عادي
أفق

جذوة الشعر

03:15 صباحا
قراءة دقيقتين

محمد ولد محمد سالم
من يتابع المشهد الشعري في الوطن العربي، وبشكل خاص الأنشطة التي ترعاها الشارقة داخل وخارج الإمارات يدرك أن الشعر العربي، لا يزال قادراً على الإبداع، وأن فيه من الغنى والثراء الفني ما يبشر بمستقبله، ولديه من المبدعين والمواهب الخلاقة ما يطمئن عليه، فالساحة على عرضها ولاّدة بالمواهب التي تتتابع جيلاً بعد جيل، ولا ينقصها التراث الشعري الراسخ ولا الانفتاح على العصر وتياراته، لكن ما ينقصها هو قليل من الدعم والرعاية لكي تجد فرصة للانصراف للشعر والاختلاء معه حتى تخرج القصيدة ناضجة مكتملة الأدوات محكمة البناء.
مضت فترة من الركود ساد فيها الاعتقاد بأن الشعر العربي انتهى، ولم يعد هناك من يكتبه، وتحول الشعراء عنه إلى غيره من الفنون الأدبية التي توفر لهم دعما وحضوراً أكثر، لكن مع انتشار المسابقات الشعرية في الوطن العربي، ومع برنامج العمل الشعري المكثف الذي أطلقته الشارقة بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بدأت الأصوات الشعرية ترتفع والمواهب تتفتق، كان مهرجان الشعر الذي تنظمه دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة الأساس الأول لذلك البرنامج، ثم توالت بعده المبادرات، لتتوج ببيوت الشعر، في الأردن وموريتانيا ومصر والمغرب وتونس والسودان.
لقد أصبحت هذه البيوت محركات إبداع في المدن التي تنشط فيها، وانهمر في أروقتها من فنون القول ما كان يظن أنه بذهاب عمالقة الستينات والسبعينات، لن يعود، لكنه عاد الآن بشكل مكثف على تلك المنابر، وانكشف الأمر على أن الحالة هي حالة كمون وخفوت، وليست حالة نضوب، فيكفي أن تمتد إليه يد لتحركه فيسقط الرماد وتظهر جذوة الجمر متوهجة بجمالها الأرجواني الأخاذ.
لا يقتصر أمر الإبداع على الأجيال المخضرمة من الشعراء الذين ترسخت أقدامهم في مجال حبك القصيدة، بل يتعداهم إلى الأجيال الجديدة، فلن تعدم أن ترى على منابر الشعر في البلدان العربية شبابا غضا يأتي من صنوف فنون القول بما يدهش سامعه، فيؤلف من الصور ويضفر من المتناقضات ما كان تصوره مستحيلا، لكنه عند تحققه يبدو جميلاً باهرًا، ومن ضيوف مهرجان الشعر لهذه الدورة عدد من أولئك الشباب المميزين، وقد شاهدنا في افتتاحه ذلك الفتى السوداني الموهوب محمد عبد الباري الذي يشكل مثالاً جيداً على ما تؤسس له أجيال اليوم من مستقبل أدبي رائع، وهو نفسه يدين في جانب من حضوره الشعري لمشروع الشارقة للشعر العربي، فقد فاز سابقاً بجائزة الشارقة للإبداع العربي.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"