عادي

الشعر الحر

04:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
نجاة الفارس
تتأثر حركة الشعر بالتحولات السياسية والاجتماعية والفكرية، وعندما نبحر في التاريخ الأدبي قليلاً نجد أن حركة الشعر الحر برزت على المستوى العربي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وقد شكلت منذ بداياتها منعطفاً مهماً في مسيرة الشعر العربي، وتغيراً جذرياً في شكل هذا الشعر ومضمونه وطبيعته ومفهومه ووظيفته.
لكنّ الباحث المدقق لا يملك إلا أن يضعها في سياقها التاريخي الخاص، وأن يربطها بالحلقات التي سبقتها، فقد أدى نشاط الجماعات التجديدية السابقة لحركة الشعر الحر إلى بلورة الاتجاه الرومانسي في الشعر العربي الحديث، هذا الاتجاه الذي ازدهر بشكل خاص بين الحربين العالميتين، ومع تسارع التحولات التي طرأت على المجتمع العربي، أخذ بريق الرومانسية العربية يخفت، ليفسح المجال أمام حركة شعرية حداثية أقدر على الاستجابة لمتطلبات العصر الفكرية والجمالية وشروطها الموضوعية الخاصة فكانت ولادة حركة الشعر الحر.
يتفق النقاد على أن الرواد العراقيين «السياب، نازك الملائكة، البياتي، بلند الحيدري» هم من أرسوا المعالم الأولى في طريق الحداثة الشعرية العربية، ولا سيما في مراحلها الأولى، لكنهم يختلفون في تحديد نقطة البداية، بعضهم يردها إلى قصيدة السياب «هل كان حبا» أو إلى قصيدة الملائكة «الكوليرا» وكلتاهما تعود إلى سنة 1947، وقد يردها بعضهم إلى قصائد محدودة متفرقة تعود إلى فترات أسبق في شعر علي أحمد باكثير، ولويس عوض، وبديع حقي، ومصطفى وهبي التل وغيرهم.
وإذا كان الرواد العراقيون قد لعبوا دوراً بارزاً على مستوى الإبداع والنقد في المرحلة الأولى، فسرعان ما تبعهم عدد غير قليل من الشعراء اللامعين في لبنان ومصر وسوريا وسائر الوطن العربي، منذ أواسط الخمسينيات، مثل: أدونيس، خليل حاوي، صلاح عبد الصبور، أحمد عبد المعطي حجازي، يوسف الخال، نزار قباني وغيرهم.
معظمنا يعلم أن الشعر الحر من الناحية الفنية يقوم على شيء من الحرية والتوسع في استخدام البحور والأوزان والقوافي، واتخاذ التفعيلة نواة أساسية للتشكيل الإيقاعي بدلاً من البيت ذي الشطرين المتناظرين تناظرا هندسيا تاما وذي القافية الموحدة، وقد سمحت هذه الحرية باستثمار آفاق إيقاعية جديدة كامنة في طبيعة اللغة العربية، وقد توسع الشعراء في استغلال هذه الآفاق حين سمحوا لا سيما في المراحل التالية للتداخل بين البحور والتفعيلات، والتناوب بين الشكلين العمودي والحر، ومزج البحور والتفاعيل في المقاطع المختلفة، واختلاط الوزن بالنثر في القصائد الطويلة المركبة خاصة، وغيرها من الاحتمالات الإيقاعية المنفتحة على آفاق رحبة.
اتسع المعجم الشعري المستعمل في القصيدة الحرة، بحيث اشتمل على ألفاظ وعبارات مستمدة من أصول كلاسيكية، وعبارات جدت في الحياة العربية المعاصرة، كما استخدم الشعراء كثيراً من الألفاظ والعبارات العامية الدارجة، وحاولوا أن يقتربوا ما أمكن من لغة الحديث اليومي.في مجال الصورة الشعرية مال شعراء هذه الحركة إلى التوسع في استخدام الرمز والإشارة والأسطورة، والبناء الصوري الكلي الذي يقوم على أساس العمل الشعري كله، لا على أساس الصورة الجزئية المفردة وهي سمة استدعاها الإلحاح على تحقيق الوحدة العضوية في القصيدة، كما توسع شعراء التفعيلة في استخدام العناصر القصصية المسرحية كالمونولوج والقناع والأصوات الشعرية المتشابكة، وذلك لإقامة نوع من التوازن بين الذاتي والموضوعي، وللتقليل من حدة النزعة الغنائية التي ظلت غالبة على أنماط الشعر العربي التقليدي.
لعلنا نتبين كثيراً من هذه الملامح الفنية في قصيدة بدر شاكر السياب المشهورة «أنشودة المطر».
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"