عادي
عام من الإنجازات في بيوت الشعر

القصيدة العربية تعيش زمن رعاية المؤسسات الثقافية

01:02 صباحا
قراءة 6 دقائق
الشارقة: «الخليج»

ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للشعر العربي، أقيمت صباح أمس ندوة بعنوان «عام من الإنجازات»، وذلك في مقر بيت الشعر بالشارقة، شارك فيها الدكتور عبد الله ولد السيد من موريتانيا، وجميلة الماجري من تونس، وحسين القباحي من مصر، ومخلص الصغير من المغرب، والدكتور الصديق عمر الصديق من السودان، و فيصل السرحان من الأردن، وتضمنت الأوراق عرضاً لمنجزات كل بيت من البيوت خلال العام الماضي والأثر الذي أحدثته هذه البيوت في المشهد الثقافي والتطلعات التي يمكن أن تثري هذه التجربة.
استعرض د. عبد الله ولد السيد مدير بيت الشعر في نواكشوط مسيرة البيت قائلاً «منذ تأسيسه في 3 سبتمبر/‏‏‏‏‏أيلول من سنة 2015 سعى البيت إلى الاستجابة للأهداف السامية التي تضمنتها مبادرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مسترشداً بالتوجيهات التي يتلقاها من دائرة الثقافة والإعلام وبيت الشعر بالشارقة، ومن الطبيعي أن يكون النهوض بالشعر العربي الفصيح وبلغته مسعى رئيساً من مساعي بيوت الشعر، وأن تكون هذه البيوت إشعاعاً فكرياً وثقافياً، ما دامت الثقافة مكوناً لا يقبل التجزئة، ومن هنا رأى بيت الشعر في نواكشوط أن ينظم نشاطاً دورياً كل أسبوعين في فضاء لم يتعود انتظام دورية الأعمال الثقافية».
وقالت الشاعرة جميلة الماجري مديرة بيت الشعر في القيروان «إننا نعتز بنجاح بيوت الشعر في تحقيق أهدافها التي هي أهداف مبادرة صاحب السمو حاكم الشارقة في الحفاظ على فن العربية الأول وهو الشعر والارتقاء بتجاربه حفاظاً على العربية عنوان هويتنا وحافظتها»، وأضافت «ولا أبالغ إذ أقول إن التعبير مهما بلغ يظل مقصراً عن تثمين مبادرة صاحب السمو حاكم الشارقة وفكره الاستشرافي الرائد، هذه المبادرة التي يكون أقل تعبير منا على العرفان لها عملنا بإخلاص وحماس على إنجاحها وتحقيق أهدافها الطموحة وعن أهل الشعر والثقافة بالقيروان وتونس».
ورأى الشاعر حسين القباحي مدير بيت الشعر في الأقصر«عام واحد فقط في أعمار وأقدار المؤسسات العامة و الخاصة، ليس كافياً أبداً للحكم على تجربة، ولا لقياس مدى توفيق القائمين عليها، أو إخفاقهم في تحقيق الأهداف أو حتى لرسم واختيار مسارات واضحة وآمنة لاستكمال المسيرة المرجوة وقد تكون تجربة النجاح في مثل هذه المدة القصيرة صعبة وغير متوقعة بالقدر الكافي إذا كان الأمر متعلقاً بمؤسسة تجارية أو صناعية أو تعمل في مجال العمل الاجتماعي أو الخدمي وهي بلا شك في غاية الصعوبة إذا كانت في مجال الفعل الثقافي النوعي الذي يُرتجى دائماً أن يكون تأثيره عميقاً وقوياً لدرجة إزاحة وزحزحة وتغيير مفاهيم واتجاهات وقيم سائدة والكشف عن ملامح وعناصر معرفية ووجدانية كامنة في الضمير والعقل الجمعي».
وقال مخلص الصغير مدير بيت الشعر في تطوان: «الشعر، أعظم ثروة عربية عبر التاريخ العربي وجغرافياته، من الخليج إلى المحيط،. وها نحن ننتقل اليوم من مرحلة المعلقات الجاهلية إلى مرحلة المدونات الشعرية والنقدية في العصور الأُموية والعباسية والأندلسية المغربية، إلى زمن الشعر الحديث والمعاصر، زمن التحولات والمجلات والجماعات والبيانات الشعرية، وصولاً اليوم إلى زمن المؤسسات الشعرية، مع مبادرة بيوت الشعر العربي وداره في تطوان، التي ترحب بكم من غير استئذان».
ورأى الصديق عمر الصدّيق مدير بيت الشعر في الخرطوم «إن وجود بيت شعر في الخرطوم منوطٌ به أن يصنع صنيعاً نوعياً في ترتيب أمر الحراك الشعري من حيث إخراج الشعر السوداني من شبه عزلةٍ لعلها من أثر الاعتبارية القديمة لفكرة المركز والهامش في النظر إلى الحواضر العربية، إذ لم تكن الخرطوم من الحواضر التي شرفت باحتضان الخلافة العربية الإسلامية في العصور الغابرات، ولكنه- أي السودان- ظل زماناً طويلاً يرفد إفريقيا بغدق الثقافة العربية الإسلامية نوراً وضياءً وفتحاً.
وتضمنت ورقة فيصل السرحان مدير بيت الشعر في المفرق عرضاً لمنجزات البيت كنموذج من نماذج هذه المبادرة، والأثر الذي تركه هذا البيت في المشهد الثقافي والتطلعات التي يمكن أن تثري هذه التجربة، وتزيد من أثرها المتميز وقال «ظهرت هذه المبادرة توقيتاً وحالة، وسرعان ما أثمرت هذه المبادرة في كل موضع حطت فيه رحالها، ولا يخفى على المتابع للمشهد الثقافي في البلدان التي تم افتتاح بيوت الشعر فيها ضمن المبادرة من حراك ثقافي متميز يتعلق بشكل مباشر بنشاطات بيت الشعر وبرامجه التي تجاوزت كونها أمسيات شعرية وحسب في كثير من الفعاليات».
تواصلت مساء أمس الأول في قصر الثقافة في الشارقة أمسيات الدورة الخامسة عشرة من مهرجان الشارقة للشعر العربي، بأمسية ثالثة ضمت ستة شعراءه هم: يحيى الحمادي (اليمن)، خليفة بن عربي (البحرين)، علي الشعالي وزينب عامر (الإمارات)، حسن إبراهيم الحسن (سوريا)، هزبر محمود (العراق)، وأدارتها صفية الشحي (الإمارات).
الشاعر يحيى الحمادي نثر آلام اليمن ومأساة شعبه أمام تعدي الفئة الظالمة، في قصيدة بعنوان «سفر كعادته طويل»، وفي جمله الشعرية انشغال بعنصري الزمان والمكان، وكذلك اشتغل على المتضادات إظهارا للصراع المؤلم الذي يعيشه شعبه، فاستخدم دلالات الغياب والشوق والحنين والحزن. يقول فيها:

سَفَرٌ كَعَادَتِهِ طويلُ/‏‏‏‏‏ أنا لَستُ مَن سَفَكَ الدِّماءَ ولَستُ مَن سَرَقَ الرَّغيفا /‏‏‏‏‏ أنا لَستُ مَن خَدَشَ السَّمَاءَ ولَستُ مَن جَرَحَ الرَّصِيفا /‏‏‏‏‏ أنا لَستُ مَن نَبَشَ القُبُورَ لِكي يُخِيفَ و كَي يُضِيفا/‏‏‏‏‏ أنا باحِثٌ عني /‏‏‏‏‏ وعَن جهةٍ إلَيَّ تُحِيلُنِي/‏‏‏‏‏ و معي تَسِيرُ ولا تَسِيلُ/‏‏‏‏‏ فَمَتى سَيَترُكُنِي الدَّخِيلُ متى/‏‏‏‏‏ سَيَشرَبُنِي النَّخيلُ متى/‏‏‏‏‏ سَيَأكُلُنِي البَخِيلُ؟!/‏‏‏‏‏ و متى سَتَكتَمِلُ القِيامَةُ بي/‏‏‏‏‏ و يَرحَمُنِي القَتِيلُ.

خليفة بن عربي ألقى عددا من القصائد، وهو مجتهد في رسم الصور الشفّافة الناضحة بالإيمان، والمعاني الصوفية، وتميزت بشفافية قصائده الرمز وثراء الدلالة والتناغم الصوتي والتوازن الإيقاعي، ومن العناوين التي قرأها: قصة الدنيا، انعتاق، وإغماض وهو نص أهداه لروح الشاعر الراحل سليم عبد القادر ولأرواح كل الشعراء الراحلين حين يغمضون عيونهم، يقول فيه:

حِينَمَا الشَّاعِرُ يَغْفُو غَفْوَةَ الْمَوتِ الْأَخِيرَةْ /‏‏‏‏‏ حَينَمَا يَقْرِضُ أَنفَاسًا أَخِيرَةْ /‏‏‏‏‏ تَسْقُطُ الْأَمْطَارُ مِن دَمْعِ السَّمَاوَاتِ /‏‏‏‏‏ وَتُصْغِي كُلُّ أَزْهَارِ الْقُلُوبْ /‏‏‏‏‏ وَتُغَنِّي للدّروبْ /‏‏‏‏‏ تَنثُرُ الْأَقْمَارُ خُبْزَ الْبُؤَسَاءْ /‏‏‏‏‏ يَضْبِطُ الْكَوْنُ مَوَازِينَ الْبُكَاءْ /‏‏‏‏‏ بِذِرَاعٍ مِنْ عَرُوضٍ وَقَوَافٍ وَرَوِيٍّ وَرَوَاءْ /‏‏‏‏‏ هَكَذَا الشَّاعِرُ لَا يَغْفُو وَلَكِنْ /‏‏‏‏‏ كُلَّمَا أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ يَفِيضُ الْكِبْرِيَاءْ.

وقرأ علي الشعالي قصائد متنوعة في المضامين والصور الشعرية، فيها تمازج بين الذاتي والعام، مجسدة مشاعر الانتماء للعروبة والأصالة، وتميزت ألفاظه بالسلاسة، وجمله بالقصر والإيقاعية، مع اشتغال على حشد الصور الدالة، ومن القصائد التي قرأها: أخاديد، دومينو، جبناء، اقشر السماء، الأفاعي التي لا تسر إلا نفسها، زندك، صمتٌ وحفنة أشقياء، يقول فيها:

حناء كوكبنا الصغير /‏‏‏‏‏ قوافل الجوعى/‏‏‏‏‏ وأسماء المساجد/‏‏‏‏‏ ودماء قتلانا /‏‏‏‏‏ وصوت صغارنا /‏‏‏‏‏ حين استراحوا من قبل أن يستفهموا عن إرثهم /‏‏‏‏‏ لا يدعي أحد سوانا أن التراب قصائد الموتى/‏‏‏‏‏ ولم يعجب سوى هذا العدو المحض /‏‏‏‏‏ من تقريع حسرتنا لدى آذانه /‏‏‏‏‏ يا ويح صفحتنا التي تستمطر الأمس العصي.

زينب عامر ألقت قصائد تماهت فيها الذكرى بالعاطفة والحكمة، واستشراف النفس، تنسج الوَلَه المخبأ لترسمه على دفاتر الحياة، بمفردات محفزة على التأويل تحمل المتلقي إلى أفق التخيل وجمالياته من بين ما قرأته: حي على الرياض، لم يكن هناك يد، تغريدات قصيرة، ظل الروح.
ألقى حسن إبراهيم الحسن قصائد يستند فيها إلى مشاهد ذات دلالات حركية، مجسدة للأحداث التي تشهدها الساحة السورية، معرياً قسوة الإنسان ووحشيته تجاه أخيه الإنسان حين تصبح الحرب هي لغة الحياة، جاعلا من الكلمة والحرف كاميرا توثق وتلتقط كل لحظة وكل ألم وكل معاناة، من القصائد التي قرأها: إلى السوريين مقتطفات، إلى الأمهات، إلى أصدقائي الذين أكلتهم الحرب، مقتطفات سريعة، على باب القيامة.
هزبر محمود كان ختام الأمسية بقصائده التي تستنهض مشاعر العروبة وتسترجع ما خبأته ذاكرة الزمن من أوجاع الوطن، وفيها عتاب لأبناء العروبة، من بين القصائد التي قرأها: يا صبح، أرشيف الغراب، ما بين ليلين.
أعقب الأمسية توقيع الشاعر السوداني الفائز بجائزة الشارقة للشعر العربي والمكرم بمهرجان الشارقة للشعر العربي الدورة 15 محيي الدين الفاتح مساء أمس الأول، ديوانه «آخر الأنباء أنت» الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"