وسوريا، هو كتاب إدارة نيران صواريخ سام، لنا، والحقيقة فإن حركة الترجمة تعتبر جزءاً من حياة المجتمع ونضاله، وهذا هو التحدي الأساسي، بأن تضرب حركة التنمية من الأصل، وتضرب معها الحركات الجزئية والفرعية ومنها حركة الترجمة .

حركة الترجمة كما قلت، لا تتم في فراغ، ولا تتم بمزاجية، وإنما تتم استجابةً لنهر الحياة، ابتداءً بالمترجم الذي يترجم في المحاكم، وانتهاءً لترجمة أحدث الكتب العلمية، وبالتالي هي جزء من احتياجات المجتمع .

ما أريد قوله هو أن التحدي الأساسي لحركة الترجمة هنا، هو أن تكون جزءاً من نهر الحياة وأن تحل المشكلات وأن تتعامل بشكل حاسم مع قضايا يواجهها المجتمع ولابد لها من حل .

أنتقل إلى تحد آخر وهو الدافع، وهناك سؤال: لماذا أترجم؟ أترجم لأن هنالك دافعاً للترجمة، والتحدي الأساسي الذي يواجه المجتمع هو أن هذا الدافع مغيب، وبالرغم من وجود المؤسسات ودعمها للترجمة ورفع الحافز والدافع للمترجمين، لكن هذا الحافز غير كاف على الإطلاق، لأن الذين يقومون بالجسم الأساسي لعملية الترجمة هم القطاع الخاص، الذين يضربون بشكل أساسي الحافز . أريد أن أنتقل إلى جزئية متعلقة بمن الذي يترجم؟ الحقيقة أن من يقوم بالترجمة عليه أن يكون خريجاً في معاهد متخصصة، لكن ما نراه أن الكثير من المترجمين يعملون في الترجمة، مع أنهم حصلوا على شهادات من روافد وجامعات أخرى بعيدة عن حقل الترجمة، وهؤلاء طورّوا من مهاراتهم إلى أن أصبحوا مترجمين، لكن هناك مشكلة هيكلية وهي أن الرافد بمعنى المعهد والجامعة، عاجزون عن إمدادنا بهؤلاء المترجمين، وشخصياً قمت باختبار أعداد هائلة من الشباب خريجي هذه المعاهد والجامعات، ولم أجد فيهم من يصلح للعمل في الترجمة، إلا بعد جهود هائلة من التدريب . ما أقترحه، هو أن تقترب هذه الهيئات والمؤسسات بشكل حقيقي، من دورها، وأن ترفد المجتمع بأشخاص جاهزين فوراً للعمل في الترجمة .

حبيب الصايغ:

موضوع مخرجات التعليم لا يقتصر على الترجمة فقط، وإنما هناك خلل بنيوي في مخرجات التعليم عامةً، وفي الإمارات خصوصاً، والحقيقة أننا نصرف على خريجي الثانوية ثلث ميزانية التعليم العالي حتى نعيد تأهيلهم، ثم إن خريجي التعليم العالي من الصحفيين على سبيل المثال، لا يأتون إلى الصحف، وإذا أتوا فإنهم بحاجة إلى إعادة تأهيل وتدريب وكأنهم لم يتعلموا شيئاً، وأعتقد أن هذا ينطبق أيضاً على أقسام أخرى .

ماجد الماضي:

أريد أن أنوه بكلمة السوق، وحينما نذكر هذه الكلمة بالنسبة لمؤسسة غير ربحية، فلا تعني أبداً السوق المادية، وإنما حاجة المجتمع وسوق المعرفة . بالنسبة للتحديات وسبل تنشيط الحركة، أعتقد أنه يجب إعداد برامج تدريب مختصة لمترجمين مختصين، ولا تدرس فقط نظريات الترجمة، لكن تدرس الترجمة بشكل كامل، باللغة العربية واللغة الإنجليزية، وأية لغة أخرى، ودائماً نتحدث عن اللغة العربية، وبالتالي لابد أن تنقل النصوص المترجمة إلى اللغة العربية بطريقة إبداعية تكشف عن المعنى الأصلي وتضعه في أسلوب عربي صحيح ودقيق .

بالنسبة لتوحيد المصطلحات في الوطن العربي، هناك مصطلحات كثيرة، ونلاحظ ذلك في شرق الوطن العربي ومغربه، فهناك مصطلحات في المغرب العربي قد تبدو غير مألوفة لنا في الشرق العربي، ومن الضروري التقعيد للمصطلحات والأخذ بعين الاعتبار وضع القواميس أو المكانز اللغوية، بحيث تتناول كافة المصطلحات الدارجة في الوطن العربي، شرقه وغربه . تحدث الإخوة عن قلة المكانز والقواميس ومواكبتها للغة، والقواميس والمعاجم هذه موجودة منذ سنين طويلة وهي لا تواكب اللغة ولا التطورات أيضاً .

فراس الشاعر:

يجب وضع الترجمة في سياقها الحضاري، ونحن حاجتنا للترجمة (إنجليزي- عربي) لا تتسق بأي حال من الأحوال، مع حاجتنا للترجمة من (عربي- إنجليزي)، وهذا يقودنا إلى مفهوم التعريب بشكل أوسع، فالتعريب كمشروع قومي نهضوي لا يختص بالترجمة، ويجب أن لا ننخرط في التعريب ونحن نقوم بعملية الترجمة، فهي قدر محتم وإيقاعنا فيه سريع جداً، ويستجيب للتحديات القائمة، أما التعريب فهو مشروع يرتبط ارتباطاً كلياً بفكر الأمة، وينطلق من ذلك إعادة تأهيل الجامعات، لأننا لو نظرنا إلى ضرورة التعريب، فإننا بحاجة إلى تخصصات جديدة وإعادة النظر إلى تخصصات الترجمة، وأرى أن الكثير من كليات الترجمة تؤهل الطلاب إلى الترجمة العامة، بينما الترجمة المتخصصة غير موجودة، ونحن لا نفترض بأن يكون هناك مترجم لكل مادة، لكن توجد في الدول الأوروبية الآن مجموعات التخصص، إذ يقتصر التدريس بعد العام الثاني على الدين والفلسفة والأدب، أو يدرس إعلاماً أو سياسة أو أعمالاً معاً، وهذه النظرة إلى الترجمة ضرورية جداً، من أجل الوصول إلى توحيد المصطلح، لأن قضية توحيد المصطلح ترتبط في النظرة للتعريب أكثر من الترجمة . أيضاً يجب إعادة النظر إلى المترجم، وهذا ما أكدت عليه مسبقاً، وحينما تحدثت عن النزعة الفردية فلا أقصد أبداً التقليل من البعد الإبداعي في الترجمة، ومثلاً لا يجوز ترجمة مسرحية لشكسبير، ولا أطلع على من سبقني في هذه الترجمة، وغير المطلوب الإطلاع فقط، وإنما أن تتوفر هذه الثقافة الجمعية في وسيلة تقنية قابلة للتعامل، وبمجرد أن أدخل على هذه الوسيلة أستطيع أن أحصل على كل مخرجات الذين ترجموا هذه الأعمال من قبلي، وهذا القصد في أنني لا أشجع النزعة الفردية، وبعد ذلك يأتي دور المترجم، وله أن يفعل ما يشاء . وأخيراً من المهم تمكين اللغة العربية وتوطيد دورها حتى تصبح لغة حياة، وما نطالب به هو أن تكون لغة حياة ثم لغة لسان، ونرى الآن انحساراً كبيراً جداً في اللغة، إذ بدأت الكثير من البرامج الإعلامية باستخدام اللغة العربية، حتى المسلسلات الأجنبية والكثير من البرامج، نجدها تُعالج بالعامية .

باسمة يونس:

هل لدى دور النشر لجان تحكيم لقراءة النصوص، وهل تدخل الترجمة في تنمية المجتمع وتؤثر في أفكاره أم لا؟ ذلك أن الترجمة قد تتحول إلى أعمال تستهدف الربح في الأساس، وهذا قاتل للإبداع ولفعل الترجمة التي تعتبر حرفة تنقل إبداعاً وفكراً لا يقومان على التكسب .

بالنسبة لكليات الترجمة، فهي لها دور مهم في المجتمع، لكن أين هذا المنتج؟ . . لم أقرأ كتاباً ولا إصداراً قام به طلبة الجامعة، حتى إنني لم أقرأ بحوثاً للتخرج تخص طلبة .

من المهم القراءة وتشجيع القراءة واختيار الكتب الجيدة، ثم إن ترجمة الدراما باتت تعاني من الإسفاف، وأنا أستمتع بمتابعة الأفلام الأجنبية عبر قراءة النص وسماع اللغة، لكن حين تترجم اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية العامية فهذا ينفرنا من المتابعة، وفور مشاهدتي فيلماً من هذا القبيل أقلب القناة فوراً وأتأسف على الحال الذي وصلنا إليه .

طبعاً الترجمة الالكترونية لها دور، ولو أنها ركيكة، والحقيقة أنه ليس لدينا شعور بأنه يجب المكافحة من أجل الترجمة، بمعنى أن المترجم قد لا يجتهد للمدافعة عن الترجمة، ويجب أن تكون هناك ثقة في الترجمة واختيار الأصلح وحبك ومعالجة النص عن طريق الترجمة الصحيحة .

بالنسبة للكليات، لدي اقتراح بسيط وأتساءل: لماذا لا تُدرس اللغة العربية إلى جانب اللغة الإنجليزية في الترجمة، وأن يحاضر المترجم الفرد في بعض المحاضرات في الكليات، للاطلاع على تجربته ولتقديم خبرته وعرض كتبه، ذلك أن الترجمة ليست عملاً مؤسسياً فقط . بالنسبة لنا في وزارة الثقافة فإن منهاج الترجمة عكسي، أي أنه من العربي إلى الإنجليزي واللغات الأخرى، ونترجم الأدب وتراث الإمارات، ولا نأخذ من الخارج، بل نترجم في الداخل .

إبراهيم خادم:

استكمالاً لحديث الأخت باسمة، لاحظت أن هناك دوراً على الفرد أو تجاه الفرد، ودوراً تجاه المؤسسات، ودوراً أيضاً تجاه الكتاب وتسويق الكتاب من ناحية تجارية، وحينما أتحدث عن الفرد، فلابد من التشجيع على القراءة والتشجيع على عقد صالونات أدبية، ونحن نبحث عن دافعية المجتمع للاهتمام بالقراءة، وسنجد المؤسسات الإعلامية وغيرها تهتم بطبيعة الحال . ثم بالنسبة للكتاب وتسويقه، حتى اللحظة لا توجد مؤسسات تسوق الكتاب بطريقة جيدة، وسأتحدث عن تجربة صغيرة في سنغافورة، إذ تعاقدوا هناك مع دور نشر متخصصة في كتب الأمهات، وتحديداً تجربة الحمل، وتعهدت إدارة الصحة في الدولة هناك مع دور نشر متخصصة في هذه الكتب، من أجل توفيرها للأمهات قبل وبعد مرحلة الحمل . إذن أنا هنا قمت بخلق مرجع مهم يختلف عن المنتديات والانترنت . والشيء الآخر هو المؤسسات، إذ من المهم إنضاج الأفكار عن طريق الخبراء والمؤسسات، وعامل التنسيق مهم بين الجميع .

أهم التوصيات

الاهتمام بواقع الترجمة ودعم المؤسسات المعنية ودعم الجهد الفردي .

التوازن في عملية الترجمة، بما يضمن إنجازها في الحقول الأدبية والعلوم الإنسانية، فضلاً عن الحقول العلمية (الفيزياء، الرياضيات . . .إلخ) .

إعادة النظر في الكتب المترجمة إلى اللغة العربية، والاهتمام باللغة الأم وإثراؤها .

توفير أطر شرعية أو أجسام نقابية للحفاظ على سلامة الترجمة .

تأهيل كليات الترجمة وتوفير الترجمة المتخصصة أو ترجمة البحث .

تحديد وتوحيد المصطلحات في اللغة العربية أثناء عملية الترجمة .

توفير وتطوير معاجم من الإنجليزية إلى العربية تستجيب للتطور الثقافي المُتسارع الذي يشهده العالم .

تنويع مصادر الترجمة في اللغات الشرقية وأمريكا اللاتينية تحديداً .

ملاحظات المشاركين

د . منى البحر: تعتبر الترجمة شكلاً من أشكال إنتاج الفكر، واليوم نحن نستهلك الفكر ولا ننتجه، وتعددية اللغة إثراء للإنسان، ثم إن غياب المشروع التنموي يعتبر من أهم التحديات التي تواجه مشاريع الترجمة في الوطن العربي، ولا يمكن ربط المعرفة بالسوق، بل يجب أن تكون المعرفة متعددة وشاملة .

إبراهيم خادم: الواقع يقول إن جهوداً فردية كان لها الدور الكبير في موضوع الترجمة، ثم تطور هذا الهم وأصبح مؤسساً، ولابد من التشجيع على القراءة والتشجيع على عقد صالونات أدبية، وأن نبحث عن دافعية المجتمع للاهتمام بالقراءة .

محمد عيد إبراهيم: النسبة الكبيرة للترجمة حتى اليوم تذهب للأدب، بينما العلم غائب أو مغيب إلى حد كبير . بعض دور النشر ترى في المترجم عتّال الثقافة، لكني أرى في الحقيقة أن المترجم موازٍ للمؤلف، وكلما نترجم أكثر بالتأكيد سنجلب قراءً أكثر، ويجب منح المزيد من الحرية والحد من الرقابة العربية على النصوص في الترجمة .

د . عفاف البطاينة: هناك حركة ترجمة نشيطة في الوطن العربي اليوم، وحاجتنا إلى الترجمة مرتبطة بواقعنا الثقافي أو واقعنا المعرفي بشكل عام، والوطن العربي لا توجد فيه أرضية معرفية .

د . عبد الفتاح أبو السيدة: لا تزال العفوية تغلب على حركة الترجمة، والمترجم العربي يفتقر إلى أطر قانونية وإلى أطر تدريبية ملائمة، ولا أعتقد أن هناك مبرراً للخوف من إدخال اللغة الإنجليزية في التعليم العالي .

د . عبد الواحد لؤلؤة: الجهود المؤسساتية ممتازة جداً، وتشكل رعاية للمترجم وللمشروع، لكنها قليلة في بلادنا العربية، والجهود الفردية ليست سيئة دائماً، وهناك أمثلة لأناس أغنوا وأثروا الثقافة العربية بجهودهم الفردية . المترجم يجب أن يتقن اللغتين المنقول لها والمنقول إليها اتقاناً تاماً، وأن يتقن ثقافة اللغتين .

مريم جمعة فرج: المشكلة أننا لا نُترجم أنفسنا للآخر، بمعنى أننا لا نقوم بترجمة فكرنا ولا نتعب لأجله، والنهوض الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، يتطلب أن تؤدي الترجمة دوراً مهماً في حياة مجتمعاتنا .

د . محمد طبيشات: هناك تراجع في دور الترجمة واستيلاء غير متخصصين عليها، فضلاً عن تراجع دور الدولة في دعم مسألة الترجمة، وتغول أو تقدم السوق على حساب دعم الترجمة . في الترجمة الحديثة أو ما بعد الاستعمار، هناك حضور شديد جداً لمفهوم الهيمنة، وهناك حضور شديد جداً للترجمة الحرفية والترجمة التقنية .

كامل يوسف: الترجمة تتركز على التنمية، وإذا كان نشاط الترجمة متخلفاً فإن واقع التنمية متخلف، والترجمة جزء من حركة المجتمع ونشاطه . إن أهم تحد تواجهه الترجمة في عالمنا العربي، هو مواجهتها لمحاولات القضاء عليها، كامتداد للقضاء على تجربة التحديث والتنمية في المجتمع العربي .

حبيب الصايغ: هناك مؤسسات ثقافية تستشير من ليس لهم علاقة بالثقافة، ومن يقوم عليها أيضاً المؤسسات- هم أناس لا علاقة لهم بالثقافة، وحال الترجمة من ذلك . وموضوع مخرجات التعليم لا يقتصر على الترجمة فقط، وإنما هناك خلل بنيوي في مخرجات التعليم بشكل عام .

فراس الشاعر: المترجم الآن في الوطن العربي، هو وحده في هذه المنطقة من لا يستثمر مخرجات المعرفة والتكنولوجيا . من المهم تحديد المصطلحات، ثم إن أي نظرة في موضوع تطوير الترجمة، تتطلب النظر إلى اللغة العربية وليس العكس .

باسمة يونس: الترجمة الفردية أفضل في الأعمال الإبداعية من الترجمات المؤسسية، ومن المهم التنسيق بين المؤسسات المعنية بالترجمة . الحقيقة أن الترجمة قد تتحول إلى حرب سياسية خفية، ويجب أن تكون هناك توعية بالترجمة .

ماجد ماضي: يجب إعداد برامج تدريب مختصة لمترجمين مختصين، بحيث لا تدرس فقط نظريات الترجمة، لكن تدرس الترجمة بشكل كامل، باللغة العربية واللغة الإنجليزية، وأية لغة أخرى . ومن الضروري التقعيد للمصطلحات والأخذ بعين الاعتبار وضع القواميس أو المكانز اللغوية .

المشاركون في الندوة

إبراهيم خادم:

رئيس قسم الترجمة في مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم .

باسمة يونس:

رئيسة التأليف والنشر والترجمة في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع .

د . عبد الواحد لؤلؤة:

مترجم

د . عبدالفتاح أبوالسيدة:

نائب عميد كلية الآداب في جامعة الشارقة، وأستاذ علم اللغة في قسم اللغة الإنجليزية .

د . عفاف البطاينة:

دكتورة في الأدب العربي جامعة زايد

فراس الشاعر:

مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم قطاع إنتاج المعرفة

كامل يوسف:

رئيس قسم الترجمة في جريدة البيان

ماجد الماضي:

محرر أول في قسم النشر، مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم

محمد عيد إبراهيم:

شاعر ومترجم

مريم جمعة فرج:

قاصة ومترجمة

د . محمد طبيشات:

دكتور الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع جامعة الإمارات

د . منى البحر:

مستشار تنفيذي أول لبرنامج التنمية الاجتماعية في مؤسسة الإمارات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"