عادي
مدونة الفنون الإسلامية

خط النسخ.. الجمال الهادئ

03:02 صباحا
قراءة دقيقتين
الشارقة - محمد أبو عرب:

لا يمثل خط النسخ بوصفه واحداً من أكثر الخطوط العربية استخداماً وشهرة، سوى نموذج واضح المعالم للمرونة واللين التي يتحلى بها الخط العربي، إضافة إلى كشفه عن واحدة من الملامح المهمة في دراسة تاريخ الخط العربي والمتمثلة في توالد الأنواع والأشكال الخطية وفق الأغراض والحاجة لوجودها، فمنها العملية كما هو النسخ، وأخرى تزينية كما الكوفي.
ولا يمثل النسخ واحداً من أنواع الخطوط العربية، بقدر ما يكشف جهد الفنانين والخطاطين في تحسين الخطوط والعمل عليها بالحذف والإضافة بصورة متراكمة ليصل الخط إلى مرحلة يرضون عنها، فالعائد إلى سيرة خط النسخ يجد أن الفضل في إبداعه يعود إلى إبن مقلة الخطاط العربي الشهير، حيث وضع أسسه في أوائل القرن الرابع الهجري، أواخر القرن التاسع الميلادي، ثم تتابع عليه الخطاطون بالتحسين والتعديل منهم عرب ومنهم أتراك وصولاً إلى أيامنا هذه.
وتشير مصادر الفنون الإسلامية إلى «أنه بعد أن وضع ابن مقلة قواعد النسخ، جوّده الأتابكة (فعرف باسم خط النسخ الأتابكي)، والأتابكة هم جماعة عرفت في عهد الدولة السلجوقية، ثم تفنن في تنميقه الأتراك الذين أبدعوا فيه وعلى رأسهم الحافظ عثمان الذي وضع ميزان الحروف لهذا الخط ومحمد عزيز الرفاعي الذي نقل هذا الخط إلى مصر ثم ماجد الزهدي الذي نقله إلى العراق».
اللافت في خط النسخ أن الخطاطين اشتغلوا عليه حتى صار الخط الأنسب لطباعة النصوص المقروءة، إذ رغم جماليته الهادئة إلا أنه يخلو من ترف التزيين أو التنميق والمهارة في الخط، وذلك حتى لا يجعل القارئ ينشغل بالجماليات التزينية التي كتب فيها النص ويهمل مضمون النص نفسه.
لذلك ليس غريباً أن يعرف هذا الخط باسم «النسخ» رغم أنه يطلق عليه البديع، والمقور، والمدور، إلا أنه ترسخ تحت اسم النسخ، إذ بات هو الخط الأكثر استخداماً في نسخ الكتب ونقلها، فهو إضافة إلى سهولة قراءته، يساعد الكاتب على السير بقلمه بسرعة أكثر من غيره من الخطوط، فلا يمكن المقارنة في كتابته بينه وبين الديواني، أو الكوفي، أو الثلث.
أكثر ما أختص به النسخ من دون سائر الخطوط انه الخط الذي نسخ به القرآن، فازداد شرفاً بذلك وانكشفت جمالياته وحسن صناعته ومرونته ووضوحه، لهذا بات الخط الأول في الصحف والمجلات والمنشورات، فتولد منه العديد من الأشكال والأنواع في العصر الحديث خصوصاً مع دخول الآلة الطابعة والتحول إلى الطباعة الرقمية.
ومن أشهر خطوط النسخ المستخدمة حديثا في طباعة الكتب العربية ما يعرف بخط (البيان) وخط (اللوتس) على نظامي الماكنتوش والويندوز، وخط (منى) الذي كان سائداً في طباعة المجلات، إلا أن دخول النسخ على الفضاء الرقمي أوجد عدداً من الخطوط التي تنتمي إلى النسخ في أصلها إلا أنها لا تلتزم قواعد الخط الراسخة والأصيلة.
ومن الخطاطين العرب برع في خط النسخ محمد حسني البابا، ومحمد مكاوي، وسيد إبراهيم ومحمد إبراهيم ومحمد عبدالقادر والحاج زايد وهاشم محمد البغدادي وتلامذته من بعده ويوسف ذنون الموصلي ومحمد طاهر الكردي وناصر الميمون وغيرهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"