عادي
في الذكرى الثالثة عشرة لرحيله

سلطان العويس 75 عاماً من الشعر والتجارة ومحبة الناس

05:52 صباحا
قراءة 5 دقائق

المبدعون يبقى حضورهم ماثلاً لا ينقطع أو يخفت في وجدان أوطانهم، بل في وجدان العالم أجمع، وتبقى سيرتهم ملهمة للأجيال يتعلمون منها الإبداع والتواضع تارة، والجد والنجاح وعشق الوطن تارة، والإيثار ومحبة الآخرين تارة أخرى، لكن بعض المبدعين يحملون هذه الصفات جميعاً، مما يجعل من سيرهم نبع صفاء ننهل منه من دون ارتواء أو اكتفاء .

كذلك كان الحال مع الراحل الكبير الشاعر سلطان بن علي العويس الذي ارتبط اسمه في العالم العربي من محيطه إلى خليجه بالأدب والثقافة والأخلاق الحميدة، فافتخرت الإمارات بابنها الذي طالما افتخر بوطنه، وبادلته الولاء وفاء، والانتماء احتضاناً، والمحبة اعتزازاً، وها هي المحافل الأدبية بعد مضي 13 عشر عاماً على رحيله، تعقد الأمسيات واللقاءات استذكاراً وحنيناً لشاعرها العذب وابن الإمارات البار .

نشأته

ولد سلطان بن علي العويس في إحدى حارات بلدة الحيرة بإمارة الشارقة عام ،1925 وفيها تلقى تعليمه الأولى، ثم انتقل إلى دبي، وفيها التقى بالعديد من وجوه الأدب وفاعليه .

ونشأ سلطان في بيت علم وأدب نهل من معينهما، وأسرة عرفت بحبها الثقافة وإنجابها عدد من الشعراء والباحثين والأدباء مثل شاعر الإمارات سالم بن علي العويس والمؤرخ عمران العويس والأديب أحمد علي العويس وغيرهم، ما أهلّه لأن يكون فيما بعد نموذجاً إنسانياً وعلامة بارزة في المشهد الثقافي كشاعر متميز من شعراء الإمارات .

أعماله واهتماماته

كانت عائلته من العائلات التي ارتبطت بالتجارة منذ القدم، وتحديداً تجارة اللؤلؤ، فقد كان والده علي بن عبدالله العويس طواشاً مشهوراً، وحقق في هذا الحقل نجاحاً باهراً، فكان من تجّار اللؤلؤ المهرة (الطواشين)، وعُرف بهذه التجارة ودرّت عليه أرباحاً طائلة، إلى أن كسد سوقها وخفت بريقها، وقد استفاد سلطان العويس استفادة عملية من خلال ممارسته التجارة مع والده، واتسعت تجارته حسب تطور التجارة وظروف العصر وحالفه التوفيق في كثير من مجالاتها .

وإلى جانب تجارة اللؤلؤ، عمل بأعمال أخرى متعددة، وتنقل ما بين الهند والإمارات، حيث أكسبه هذا التنقل وممارسة التجارة خبرة حياتية واسعة .

وسلطان العويس رائد من رواد النهضة في الإمارات، النهضة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولذلك لم يكن غريباً أن تكرمه الدولة ورئيسها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، جنباً إلى جنب مع حكام الإمارات، لأنه من بناة هذه النهضة الشاملة، كما كرمته جامعة الدول العربية ضمن مهرجان تكريم المبدعين عام 1999 .

وقد قام بأعمال خيرية وإنسانية داخل دولة الإمارات، وله مساهمات مماثلة في النواحي الإنسانية والخيرية والثقافية كافة على مستوى الوطن العربي، وهو أحد مؤسسي غرفة تجارة وصناعة دبي، وعضو في مجلس إدارتها لعدة دورات، وترأس مجالس إدارة العديد من كبريات الشركات المساهمة، وحمل عضوية الكثير منها، كما أسس عدداً من المدارس .

وثائق تاريخية

يجسد هذا الرجل وجهاً من وجوه الثقافة في الإمارات عامة ودبي خاصة، وعلى هامش افتتاح مجلس سلطان العويس في منزل عريق بمنطقة الحمرية في دبي، كان الشاعر يلتقي فيه بأصدقائه المقربين والمهتمين بشغفه الأول والأخير الشعر، وقد أقيم معرض صور يجسد مراحل حياته والشخصيات التي التقاها سواء الرسمية منها أو المدنية وتضمن صوراً تاريخية للعويس مع عدد من المسؤولين ونخبة من المثقفين على مدار مراحل حياته .

وتكشف بعض الوثائق التاريخية نشاطه التجاري والفكري، منها وثيقتان هامتان، الأولى صادرة عن ديوان الحاكم في دبي مؤرخة في 9 مايو 1962 ونصها نحن راشد بن سعيد بن مكتوم حاكم دبي: نؤكد أننا أجزنا لتجار دبي أن يؤسسوا بنكاً وطنياً في دبي باسم بنك دبي الوطني برأسمال قدره مليون جنيه استرليني ويجوز لبنك الكويت الوطني المساهمة فيه بالاتفاق مع المؤسسين . وقد كان الراحل سلطان العويس مساهماً فيه .

والوثيقة الثانية المعروضة صادرة عن إمارة أبوظبي ديوان الحاكم لا تحمل تاريخاً، ونصها: حضرة سمو رئيس بلدية أبوظبي المحترم . تحية طيبة وبعد . لقد سمحنا لسلطان بن علي العويس بشراء أرض في أي منطقة . لذا نأمركم بعمل الترتيبات اللازمة مع التحيات . زايد بن سلطان .

وتعكس هاتان الوثيقتان التعاملات التجارية التي كان يقوم بها الراحل سلطان العويس ومدى ثقة ديوان الحاكم به . وهي جزء من سيرته الحياتية الناجحة .

شعره

بدأ سلطان العويس كتابة الشعر منذ العام ،1947 ونشرت أول قصيدة له في عام 1970 في مجلة الورود البيروتية .

وانتشر شعره وذاع صيته على المستويين الخليجي والعربي، وعُرف سلطان شاعراً في كثيرٍ من الأوساط الأدبية المشهورة في كل من لبنان وسوريا ومصر، وضمتّه علاقات صداقة وأدب مع كثير من الشعراء والأدباء المعروفين في العالم العربي، وتُبودلت بينهم الزيارات توثيقاً لهذه الروابط الحضارية، ولسلطان مع بعضهم قصائد متبادلة وإهداءات شعرية، وقد استطاع من خلال علاقاته تلك أن يكون سفيراً لبلاده، وأن يعرّف بشعراء الإمارات في كثير من المحافل العربية

ويعتبر العويس مقلاً في شعره، رغم أنه بدأ بنظمه منذ أكثر من 50 عاماً، ويعتبر في مقدمة الشعراء بدولة الإمارات وحلقة الوصل بين جيلين من الأدباء والشعراء، وطليعة شعراء الغزل في الخليج العربي . والإنتاج الشعري لسلطان العويس يلامس أوتار قلوب العديد من الناس على اختلاف مشاربهم، فهو يتسم بسحر البيان ولطافة الأداء والصدق في اللحظة، كما أنه صادق في ترجمة عمق الذات رغم ما يبدو للوهلة الأولى من أن موضوع حديثه يفوق المتداول ويتعالى في المطلق ويعود ذلك إلى عدم التكلف لديه .

سلطان العويس ليس شاعر الحب والغزل، بل هو شاعر بآلام أمته وواقعها المرير وتفككها، وشتاتها، ووهنها، وما تتعرض له من هزات، وما يحاك حولها من مؤامرات .

رحيله

انتقل سلطان العويس الى جوار ربه في الرابع من شهر يناير عام 2000 ويومها قال عنه الأديب السوري الكبير حنا مينا: وأنا أقرأ نبأ وفاة المغفور له بإذن الله، الشاعر الرقيق والشفاف غزلاً، الدمث الطيب خلقاً، الأريحي بناناً وجناناً، سلطان بن علي العويس، تعتادني ذكرى ذلك اللقاء وتلك الاحتفالية وتتردد في خاطري قولته بالغة اللطف عجيبة الدلالة خارقة المألوف أشكرك لأنك قبلت جائزتي، فأضع رأسي بين كفي بينما الدمعة تتحير في المقلتين .

جائزة سلطان

كان سلطان العويس أديبا وشاعراً وإنسانا عظيماً، ولم يكتف بالمكانة الأدبية التي احتلها في موطنه الإمارات، والشهرة التي كسبها في دول الخليج والوطن العربي، إلا انه أوقف جزءاً من أمواله وخصص ريعها لجائزة ثقافية تحمل اسمه، حتى باتت تعتبر واحدة من أبرز الجوائز في الوطن العربي، وجاءت تعبيراً منه عن اهتمامه بالإبداعات الفكرية والأدبية، لتمنح للعديد من المبدعين العرب في مجالات فكرية وأدبية إبداعية متعددة وله مساهمات عديدة في كافة النواحي الإنسانية والخيرية والثقافية على مستوى الوطن العربي .

وتطورت الجائزة التي كانت تحت إشراف اتحاد كتاب وأدباء الإمارات إلى مؤسسة ثقافية مستقلة، بموجب المرسوم الأميري رقم 4 لعام 1994 والصادر من ديوان صاحب السمو الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، مما أتاح له الفرصة لتشكيل هيكلها الإداري والسير نحو بناء مؤسسة ثقافية رائدة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"