عادي
الشارقة تُحلِّق براية القصيدة

بيوت الشعر تستعيد زمن ديوان العرب

02:15 صباحا
قراءة 3 دقائق
الشارقة: علاء الدين محمود

باتت بيوت الشعر العربية التي تأسست في عدد من العواصم العربية بتوجيهات ورعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، تحتل مكانة تكاد تكون الأبرز في الساحة الثقافية العربية، فقد عملت على تجديد الفعل الثقافي العربي في كل البلاد التي أقيمت بها، واستعادت العلاقة بين الشعر وجمهوره، وبين الشعراء والمقدرة على الإبداع والنظم، لقد كانت تلك البيوت لحظة شهدت عودة ديوان العرب الذي حفظ تاريخهم ولغتهم وتراثهم ووثق أمجادهم وبطولاتهم، فكان أن سطع البريق الذي كاد أن يخبو، فغدا للشعر ذلك الطابع اليومي بعد أن كان فعلاً موسمياً تحتضنه المهرجانات والمواسم الثقافية، وأضحى له مؤسساته التي ترعاه وتخطط له وتقيم البرامج والاستراتيجيات، وتعمل من أجل أن يستمر العطاء الشعري في كل العالم العربي.
وقد ظلت الشارقة مؤمنة بضرورة الاهتمام بالشعر، حيث افتتح بيت الشعر في الشارقة في نوفمبر عام 1997، و جاء ذلك وسط احتفالية كبيرة وفرحة عمت المثقفين والشعراء والأدباء في كل الدولة، حيث ألقيت الأشعار والأهازيج التراثية، فكان ذلك المنجز منعطفاً كبيراً على مستوى الإنجازات الضخمة للشارقة على الصعيد الثقافي، ولقد تناسل هذا البيت فكان أن تأسست عدة بيوت أخرى في العالم العربي في الخرطوم والقيروان ومراكش وتطوان والأقصر ونواكشوط والمفرق.
منذ نحو عامين ونصف العام، أطلق صاحب السمو حاكم الشارقة، مبادرة تأسيس 1000 بيت للشعر في العالم العربي، وها هي تلك المبادرة صارت تشكل حصناً حصيناً للشعر وأحد روافد الإبداع في كل المنطقة العربية، حيث عملت على تنمية الفكر وتحفيز الشعراء نحو الإبداع عبر دعمهم، فكانت الثمار هي تجويد على مستوى النظم والقصيد، حيث عملت البيوت على إذكاء المنافسة بين الشعراء وتعزيز التفاعل في ما بينهم لتقديم الأجمل، والمساهمة في تطوير وإبراز جماليات العربية، كما عملت على تغذية ثقافة التسامح والتنوير الفكري في المجتمع.
وقد ظلت تلك البيوت في نشاط لا ينقطع، ففي الشهر الماضي شهد السودان والمغرب والأردن، مهرجانات الشعر العربي، وستتواصل تلك المهرجانات التي لا يلقى فيها الشعر فقط؛ بل هي مناسبات كبرى لمناقشة القضايا المتعلقة به، وعلى رأسها الاهتمام باللغة العربية الفصحى ومصطلحاتها، حتى يعود لها الألق القديم، فتصبح لغة الراهن والعصر، ووسيلة التواصل بين كل الشعوب العربية والإسلامية، فتلك المهرجانات والمناسبات التي تحتضنها بيوت الشعر هي بمثابة نشاط من أجل اللغة الفصحى وتمكينها في وسائل الإعلام وفي الواقع اليومي، وتقديم المقترحات من أجل أن يكون للمناهج الدراسية دورها المأمول في صناعة أجيال متمكنة، محبة للغة العربية، متحدثة بها، كما تناقش البيوت قضايا النقد والاتجاهات الحديثة في الشعر والأدب، فهي لم تغلق نفسها على الأشكال التقليدية في النظم وبناء القصيدة؛ بل انفتحت على كل اتجاهات وأجناس الشعر حديثه وقديمه، وتتبادل تلك البيوت الخبرات عبر اللقاءات المشتركة، وهو أمر يؤتي أكله في العالم العربي ثقافة وإبداعاً وتنمية معرفية تستهدف الإنسان العربي وتطويره، والتحليق به بجناحي الفكر والثقافة، ولعل من أهم الأهداف التي وضعتها بيوت الشعر نصب عينيها: تأصيل دور الشعر في الحركة الثقافية والمجتمع، وإيصال صوته إلى قطاعات المجتمع كافة، وتوثيق الحركة الشعرية المحلية والخليجية والعربية، والتفاعل مع الحياة الثقافية وطنياً وعربياً وإنسانياً، ودعم الشعراء وتشجيعهم مادياً ومعنوياً، وهي الأشياء التي ظلت غائبة عن الحراك الثقافي ويصب حضورها مباشرة في النهضة الثقافية الشاملة للعالم العربي، ويبرز موروث وهوية الأمة.
لقد أصبح لبيوت الشعر أثر بيّن وواضح في خارطة الفعل الثقافي العربي، وبات دورها يزداد توهجاً في كل يوم، فقد رفعت عالياً رايات الثقافة العربية عبر الشعر الذي له خصوصيته الكبيرة منذ القدم، حيث صارت المساحات العامة والحدائق والمقاهي والمناطق الأثرية والتاريخية مكاناً لإلقاء الشعر الذي تحرر من ضيق القاعات المغلقة، وصار ثقافة عامة، وهو الأمر الذي يرد على دعاة «انتهاء زمن الشعر»، وتأكيد دوره في الوعي والمعرفة وتفجير الإبداعات الإنسانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"