عادي
وجوه من الإمارات

عائشة الكعبي.. المغرمة بالترجمة

03:00 صباحا
قراءة 5 دقائق
الشارقة: محمدو لحبيب

الموهبة تفصح عادة عن نفسها من دون تكلف، وبمجرد أن تجد المضمار المناسب لها، كأنها مهرة أصيلة لا تحتاج سوى لنقطة الانطلاق كي تحوز السبق، هذا بالضبط ما حدث مع القاصة والمترجة الإماراتية عائشة الكعبي.
«الشمعة» كانت أول قصة قصيرة تنير لها الدرب الذي تحتاج إليه لكي تثبت موهبتها، وتقول لنا عن تلك التجربة الأولى الخاصة في حياة كل كاتب: «حين كتبت (الشمعة) لم أكن أعرف بالضبط كيف كتبتها، ولم أتوقف عند اختيار الموضوع، ولا شخصية البنت البطلة الحاقدة على أهلها، كانت هناك مسابقة للقصة القصيرة وقررتُ بناء على توجيه البعض المشاركة فيها».
لم تشأ الكعبي التي تملك الآن عدة مجموعات قصصية وترجمات من بينها: غرفة القياس، ولا عزاء لقطط البيوت، وكيف كتبت الرسالة الأولى، أن تختزل بدايتها وتجربتها في أن تكتب عن المرأة وعوالمها حصراً، ذلك أنها كما تقول متمردة على كل قالب يختزل أي إنسان، رجلاً كان، أو امرأة، وتشرح ذلك انطلاقاً من سيرتها الشخصية قائلة: «منذ طفولتي كنت دائماً متمردة على كل قالب يمكن أن يختصر فيه أي إنسان، لم أشأ الاستسلام للعادات النمطية المجتمعية، فقررت أن أكون أول واحدة من أخواتي أذهب إلى الجامعة كي أدرس.
تتابع الكعبي:«والدي، رحمه الله، كرس فيّ تلك الروح، كان متفهماً جداً، وربما كان قراره بالسماح لي أن أخرج من العادات المجتمعية، التي كانت تؤكد أن البنت تذهب إلى الزواج مباشرة بعد المرحلة الثانوية، حافزا للعديد من الناس في قبيلته بأن يحذوا حذوه، لقد كان مؤثراً في مجتمعه، وكان واثقاً بي».
ثورتها على السائد وعلى النمط المكرر تلك استمرت معها، وترسخت في عملها الإبداعي كله، سواء ما تعلق منه بالترجمة، أو الكتابة الأدبية القصصية، فحين تبدأ الترجمة لا بد لها من أن تُشكل علاقة تصفها بالغرام مع النص أولاً، وتقول عن ذلك: «يجب أن أقع في غرام النص الذي سأترجمه، وإن لم أقتنع به فلن أترجمه مهما كان اسم كاتبه، ربما هذا ما دفعني مثلاً إلى ترجمة مختارات للكاتب الإيطالي الشهير إيتالو كالفينو، منها قصتان من بينها ( الرجل الذي هاتف تريزا)».
لا تريد الكعبي أن يكون الإبداع منحصراً في لغة محددة، أو معزولاً عن بقية الذين يقرأون باللغة العربية فقط، إنها تحس باللهفة على ترجمة أي نص إبداعي يبهرها، إلى القارئ العربي لأنها تشعر بأنه لا ينبغي أن يظل محروماً، إنه الإيثار الإبداعي، وتقول عن تجربتها في ذلك السياق: «حين كنت في أمريكا قرأت لكالفينو، فأحسست بالانبهار، وقلت في نفسي: لا يمكن أن يظل القارئ العربي بعيداً عن هذه المتعة السردية الفائقة لدى هذا الكاتب، فقررت ترجمته».
علاقة النص المترجم بالنص الأصلي تصنع غالباً مفارقة إشكالية عند الكثير من القراء والنقاد، وغالباً تتجنى الترجمة على النص الأصلي فتغتاله بكلماتها، بدل أن يولد في حلة جديدة، ومكان وزمان جديدين، لكن الكعبي ترى أنه لا يمكن أن يفقد أي نص إبداعي سماته التي كُتب بها في الأصل إذا كان مترجمه مبدعاً وأديباً هو الآخر، وتوضح ذلك قائلة: «لا أعتقد أن أي نص في العالم يفقد جماله الإبداعي إذا كان المترجم مبدعاً، خلاقاً، أديباً».
وتفصل الكعبي جيداً بين قدرتها الإبداعية في ترجمة النصوص الأدبية، وبين قدرتها ككاتبة تكتب نصها الشخصي، وتعتبر أن اللغة هي الفيصل في كل ذلك، فتقول: «لا أعتقد أنني تأثرت بالكتب التي ترجمتها، أو بسماتها الإبداعية، أثناء كتابة نصي الشخصي بلغتي العربية، لا أنظر إلا لذاتي، لترسيمات الكلمات والشخوص ضمن إطار تلك اللغة، أما في الترجمات فأعيش في أجواء النص الذي أترجمه، ومحدداته الثقافية المختلفة».
ورغم أنها سافرت إلى أمريكا لدراسة واستكمال تخصصها العلمي البحت في مجال استزراع الأنسجة، إلا أنها أقبلت بنهم وشغف معرفي على التعرف إلى أحدث الاتجاهات في مجال القصة القصيرة، فكانت علاقتها عندئذ بالقصة القصيرة جداً، وتقول عن ذلك: «حين سافرت لأمريكا، كنت مهتمة جداً بالتعرف إلى أحدث التطورات في القوالب الأدبية المعروفة والحديثة، من هناك اجتذبتني القصة القصيرة جداً، فكنت أول كاتبة إماراتية تكتبها، كان ذلك سنة 2010، وفي سنة 2011 فزت بجائزة المرأة الإماراتية للآداب والفنون عن مجموعتي لا عزاء لقطط البيوت) التي ضمت 57 أقصوصة».
للغة كذلك دورها في اتجاه الكعبي لكتابة القصة القصيرة جداً، فهي تعتقد أن اللغة العربية تبدو وسيطاً مثالياً للإبداع القصصي المكثف، والمختصر جداً، وقادرة بحمولتها الثقافية على استيعاب كل البنية السردية التي لا تتعدى بضعة أسطر أحياناً، وتقول عن ذلك: «لا أحب عادة أن أخوض في مسألة تميز لغتي العربية عن غيرها من اللغات، إنه موضوع متجاوز بالنسبة إلي، لكني أعتقد أنه من ناحية فنية سردية بحتة، فاللغة العربية تبدو مثالية جداً لكتابة القصة القصيرة جداً، إن اللغة العربية مختلفة جداً، إنها مكثفة، والكلمة الواحدة تعطيك أكثر من معنى».
ولا تأبه الكعبي كثيراً للدعاوى التي تحاول الفصل بين تخصص الكاتب العلمي، وإبداعه الأدبي، إنها لا تشعر بالمفارقة في ذلك، وتعتبر أن الأسئلة التي تثير الشغف واحدة في عمقها، وتقول: «اتجهت للتخصص العلمي بدافع الفضول المعرفي، ومنذ طفولتي كانت لدي أسئلة كثيرة عن الحياة، عن وظائف الجسم، وأجهزته التي تعمل في منتهى الدقة، وعلى مدار اللحظة، وتطورت تلك الأسئلة معي زمناً طويلاً، ثم وجدت نفسي في لحظة في مسار دراستي مجبرة على أن أختار بين التخصص الأدبي وبين العلوم، كنت حائرة، لكني وجدت أنه بالقراءة يمكنني تطوير نفسي أدبياً، لكن العلم يحتاج للتخصص العملي، فاخترت من دون تردد، وفي الواقع ثمة أمثلة كثيرة لمبدعين عالميين تثبت أنه لا تعارض بين أن تكون أديباً وتخصصك ومهنتك علمية بحتة».
الكعبي أم لطفلين، وهي ترى أن أمومتها يجب أن تسبق أي نشاط إبداعي لها، وتفسر ذلك قائلة: «الأم لا تملك رفاهية الاختيار التي تتاح للأب مثلاً، ذلك أنها مقيدة بلذة العطاء من دون حدود، وبالنسبة إلي أنا أم لطفلين يحتاجان مني لكل الرعاية، ربما لذلك أنا مقلة جداً في الكتابة والترجمة، ومع ذلك أحاول حين ينام الجميع أن أختلي بنفسي لأكتب، إنها متعة خاصة».

قلق إبداعي

تحتاج الكعبي إلى الهدوء التام حين تشتغل على نص معين لترجمته، إنها تحتاج للقراءة بتركيز لكل جملة، ويصاحبها التساؤل الإبداعي القلق، عن كيفية صياغة تلك الجملة بأفضل طريقة ممكنة، وتقول: «حين أريد الترجمة أحاول الانعزال وحدي، ولا بد أن أكون في كامل تركيزي على النص، أتساءل عند كل جملة: كيف أترجمها بأحسن صياغة من دون أن أغير من سياقها الإبداعي في النص الأصلي».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"