عادي
الفيزيائي النابغة.. أم «النووي» القاتل؟

إنريكو فيرمي

04:25 صباحا
قراءة 7 دقائق
إعداد: عثمان حسن

إنريكو فيرمي أمريكي إيطالي ولد في العاصمة الإيطالية روما يوم التاسع والعشرين من سبتمبر عام 1901.
بينما كان إنريكو طفلاً صغيراً، توفي أخوه الأكبر، فترك ذلك في نفسه أثراً عاطفياً ونفسياً كبيراً، ما دفع والديه إلى تشجيعه أكثر على الاهتمام بطلب العلم، آملين أن يجد طفلهما في ذلك بعض التعزية، لينصب اهتمام إنريكو مبكراً على الفيزياء، وليجد نفسه في سنوات المراهقة الأولى يجري تجارب فيزيائية مع أصدقائه.
خلال الدراسة الجامعية نبغ إنريكو الشاب من خلال ما أظهره من تفوق علمي لافت، حتى نال درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف، وأخذ يرتقي سريعاً في مدارج السلك الأكاديمي، والوسط المهني.

العنصر 93

قضى إنريكو سنوات من البحث في أسرار الذرة وعوالمها، وكان من أبرز ما توصل إليه العنصر رقم 93، وهو عنصر جديد أضافه إلى الجدول الدوري للعناصر، ما جلب له شهرة ومكانة علميتين فائقتين.
اكتشف إنريكو إمكانية التحول النووي في أغلب المواد، وكانت ذرة اليورانيوم إحدى الذرات التي قام بشطرها.
ومن خلال هذه الأبحاث توصل إنريكو إلى اكتشاف «إبطاء النيوترونات» في الذرة، وبذلك تم التوصل إلى ما يعرف بالانشطار النووي. وهكذا، وضعت على قائمة الجدول الدوري عناصر جديدة لم تكن معروفة من قبل.
عرف إنريكو فيرمي بأنه مكتشف العنصر رقم (93)، ولم يكن العلم قد عرف بعد ما أطلق عليه لاحقاً «النظائر»، وهو أن العنصر الواحد يمكن أن يكون له ثلاث صور متحدة في الخواص الظاهرية ولها خواص أخرى.
وبذلك، تبين أن العنصر (93) ليس غير نظير من نظائر العنصر (92)، الذي هو اليورانيوم.

جائزة نوبل والفاشية

أصبح إنريكو فيرمي عام 1938 أحد حاملي جائزة نوبل في الفيزياء بفضل أبحاثه النووية، وتحديداً في النشاط النووي الصناعي، وإبطاء النيوترونات.
بحصول إنريكو على نوبل، حصلت عائلته على طوق نجاة مكنها من الهرب من الفاشية، ففرت العائلة من إيطاليا إلى الولايات المتحدة، حيث بدأ إنريكو فيرمي كتابة فصل «متفجر» من البحث العلمي.

القنبلة النووية

في الولايات المتحدة، واصل إنريكو فيرمي عمله الأكاديمي، كما واصل أبحاثه النووية التي قادت لاحقاً ومن خلال تجربة مهمة أجريت عام 1942 إلى أول تفاعل نووي متسلسل يمكن التحكم به.
لاحقاً كان ما يعرف ب «مشروع منهاتن» يجري تجاربه وأبحاثه من أجل صنع القنبلة النووية، تزامناً مع الحرب العالمية الثانية، وكان إنريكو فيرمي أحد قادة هذا المشروع.
عام 1945 أشرف الرئيس الأمريكي هاري ترومان على إنهاء الحرب العالمية الثانية واستسلام كل من ألمانيا النازية واليابان، كما أمر بإطلاق قنبلتي هيروشيما وناجازاكي الشهيرتين في أغسطس منذ ذلك العام.
يذكر دارسون أن إنريكو فيرمي وقف إلى جانب علماء وباحثين آخرين، في وجه مساعي ترومان، محاولين ثنيه عن تطوير القنبلة الهيدروجينية، ومحذرين من خطرها، إلا أن ترومان تجاهل هذه التحذيرات.

الفصل الأخير

في السنوات اللاحقة انصب اهتمام إنريكو فيرمي على «فيزياء الطاقة العالية»، وتفسير الطاقة الهائلة للجسيمات في الأشعة الكونية، متفرغاً للعمل في معهد الدراسات النووية بجامعة شيكاغو.
عام 1954، وبعد أشهر من تشخيص إصابته بسرطان المعدة، توفي إنريكو فيرمي في شيكاغو في الثامن والعشرين من نوفمبر، عن ثلاثة وخمسين عاما.

مفارقة فيرمي

يدل مفهوم «مفارقة فيرمي»، على مجموعة حلول مقترحة لسؤال إنريكو فيرمي: أين الجميع؟
ويقصد بذلك محاولة الإجابة عن سؤال إمكانية وجود عوالم أخرى، أو حياة أخرى في هذا الكون.
وهذه الحلول المقترحة في الواقع تتراوح ما بين مليارات الفرص، وبين انعدام الفرص تماماً خارج كوكب الأرض، وقد أخذت هذه المسألة اسم «المفارقة» من هذا التباين الشديد في الحلول المقترحة.
كان سؤال «أين الجميع؟» المذكور آنفاً قد صدر عن إنريكو فيرمي، وهو يقرر عدم وجود أي دليل على وجود حياة ذكية في الكون، غير هذه التي نعرفها على كوكب الأرض.
والمفارقة الناشئة هنا تنبعث من تلك الاحتمالات الكبيرة التي تتعدد بتعدد النجوم في الكون، التي يبلغ عددها المليارات، وبعضها أكبر عمراً من نجمنا (الشمس) بمليارات السنين كذلك.
هنا توجد احتمالات عالية بأن تحتوي بعض هذه النجوم على كواكب تشبه الأرض، وعلى حياة ذكية، وهنا أيضاً يكمن احتمال حدوث السفر بين النجوم، ما يعني أنه يجب على تلك الحياة أن تزور الأرض أو تكون قد زارت الأرض، أو أن تترك دلائل تشير إلى وجودها. هذه الاحتمالات لم تتحقق بحسب علمنا. إذن، «أين الجميع؟».

حلول مقترحة

تعددت النظريات، أو الفرضيات، التي وضعها العلماء والباحثون جواباً للإشكالية التي طرحها إنريكو فيرمي، فقال بعضهم إن «هؤلاء» - أي أبناء الحيوات الذكية الأخرى - موجودون فعلاً، لكنهم لا يتواصلون معنا، نحن أهل الأرض.وقريباً من ذلك، قال آخرون إن هؤلاء موجودون فعلاً، وهم يتواصلون معنا، لكن المشكلة أننا نحن أهل الأرض لا نستطيع تلقي هذا التواصل.
من الفرضيات المطروحة أيضاً اختلاف الزمان والمكان، بأن يكون هؤلاء قد وجدوا في وقت غير وقتنا، وأن يكونوا قد وجدوا في مكان غير الأرض. البعض الآخر قال: إن هؤلاء قضوا بفعل دمار ناشئ عن شيء ما، قد يكون تدميرهم لأنفسهم، لافتين إلى الحرب النووية التي يحذر علماء من أن بإمكانها - حال وقوعها على الأرض - أن تقضي على الجنس البشري كاملاً.
آخرون اكتفوا بالقول ببساطة: إننا قد نكون غير مهمين بالنسبة لهؤلاء، أي أن يكونوا متطورين لدرجة تجعلنا بالنسبة لهم كالحشرات مثلاً بالنسبة للبشر.. فهذه الحشرات أمامنا دائماً، لكننا لا نفكر بالتواصل معها، لأن ذلك ببساطة لا يشكل لنا أمراً مهماً.

الرجل الذي يعرف كل شيء

وضع المؤلف ديفيد شوارتز كتاباً في سيرة إنريكو فيرمي اختار له عنوان «الرجل الأخير الذي يعرف كل شيء»، قاصداً أنه كان يعرف كل شيء عن الفيزياء.
يتحدث شوارتز في كتابه عن المكانة العلمية العالية التي كان فيرمي يحظى بها بين أقرانه، وكيف كانت الفيزياء تشغل كل وقته، بحسب ما ينقل عن زملائه.
هذا الكتاب هو واحد من أكثر الكتب التي تناولت حياة فيرمي بالتفصيل، كما أنه يقدم دفاعاً عن فيرمي وما تعرض له من إدانة لكونه واحداً من قادة مشروع «مانهاتن» المسؤول عن القنبلة النووية المدمرة، حيث يرى شوارتز أن فيرمي ورفاقه علماء مشروع مانهاتن تعرضوا إلى الكثير من الإدانة أكثر مما كانوا يستحقونه، داعياً إلى تقدير الظروف التاريخية والأوضاع التي كان هؤلاء العلماء يواجهونها في ذلك الوقت.
وبطبيعة الحال، فإن هناك مساحة كبيرة من الجدل هنا ما بين ما يدعو إليه شوارتز انتصاراً لفيرمي ورفاقه، وما يعتبره من هم على الطرف الآخر تواطؤاً ومسؤولية مباشرة أو غير مباشرة عن مئات الآلاف من الضحايا.

فيرمي ولجنة الطاقة

في عام 1947 اجتمعت اللجنة الاستشارية الأمريكية للطاقة الذرية لأول مرة في مقر إدارة الحرب في العاصمة واشنطن، وكان من الحضور في الصف الأول البروفيسور إنريكي فيرمي من جامعة شيكاغو، والبروفيسور غلين سيبورج من جامعة كاليفورنيا وهارتلي رو نائب الرئيس الأمريكي، وكان من الحاضرين أيضا وقوفا: البروفيسور ايزادور إسحاق رابي من جامعة كولومبيا.

إنريكو وثورة الفيزياء الحديثة

يحكي الكتاب قصة انريكو فيرمي بدءاً من العام 1938، كان حينها في السابعة والثلاثين من عمره، حيث حصل في ذات العام على جائزة نوبل في الفيزياء، فهجر بلده إيطاليا إلى الولايات المتحدة، وهناك بدأ عملية بحث مكثفة اكتشف خلالها وعبر سلسلة من التجارب الانشطار النووي - وهي عملية تشكل أساس الطاقة النووية والقنابل الذرية. وسرعان ما شارك في السباق السري الأعلى لإنتاج السلاح الأكثر فتكًا على الأرض. خلق أول تفاعل متسلسل يعتمد على الذات، ثم ابتكر طرقًا جديدة لتنقية البلوتونيوم، وشارك في النهاية في أول اختبار ذري.
الكتاب يتتبع سيرة انريكو العلمية منذ كان في إيطاليا مرورا بأمريكا وأبرز التجارب المبتكرة التي قام بها في جامعة روما، وجامعة كولومبيا ومخ
تبر لوس ألاموس.
ويعرض الكتاب كذلك بأسلوب مبسط، طرق اشتغاله على الفيزياء الكمية والنووية، وهي سيرة مدعمة بالصور، مع قصص شخصية مر بها هذا العالم الكبير الذي سجل اسمه في سجل العلماء الذين شكلوا إضافة تلقي الضوء على هذا الكون الواسع الذي نعيش فيه.

كتاب حياتي مع إنريكو فيرمي

هو كتاب قامت بتأليفة لورا فيرمي زوجة الفيزيائي إنريكو، وفيه تستعرض جانبا من حياتها مع فيرمي، في سيرة ذاتية واجتماعية بدءاً من نبوغه في الفيزياء وتسلسل صعوده في الجامعات الإيطالية في ثلاثينات القرن الفائت، تحكي لورا قصة نوبل التي مكنتها وزوجها من الفرار إلى الولايات المتحدة هرباً من النظام الفاشي، حيث كانت أمريكا في ذلك الوقت مهد العالم الجديد الذي احتضن الكثير من العلماء الأوروبيين.

الملاحظات الضائعة لفيرمي

يروي هذا الكتاب قصة غريبة عن اكتشاف غير متوقع يلقي الضوء على لحظة حاسمة في تطور الفيزياء، وهي اكتشاف النشاط الإشعاعي الاصطناعي الناجم عن النيوترونات. والاكتشاف المقصود به هنا، هو العثور على دفتر ملاحظات، مكتوب بوضوح بخط يد فيرمي، عن تلك الأيام والليالي المحمومة التي قضاها انريكو وهو منهك في إجراء التجارب، وأخيرا تم العثور على دفتر الملاحظات من قبل المؤلفين أثناء تصفح الوثائق التي خلفها الكيميائي أوسكار داجوستينو، بين مجموعة فيرمي. ومن الملاحظات التي تركها فيرمي، استطاع العلماء أن يستعيدوا بناء المهارات والخبرات وفق الجدول الزمني لتلك الأيام الحرجة التي أدت إلى اكتشافه الحيوي.
مثل الكتاب بالنسبة للعلماء الذين أتوا بعد إنريكو فيرمي دليلاً أولياً على عنصر النيوترون والاضمحلال الناجم عن النيوترون، هذه القصة الرائعة التي تم اكتشافها من دفتر ملاحظات انريكو، وفرت فرصة لدارسي العلوم ومن لديهم شغف بتاريخ العلوم ليعرفوا أكثر وأكثر.

ضوء

أين الجميع؟.. تساءل الرجل وهو يبحث عن تلك العوالم الذكية التي يفترض أن تشاركنا هذا الكون.
كان سؤاله مفارقة كبيرة استدعت الكثير من الفرضيات والنظريات العلمية، تماماً كما كانت حياته مفارقة أخرى، ما بين النبوغ العلمي، والاتهام المباشر بالمسؤولية عن التوصل إلى القنبلة النووية التي أودت بكل أولئك الضحايا الأبرياء.
إنريكو فيرمي.. شخصية إشكالية، لكنه «الرجل الذي يعرف كل شيء عن الفيزياء».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"