عادي
الفعل السياسي تلازم مع الميداني.. والشباب وقود المرحلة

فلسطين تكسر قيودها وتنتفض على الاحتلال

04:12 صباحا
قراءة 15 دقيقة
إعداد: علي قباجة
أكدت فلسطين، من بحرها إلى نهرها هذا العام الذي يلملم بقاياه، أنها عربية إسلامية ضاربة الجذور في أعماق الجغرافيا والتاريخ، لا تقبل الظلم ولا تنام على الضيم. فقد تلازم العمل السياسي للسلطة الفلسطينية في المحافل الدولية، مع العمل الميداني. وفجر الشباب الذين لا ينتمون إلى أي فصيل أو حزب هبّة عفوية دفاعاً عن المسجد الأقصى والمقدسات، واستخدم الشباب كل ما يتوفر لديهم من قوة لمقارعة الاحتلال وجعله يدفع ثمن العدوان، ورغم أن المواجهة غير متكافئة بين الشباب العزل إلا من حجر أو سكين، والجنود المدججين بأسلحة الفتك السريع من نوع البنادق الهجومية، فقد نال المنتفضون من جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين نيلاً.
لقد أثبت الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يقاوم العدو بالحجر والمقلاع والسكين والمولوتوف، أنه غير عاجز عن إيجاد وسائل الدفاع عن أرضه وعرضه، وأجبر المحتل الغاصب على مراجعة حساباته.
وحقق الفلسطينيون هذا العام إنجازات دبلوماسية وسياسية تمثلت في اعتراف المزيد من البرلمانات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، ورفع علم فلسطين أمام الأمم المتحدة في نيويورك، وقبول انضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتأكيد الدول العربية والإسلامية مركزية القضية الفلسطينية.
وبادرت دول أوروبية إلى طرح مبادرة في مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار بحل الدولتين ووضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي الفلسطينية في حدود 1967، ورغم أن هذه المبادرة وغيرها لم تحرز تقدماً عملياً حتى الآن، إلا أنها تمثل استشعاراً أوروبياً بالظلم الواقع على الشعب الفلسطيني وضرورة وضع حد للنزاع.
وتواصلت خطوات التضامن مع الشعب الفلسطيني وتمثلت في استمرار مشاركة النشطاء الأجانب في المسيرات الفلسطينية الأسبوعية في الضفة رفضاً لجدار القضم والضم ومصادرة الأراضي الفلسطينية لمصلحة المزيد من المستوطنات. واتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً بوسم منتجات المستوطنات الواردة إلى الأسواق الأوروبية، فضلاً عن تزايد عدد الجامعات والمعاهد والمراكز البحثية الغربية المقاطعة للتعاون الأكاديمي أو العلمي أو البحثي مع جامعات ومعاهد الكيان.
على صعيد التحركات العربية لمحاصرة الكيان الغاصب، فقد عقد في 26 أكتوبر/‏‏‏‏‏تشرين الأول اجتماع تشاوري على مستوى المندوبين الدائمين بجامعة الدول العربية بالقاهرة، ووجه مجلس الجامعة الدعوة لعقد اجتماع طارئ على مستوى وزراء الخارجية، لبحث خطوات التحرك العربي المقبلة في مواجهة الانتهاكات «الإسرائيلية» الجسيمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومتابعة القرارات الخاصة بشأن توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.
وبالفعل، فقد ترأس سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية في 9 نوفمبر/‏‏‏‏‏تشرين الثاني، بالرياض، الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الذي دعت إليه الدولة لمناقشة تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية في ضوء تعثر عملية السلام والعدوان «الإسرائيلي» المستمر على الشعب الفلسطيني وأراضيه ومقدساته، وخطة التحرك المستقبلية على الساحة الدولية.
وأشار سمو الشيخ عبد الله بن زايد خلال الكلمة التي ألقاها في الاجتماع إلى أنه يأتي بناء على التصعيد الخطر الذي تقوم به الحكومة «الإسرائيلية» والمستوطنون والجماعات اليهودية المتطرفة وقوات الاحتلال في مدينة القدس المباركة، حيث يقوم الاحتلال يومياً بارتكاب أبشع الجرائم في حق الشعب الفلسطيني ومقدساته.
وأكد سموه أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى، وأن استمرارها من دون حل عادل يشكل الجاذب الأساس لقوى الإرهاب والتطرف بالمنطقة، كما تظل هذه القضية مفتاح أمن وسلم في المنطقة.

«هبّة القدس» توحد الوطن وتبدد حسابات الكيان

انطلق الشعب الفلسطيني في أنحاء الأراضي المحتلة كافة معلناً عن غضبه وامتعاضه من الصمت الدولي والانتهاكات الصهيونية، وأمسك زمام مبادرة التحرك ضد العدوان من دون أن يرفع راية أي تنظيم أو فصيل معين، فأعلن انتفاضته الشبابية العفوية، وحمل على عاتقه مسؤولية مواجهة الاحتلال بأدواته المتوافرة، سواء بالسكين أو الدهس أو الحجارة. وفي ذلك الوقت كانت القوى السياسية منصرفة عما يحدث على الأرض، ومنشغلة بتسمية ما يحدث في الأراضي الفلسطينية: هل هي «هَبَّة جماهيرية» تحتاج إلى تأييد رسمي من الحكومة والفصائل الفلسطينية، أم «انتفاضة شعبية» تشبه في أهدافها وطريقتها وقيادتها الانتفاضتين الأولى والثانية؟ وسواء كانت هذه أو تلك، فإن المسميات لن تغير من دلالات وأهداف الحراك الفلسطيني ضد جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين «الإسرائيليين».
لقد شكلت «هبّة القدس» التي انطلقت في 1 أكتوبر/‏تشرين الأول 2015 صفعة للكيان الصهيوني الذي لم يتوقع أن تجابه أفعاله بردة فعل شعبية عفوية بعيدة عن الفصائلية. كما تميزت هذه الهبّة عن سابقاتها باندماج الكل الفلسطيني فيها، ووحدت أجزاء الوطن المبعثرة، من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، امتداداً إلى الأراضي المحتلة عام 1948. كما دخل عنصر هام على ارض المواجهة هو الفلسطينيات، اللاتي كان لهن دور بارز في إدارة الأحداث. كما شكلت مواقع التواصل الاجتماعي ضربة قوية للاحتلال، الذي حاول بشتى الوسائل والسبل التضييق على نشطائها، ومحاكمتهم.
لم يكن تاريخ الأول من أكتوبر بمعزل عما سبقه، فالاعتداءات الصهيونية المتواصلة، والاستيطان، والتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، وحرق عائلة دوابشة الشرارة الأولى لاندلاع الأحداث، كانت وقوداً دفع الشباب لإعلان ثورته والانتفاضة بوجه الاحتلال الصهيوني.
لا شك في أن ملامح الانتفاضة الفلسطينية بدأت تتضح، وأن «الهبّة» بدأت تتطور إلى أن ترقى لمستوى الانتفاضة. ويرى مراقبون أن ملامح أي انتفاضة تتلخص في عنصرين: الأول هو الاستمرارية، كما في تجارب الانتفاضات السابقة التي استمرت سنوات عدة، وهو ما يتضح في الانتفاضة الحالية، لتقترب بذلك من دخول شهرها الرابع. أما العنصر الثاني فيكمن في الشمول، بمعنى أن يكون هناك اتساع في المشاركة بهذه الأحداث بما يشمل الجغرافيا الفلسطينية، وكذلك مشاركة فئات المجتمع جميعها، وهو ما يحدث الآن بالفعل، من خلال اتساع رقعة المشاركات الفلسطينية، وانتقال الاشتباكات والمواجهات من أحياء وقرى الضفة إلى شوارع القدس وقلب الاحتلال الصهيوني، وزيادة مشاركات وتأييدات معظم الفصائل الفلسطينية لهذا الحراك الشعبي، والذي كان آخره التأييد الرئاسي الفلسطيني.
انطلقت الهبّة في مطلع أكتوبر، وسرعان ما امتدت إلى أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل الأراضي المحتلة عام 48. ورغم أن أغلبية المناطق الفلسطينية شهدت مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال، إلا أن مناطق بعينها تتركز فيها الاشتباكات بين الشبان الفلسطينيين وجنود الاحتلال.
فاجأت الهبّة، حتى أكثر المراقبين تفاؤلاً، بسرعة امتدادها إلى مناطق ال 48 وانخراط الشبان الفلسطينيين فيها، إن بعمليات الدهس والطعن، أو بالحشد الشعبي لحماية الأقصى من هجمات قطعان المستوطنين، الذين حاولوا اجتياحه لتحويله إلى معبد يهودي.
سرعة امتداد الهبّة بتداعياتها وفعالياتها، إلى مناطق ال 48، والحشد الشعبي الذي برز في مدينة القدس، قادماً من الجليل، والنقب والمثلث ومدن الساحل العربية، تطور حمل في طياته الكثير من المعاني الغنية الواجب على الحركة الفلسطينية استخلاصها، في صياغة موقفها السياسي الاستراتيجي، وفي رسم تكتيكاتها المرحلية واليومية، التي يفرضها عليها مثل هذا التطور، وما يمثله من أبعاد جديدة للحركة الوطنية الفلسطينية.
وأكدت هذه التطورات، من جانب آخر، وحدة الحالة الفلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني على جبهات الصدام المختلفة مع هذا المشروع، وفي ظل خصوصية أساليبها الكفاحية. فإذا كان النضال في ال 67 هدفه الخلاص من الاحتلال، والاستيطان، والفوز بالاستقلال والسيادة، فإن النضال في ال 48 هدفه التحرر من النظام العنصري، ومنظومته القانونية والفوز بالحقوق القومية وحقوق المواطنة الكاملة في ظل نظام متحرر من المشروع الصهيوني.
إن الهبّة الشعبية التي انفجرت، جاءت نتيجة انسداد أفق العملية السياسية وتدنيس واقتحامات المسجد الأقصى وتهويد القدس والاستيطان، ونتيجة عوامل اجتماعية وأزمات طاحنة مثل المفاوضات والانقسامات والفقر والبطالة.
وكما هي المعركة المحتدمة ضد الاحتلال على محاور التماس، فإن مواجهات تدور لا تقل ضراوة بين نشطاء الإنترنت الفلسطينيين، و«الجيش الرقمي الإسرائيلي» على صفحات التواصل الاجتماعي، في معركة لكسب التأييد والتعاطف العالمي حول ما يجري من إحداث بالمنطقة. حيث حاول الاحتلال إغلاق صفحات الفلسطينيين، وباعتقال النشطاء، لكنه فشل في ذلك فشلاً ذريعاً.
وسجلت الفتيات الفلسطينيات حضوراً لافتاً ومؤثراً في الهبّة، لتشكل مشاركة الفتيات فيها امتداداً لمسيرة النضال النسائي الفلسطيني. ولعل المؤشر الجديد البارز اليوم هو ظهور الفتيات الملثمات، وهن في الأغلب طالبات في المدارس والجامعات. حيث إن أدوار المرأة الفلسطينية خلال أسابيع الاشتباكات الأخيرة اختلف كثيراً عن أدوارهن في الانتفاضتين الأولى والثانية، التي لعب فيها الرجال دوراً أساسياً في التظاهرات والمواجهات العنيفة. حيث إن بعضهن ملثمات، وبعضهن يرتدين ملابس عصرية، وأخريات يرتدين لباساً طويلاً ومغلقاً ووشاحاً أخضر، بحيث لا يدع مجالاً لمعرفة إلى أي فصيل ينتمين. وهؤلاء هن الطالبات الفلسطينيات الجدد، نساء قويات الإرادة، وغير مستعدات لترك منصة الانتفاضة الشعبية للرجال فقط. إنهن يخرجن لنقاط التماس ويواجهن جيش الاحتلال، يلقين الحجارة على الجنود «الإسرائيليين».
ومع سخونة الأجواء وارتقاء الشهداء أصبحت فلسطين مفتوحة على أكثر من هبّة شعبية، ما أقلق أطراف اللعبة السياسية جميعاً، خصوصا أمريكا، التي تريد المنطقة ساكنة لأكثر من سبب، فجاءت التحركات الدبلوماسية لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وعقد لقاءاته المنفردة مع رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو والرئيس عباس.
الباعث لتلك التحركات الأمريكية هو غضبة شباب فلسطين وأطفالها، كردة فعل عفوية على العدوان اليهودي على المسجد الأقصى ومحاولة تنفيذ تقسيمه الزماني ثم المكاني، ثم تكرار مشاهد الإعدامات الميدانية بدم بارد. ولولا ذلك ما كانت أمريكا لتحرك ساكناً في الوقت الراهن حول قضية فلسطين.
جاءت تحركات أمريكا تحت ضغط الواقع لا بمبادرة ذاتية، وهي لإطفاء الحريق وتخفيض درجة الحرارة لا العلاج وتغيير الوقائع على الأرض. ولذلك أعلن كيري قبيل لقاءاته أنه «يعمل على تهدئة العنف بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»».
خلاصة الموقف، أن أمريكا في تحركاتها الدبلوماسية تحاول تسكين الأوجاع عبر نهج إدارة الأزمة، وهي تسير على فلسفة غلي الحجارة في القدر، إلهاءً للجائعين بعملية طهي فارغة، من أجل تدويخهم حتى يستقر بهم الأمر إلى سبات بلا غذاء.

ضحايا «الهبّة» وخسائر الكيان

130 شهيداً، ومئات الجرحى بنيران الاحتلال، هي حصيلة قرابة الثلاثة أشهر من «الهبّة الفلسطينية» التي لم تهدأ وتيرتها رغم إجراءات القمع «الإسرائيلية».

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، ارتفاع عدد شهداء «هبّة القدس» منذ مطلع أكتوبر/‏تشرين الأول الماضي، إلى 130 شهيداً، بينهم ستة فتيان و25 طفلاً، 110 في الضفة و19 في غزة وشهيد في النقب، فيما بلغت حصيلة المصابين أكثر من 14 ألف مصاب، بينهم 4695 بالرصاص الحي والمعدني، فيما أصيب الباقون بقنابل بالاختناق جراء الغاز السام، في حين تم اعتقال 2433، كما يحتجز الاحتلال قرابة 57 جثمان لشهداء. وبلغت اعتداءات المستوطنين في الأراضي المحتلة 282 اعتداء.
وبلغت حصيلة أعمال المقاومة على الأرض، 22 قتيلاً «إسرائيلياً»، وإصابة 315، منهم 58 في حوادث إطلاق نار، و64 طعناً.
بدورها، ذكرت القناة «الإسرائيلية» الثانية أن حوادث إلقاء الحجارة ضد «الإسرائيليين» ازدادت بصورة متلاحقة منذ اندلاع الهبّة أوائل أكتوبر/‏تشرين الأول الماضي، رغم أن الهجمات الفلسطينية الحالية تتراوح بين عمليات الطعن والدهس وإطلاق النار، لكن الظاهرة التي أدت، وما زالت تتسبب باستمرار هذه الهبّة الفلسطينية هي إلقاء الحجارة على المستوطنين والجنود «الإسرائيليين».
وأضافت القناة أن «معطيات الجهات الأمنية «الإسرائيلية» خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة تشير لوقوع 2225 عملية إلقاء حجارة، في مختلف أنحاء الضفة الغربية، حيث شهد سبتمبر/‏أيلول 290 حادثاً، وأكتوبر/‏تشرين الأول 915 حادثاً، ونوفمبر/‏تشرين الثاني 730 حادثاً، وفي الأسبوعين الأولين من ديسمبر/‏كانون الأول الحالي فقط وقع 290 حادث إلقاء حجارة، وباتت تشكل ظاهرة خطرة، وتتسبب بوقوع إصابات بين الإسرائيليين».

التفاهمات الأردنية حل نسفه الاحتلال
الأقصى يرفض التقسيم ويجابه الاحتلال بمدد المرابطين

فكرة طرحها اليمين «الإسرائيلي» بقيادة حزب «الليكود» تمهيداً لتهويد المسجد الأقصى، من خلال تكريس سياسة اقتحام المسجد والاعتداء على المرابطين داخله، وفرض تقسيم ساحاته زمانياً بين الفلسطينيين والمحتلين «الإسرائيليين» في غير أوقات الصلاة كمرحلة أولية يتبعها تقسيم مكاني، ثم السيطرة الكاملة عليه لاحقاً، وتغيير هويته ببناء ما يسميه الاحتلال «الهيكل الثالث» المزعوم مكان قبة الصخرة.
بدأت إجراءات الاحتلال الفعلية لتقسيم المسجد الأقصى عام 1967 مع احتلال مدينة القدس وما تبقى من أراضي فلسطين بعد النكبة؛ فقد اقتحم آنذاك الجنرال «الإسرائيلي» مردخاي جور المسجد مع جنوده، ورفع العلم «الإسرائيلي» على قبة الصخرة، وحرق المصاحف ومنع الصلاة فيه، كما صادر مفاتيح أبواب المسجد وأغلقه أسبوعاً كاملاً، حيث مُنعت فيه الصلاة ولم يرفع الأذان.
أعيدت المفاتيح إلى الأوقاف الأردنية التي تولت شؤون المسجد، باستثناء مفتاح باب المغاربة المخصص حالياً لاقتحامات المستوطنين.
وبعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، التي أطلق شرارتها اقتحام زعيم حزب «الليكود» آنذاك أرييل شارون المسجد، أصبحت «إسرائيل» تتحكم منفردة في حركة الدخول والخروج ضمن الوقتين المذكورين، وشرعت في إدخال مجموعات من المستوطنين إلى المسجد بحراسة أمنية.
وبدأت محاولات التقسيم بالتدرج بعد عام 1967، حتى يومنا هذا،
وخلال شهري فبراير/‏شباط، وأكتوبر/‏تشرين الأول 2014 قدم نواب متطرفون للكنيست مشروعين بقانونين: الأول لسحب الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية، والثاني يتعلق بالتقسيم الزماني والمكاني للمسجد.
ومع حلول الثلاثين من أكتوبر/‏تشرين الأول 2014 أخذ التقسيم منحى جديداً، حيث أغلقت قوات الاحتلال -لأول مرة منذ عام 1967- بوابات المسجد الأقصى تماماً أمام المصلين، بما في ذلك العاملون فيه،وتزامنت ذلك، مع إجراءات ضد المصلين مع مساع لاتهام المرابطين والمرابطات الذين يتواجدون في الأقصى بالخروج على القانون، وتصنيفهم تنظيماً إرهابياً.
وفي ظل اشتداد موجة انتفاضة السكاكين وتكرار عمليات الطعن التي شهدتها المدينة المقدسة، بدأ الحراك الدولي يبحر عبر سفينته لإنقاذ بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء «الإسرائيلي» من غرقه في وحل هذه الانتفاضة، لينطلق جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة، للقائه ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بعد فشله الذريع في عملية التسوية والمفاوضات نهاية عام 2013.
بعد لقاءات عدة عقدها كيري سواء مع نتنياهو أو محمود عباس، تم التوصل في العاصمة الأردنية عمان إلى اتفاق أردني «إسرائيلي»، تتخذ بموجبه تدابير جديدة في المسجد الأقصى لوقف الانتفاضة في المنطقة.وأعلن وزير الخارجية الأمريكي عن اتفاق أردني-«إسرائيلي» حول الأقصى في عمان في 24/‏أكتوبر/‏2015 تمحور حول احترام «إسرائيل» للدور الأردني في المسجد، وتعهدها بالحفاظ على الوضع القائم وتخصيص المسلمين بالصلاة وغير المسلمين بالزيارة، ونصب كاميرات لمراقبة المسجد الأقصى على مدى 24 ساعة لمعرفة مصادر الاستفزاز. وكانت إيجابيات الاتفاق الاعتراف الدولي الضمني بأن «إسرائيل» هي من غيرت الوضع القائم، وأن تجاوزاتها في الأقصى هي السبب الرئيسي لهذه الهبّة، وأكد أن المسجد الأقصى لا يزال محل أولوية سياسية أردنية.
ولكن الاحتلال لم يلتزم بالاتفاق، وأعلنت دائرة الأوقاف الإسلامية المسؤولة عن إدارة المسجد الأقصى في القدس أن سلطات الاحتلال منعتها من تركيب كاميرات في المنطقة.

فلسطين عضو ب«الجنائية الدولية» والاستيطان والعدوان ملفان إلى المحكمة

يسعى الفلسطينيون إلى تحصيل حقوقهم بشتى الطرق والأساليب، قد يخطئون في بعضها ويصيبون في البعض الآخر، غير أن المتفق عليه، هو نيل الحرية، وإزالة الاحتلال، ولهذا قد أعد الشعب العدة للنزال والمواجهة على الصعد كافة، السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، إضافة إلى الإضراب العام والعصيان الشعبي، ومواجهة العدو على نقاط التماس.
كانت السلطة خلال سنوات مضت عازمة بكل قوة على محاسبة الكيان الصهيوني على جرائمه المتواصلة، ولهذا فقد وضعت خطة مفصلة للتوجه نحو المنظمات الدولية؛ وبالفعل تمكنت من الحصول على مجموعة من الإنجازات في هذا الصعيد خلال العام الحالي، وهذا كله ليس بمعزل عن الدعم العربي والإسلامي، الذي عقد القمم والمؤتمرات المتواصلة للوقوف على جرائم المحتل، وساند القضية في المحافل الدولية.
أهم أنجاز دولي حصلت عليه فلسطين هو انضمامها لمحكمة الجنايات الدولية بشكل رسمي، يوم الأربعاء الموافق مطلع إبريل/‏نيسان 2015، حيث شكلت هذه الخطوة صفعة قوية للكيان، الذي أصبح يترنح من ثقلها، واتخذ بالفعل خطوات عقابية ضد السلطة ومنع أموال الضرائب عنها، وهي الأموال التي تدفع من خلالها رواتب موظفيها وتيسر بها ضائقة الشعب الرازح تحت نير الاحتلال.
تنبع أهمية انضمام فلسطين للجنائية في أنها تشكل خطوة نحو إنهاء حقبة غياب المساءلة والإفلات من العقاب، كما أكد ذلك وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، الذي أشار إلى أهمية اتخاذ الخطوات الممكنة لضمان المساءلة على جرائم الاحتلال، وفي الوقت نفسه تأمين الحماية للمدنيين الفلسطينيين، وقال «إن الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية ليس حقا فقط بل واجب في وجه الظلم الدائم والكبير الذي يتعرض له شعبنا، والجرائم المتكررة التي ترتكب ضده، مع ذلك فإن قرار فلسطين للانضمام هدفه السعي لتحقيق العدالة وليس الانتقام».
وأعلن الناطق الرسمي باسم المحكمة الجنائية الدولية فادي العبدالله أن فلسطين انضمت رسميا إلى المحكمة بصفة عضو كامل الحقوق. وأوضح أن اتفاقية روما التي تعتمد عليها المحكمة في أنشطتها، دخلت بكامل بنودها حيز التطبيق بالنسبة لفلسطين، بما في ذلك حقوق وواجبات الدولة العضو.

سرطان الاستيطان يتمدد في الأرض وأوروبا تعاقبه ب«وسم تمييز المنتجات»

لم يتوقف الاحتلال عن سرقة الأرض وقضمها لصالح توسيع مستوطناته الجاثمة على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية، ما يقضي على حلم الدولة الفلسطينية، في ظل عجز دولي عن وقف هذا الصلف المتواصل. في حين شكل موقف أوروبا ب«وسم تمييز منتجات المستوطنات» صفعة قوية على وجه الاحتلال.
قال المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان في تقرير إن «إسرائيل» تستغل الظروف الإقليمية والدولية وانشغال المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب وعجزه عن وضع حد لانتهاكات حكومة الاحتلال للقوانين الدولية لتواصل سياستها التوسعية الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة.
وصادقت مؤخراً ما تسمى ب «لجنة التخطيط والبناء» في بلدية الاحتلال بناء 891 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة «غيلو» جنوب القدس، و330 وحدة استيطانية في الشيخ جراح بما فيها مبنى ضخم يتألف من 12 طابقاً لمدرسة دينية، ومصادرة سلطات الاحتلال 680 دونماً من أرض فلسطين في الولجة جنوب القدس، توطئة لإقامة مستوطنة جديدة عليها، في إطار المخطط «الإسرائيلي» المعروف ب (2020)، الذي يهدف إلى إيجاد أغلبية يهودية في مدينة القدس.
في الأثناء، شكل الإجراء الأخير الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي بإلزام «إسرائيل» بوضع ملصقات على منتجات المستوطنات اليهودية المصدرة إلى أسواق دوله، «لطمة دبلوماسية». فالأوروبيون لا يعتبرون المستوطنات «الإسرائيلية» غير شرعية.
وكانت المفوضية الأوروبية أقرت وضع ملصقات على السلع «الإسرائيلية» المنتجة في مستوطنات داخل الضفة الغربية والقدس المحتلة وهضبة الجولان السورية المحتلة، وهو ما أثار غضب الكيان. ويقضي القرار بوضع علامات خاصة على المنتجات المصنعة في المستوطنات والمصدرة إلى الأسواق الأوروبية، بحيث يكون المستهلك على معرفة بمصدرها، في حين استنفر الكيان ووصف القرار ب«الوقح».

إعمار غزة في مهب رياح الانقسام والاحتلال

يعيش سكان قطاع غزة حصاراً خانقاً لم يشهد له مثيل في العصر الحديث، كما تعرضت هذه البقعة الجغرافية الصغيرة جداً، وذات الكثافة السكانية العالية جداً إلى أعتى الحروب، التي أكلت الأخضر واليابس وقتلت الرجال وهدمت المنازل على رؤوس الأطفال والنساء. همجية الاحتلال لم تقف عند هذا الحد بل حاصرسكان القطاع في لقمتهم وضيق عليهم الحركة، ومنعهم من إدخال لوازم البناء ليعيدوا ترميم ما دمر خلال عدوان صيف 2014، في حين أن الانقسام الفلسطيني بين شقي الوطن لعب دورا مهما في عدم إغلاق هذا الملف إلى اليوم، فما زالت حركتا «فتح» و«حماس» تتراشقان بالاتهامات، وترفضان تسليم أي منهما للآخر أو حتى التنازل، بالرغم من تشكيل حكومة وفاق وطني. إلا أن هذه الحكومة رفضتها «حماس» لاحقا لاتهامها «فتح» ورئيسها محمود عباس بالاستفراد بها وبقراراتها.
أكثر من عام ونصف العام على العدوان «الإسرائيلي» على غزة، وما زالت مشاهد القتل والتدمير عالقة في أذهان العائلات التي تعيش حتى اللحظة في ظروف أكثر قسوة وتعقيدا من التي تعرضت لها عقب تدمير منازلها. فحتى اللحظة آلاف العائلات ما زالت تنتظر ترميم أو بناء منازلها المدمرة، في ظل برد الشتاء القارس.
قال حسن الوالي الناطق الإعلامي باسم رابطة النازحين والمهجرين الفلسطينيين، إن أكثر من 500 ألف فلسطيني نزحوا من منازلهم جراء الغارات «الإسرائيلية» على القطاع خلال العدوان الأخير، 120 ألفاً منهم فقدوا منازلهم وبقوا بلا مأوى، حيث يعيشون في بيوت بالإيجار وكرفانات غير صالحة للعيش الكريم، وما زالوا ينتظرون وعود إعادة الإعمار ومليارات رصدت ولكن لم يصل منها إلا القليل.
الاحتلال هو السبب الرئيسي في تأخر إعادة الإعمار، كما أن قيام وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» بوقف دفع المخصصات المالية لمتضرري العدوان الأخير على قطاع غزة منذ أغسطس/‏ أب الماضي فاقم من معاناتهم وظروفهم المعيشية الصعبة للغاية.
وقال الناطق باسم الوكالة في قطاع غزة عدنان أبو حسنة إن الاحتلال والانقسام الداخلي هما السببان الرئيسيان لتأخر الإعمار، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي يشترط في تقديم الأموال بأن تكون الحكومة الفلسطينية فعالة في غزة ومسيطرة على المعابر الأمر الذي يعيق وصول أموال المانحين بالشكل المطلوب.
بين تضارب الأرقام والحصار وحالة الانقسام الداخلي يبقى الفلسطيني هو الخاسر الوحيد في هذه المعادلة، ويدخل الشتاء على مشردي الحرب وأحوالهم ما زالت تزداد صعوبة.

مستوطنون يحرقون عائلة بأكملها.. والاحتلال يبرئ المجرمين

في ليلة ظلماء، تسلل وحوش المستوطنين نحو بيت فلسطيني في قرية دوما قرب نابلس، في الضفة الغربية المحتلة، وأحرقوا عائلة بأكملها، مكونة من أم وأب وطفلين، حيث نجا بأعجوبة طفل، ولكنه لم يسلم من آثار الحريق.

رضيع فلسطيني، تعرض للحرق عندما أضرم مستوطنون «إسرائيليون» النار بمنزل أسرته فاستشهد على الفور وتعرضت عائلته لحروق خطرة واستشهد الأب والأم لاحقاً متأثرين بجروحهما، فيما بقي طفل تحت العلاج. وأثارت الحادثة تنديداً واسعاً، وهددت السلطة الفلسطينية برفعها للجنائية الدولية.
وكان مجموعة من عصابات ما يسمى «دفع الثمن» اقتحموا قرية دوما قرابة الثالثة فجرا يوم 31 يوليو/‏تموز 2015، وقاموا بحرق منزلين لعائلة دوابشة باستخدام عبوات مولوتوف شديدة الاشتعال ألقوها داخلهما.
وأدت الحادثة إلى إصابة العائلة بجروح خطرة طبقاً لشهادة مصادر طبية في مستشفى «رفيديا» بنابلس، مشيرة إلى أن حروقهم تراوحت بين 50% للطفل أحمد دوابشة (4 أعوام)، و70% للأب سعد دوابشة (30 عاماً)، و80% للأم رهام حسين (27 عاماً)، فيما توفي الرضيع علي (18 شهراً) فوراً.
وأكد شهود من قرية دوما أن مجموعة المستوطنين طرقوا بأيديهم على نوافذ منزل سعد دوابشة وعندما فتح لهم النافذة ألقوا عبوة مشبعة بمواد سريعة الاشتعال بالداخل مما أدى إلى حرق المنزل بالكامل وإصابة العائلة بحروق، بينما استشهد الرضيع علي فوراً نتيجة الاحتراق الشديد.
وفي خطوة تنطوي على غض الطرف عن الجرائم الإرهابية التي ترتكبها عصابات المستوطنين «شارة ثمن»، وإبعاد تهمة الإرهاب عن المستوطنين «العنصريين»، غض الاحتلال الطرف عن الصهاينة مرتكبي الجريمة، وأعلن انه ليس هناك أدلة كافية لإدانتهم، لتموت القضية كما ماتت العائلة. في حين أن عائلة دوابشة تنتظر من ينصفها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"